الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠١٣ -
١١:
١٠ ص +02:00 EET
بقلم : د. أحمد الخميسي
أحيانا تعتم الدنيا، تتفرع الدروب مغطاة بالأعشاب، تتشابه المخارج والمتاهات، وفجأة يضوى بطول السماء شعاع برق ينير الطريق. هكذا كان فوز د. منى مينا بموقع أمين عام نقابة الأطباء. وهكذا كان لانتخابها مغزى أشمل وأعمق وأبعد من العمل النقابي. مغزى أخلاقي ووطني وسياسي وثقافي كنا ومازلنا في أمس الحاجة إليه. ففي انتصارها إعلاء لكل قيم العمل الوطني الذي تموله ثقة الناس وليس مؤسسات " فورد" و" فريدم هاوس". إعلاء لقيم العمل الدؤوب المتراكم بعيدا عن الفهلوة والوثب من موقف لآخر مع اللحاق في الوقت ذاته بأول مغنم صغير. كل تاريخ منى مينا كان إشارة إلي قيم أخرى في العمل الوطني. في عام 2003 كانت تقف في المظاهرات المناهضة للغزو الأمريكي للعراق. في 2007 شاركت في تأسيس حركة " أطباء بلاحقوق" ليس فقط لرفع أجور الأطباء بل بالأساس لزيادة الميزانية المخصصة لوزارة الصحة لعلاج الناس. في انتفاضة 25 يناير حضرت منذ اليوم الأول إلي الميدان، وأنشأت" المستشفى الميداني" لاسعاف المصابين. في 2011دعت إلي إضرابات الأطباء، شاركت فيها، وحين عرض عليها في نوفمبر من العام نفسه مقعد وزير في حكومة الجنزوي رفضته لكي لا تكون كما فعل الكثيرون رشة سكر تداري فساد الوجبة! هذا هو المغزى الأخلاقي لانتصار منى مينا. على المستوى الوطني فإن فوزها انتصار للضمير المصري على كل محاولات زجه وحبسه وراء قضبان فكرة طائفية مذهبية. لقد علت شمس الوطنية لتعلن أنها لا تستلهم إلا ما يجمع المصريين لا مايفرقهم، من دون تمييز بين قبطي ومسلم، فتجدد بذلك الفوز شعار الوطنية المصرية المجيد " الدين لله والوطن للجميع". سياسيا لأنه قيل إنه تمت الإطاحة بسلطة الإخوان بانقلاب، فجاء انتخابها ليؤكد أن الإخوان يخسرون بالتصويت وليس بالقوة نقابة ظلت حكرا عليهم نحو ثلاثين عاما. أي أن إزاحة الإخوان كانت مطلبا شعبيا تم بتدخل عسكري لكن لو أتيحت الفرصة لتم أيضا بالتصويت الحر! هذا هو المغزى السياسي لانتصار هذه الطبيبة التي أطلقوا عليها " مسيح ميدان التحرير". ثقافيا كان فوز منى مينا ضربة لثقافة رجعية طالما هونت من قدرات المرأة وصغرت إنسانيتها ورسمت لها دائرة وحيدة للوجود العقلي والروحي: الأنوثة وجدران البيت والعمل المنزلي والإنجاب، فجاء انتصارها إعلانا يؤكد مجددا أن المرأة قادرة على أن تشغل أهم المراكز وأن تقود العمل النقابي والسياسي بكفاءة مثلها مثل الرجل أو أفضل منه.
بوسعنا أن نقول بافتخار لدينا سيدات عظيمات يضربن مثالا على عمل دؤوب من دون أطماع شخصية، من دون تمويل مشبوه، من دون ثرثرة، من دون ترتيب لخصلة شعر أمام الكاميرات. لدينا منى مينا يمكننا أن نرفع اسمها بحرص وحب ونضعه بجوار أسماء سيدات فتحن للوطن طاقة نور وأشعلن أعمارهن شعاع برق بطول السماء، انخرطن في العمل السياسي، والاحتجاجات، أخفين المطابع السرية، وتعرضن للسجون، وحملن السلاح دفاعا عن الوطن، بدءا من سيزا نبراوي، ونبوية موسى، وهدى شعراوي، ودرية شفيق، ولطيفة الزيات، وفاطمة زكي ، وثريا شاكر، حتى سالي زهران وبطلات انتفاضة يناير.
أولئك بنات مصر مخلوقات من عصارة قلبها وطميها ونبتها ونسيمها. مصر أيضا مخلوقة من شجاعة وتضحيات بناتها. وماكان لمصر أن تبدو هكذا جميلة، شاعرة، صابرة، ملهمة، من دون بناتها.