إبراهيم عيسى | الاربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠١٣ -
٠٧:
١١ ص +02:00 EET
احمد دومه
أنا شخصيًّا من المنحازين إلى أحمد دومة، وأراه شابًّا نقيًّا مُخلِصًا شجاعًا ومثقفًا وصُلبًا، هو وحده طول الوقت، رأيه من دماغه ومواقفه من إخلاصه، لا وراءه فريق ولا خلفه جماعة، وأنا واثق من سلامة نية وعظمة مقصد أحمد دومة تحديدًا، وهى شهادة للمحكمة إن طلبَتها ولأى أحد إن كان مهتمًّا أساسًا بشهادتى، ولا شك عندى أن الحكم الابتدائى الذى صدر أمس لن يصمد طويلًا أمام الاستئناف، وأن الإنذار والتحذير كانا هدفًا أعلى من العقوبة الثقيلة التى أنزل بها القاضى على ثلاثتهم (ماهر وعادل ينتميان إلى مجموعة تتفكك وباتت تعانى اضطرابًا مؤسفًا فى أفكارها وأولوياتها ومصالحها، بل لعل اضطرابًا عقليًّا مزعجًا أكبر وأسوأ يحيط بها أصلًا، ثم إن كل أركان الدنيا تقريبًا اخترقت هذه المجموعة حتى بدت ممزَّقة الهُوِيَّة شائهة الهوى).
الأمر كله بقسوة الأمن المفرطة والمستدعية لأداء قديم لا يمكن قبوله ولا يمكن أن يعود، وحمق شبابى مثير للشفقة حيث الاحتجاج بلا وعى والغضب بلا حد والأولويات المفقودة، وبتلك الروح الفوضوية التى يروج لها صبية الملاعب السياسية والخلط المتعمد والغبى بين الثورية والفوضوية واحتكار تمثيل الثورة والعدوانية التى تشبه عدوانية الإخوان فى التعامل مع الشعب الرافض لمواقف هؤلاء واختياراتهم، خدمة الإخوان والإرهابيين هى محصلة هذا المشهد العبثى لكل الأطراف المتصادمة حول قانون التظاهر (الذى ينظم التظاهر ولا يمنعه بالمناسبة، ثم هو مؤقت ويمكن تعديله أو إلغاؤه أو إبقاؤه من خلال برلمان قادم).
لكن المشهد الذى يجب أن يتأمله العاقل من هذه القوى الاحتجاجية، إن بقى فيها عاقل، هو هذا الاختلاف، بل التناقض المذهل، فى حجم الاهتمام والدعم والتضامن الشعبى مع دومة عندما كان فى مواجهة مرسى ورجال جماعة الإخوان، حين كانت مصر كلها تحتضن موقفه وتنتصر له وتدافع عنه وتدفع عنه التهمة (وقد سُجِنَ عمومًا رغم كل هذا التضامن وقتها)، وبين هذا الخفوت الصاخب فى دلالته الذى يصاحب موقف دومة الأخير حيث لا جماهير تتعاطف ولا شعب يتضامن ولا أحد إلا كارهو ثلاثين يونيو يتصيدون فى الماء العكر وحقوقيون يؤدون واجبهم الحقوقى (الذى أتمنى أن يكون مُخلِصًا للانتصار لحقوق كل الأطراف لا لحقوق النشطاء اليساريين والاحتجاجيين من جهة أو الإرهابيين الإخوانيين من جهة أخرى، بينما حقوق المواطنين ومعارضى الإخوان معدومة الأثر عند هؤلاء حين تنتهك تماما بالاعتداء والضرب والتكفير واستباحة الأعراض القتل والذبح،
بل ما نراه شماتة مزرية وفاشية تمامًا تصدر ساعتها عند هؤلاء المتأنسنين!)
طبعا لا يتخذ المرء مواقفه بناءً على حجم التأييد والتضامن الشعبى، بل أحيانا يكون فى مصلحة الشعب أن تكون ضدهم تمامًا، لكن أيضًا ليس كل احتجاج إيجابيًّا بالفعل، وليس كل اعتراض يصب بالضرورة لمصلحة الناس، وليس كل تنظيم للتظاهر ضد التظاهر، وليس كل اعتراض على قانون يتم بخرق القانون وتحديه، وليس الانتصار للشعب وحقوقه يتم بالخصومة والكراهية النفسية والعاطفية والسياسية مع الشعب نفسه!
قد تحرِّض الناس على الثورة إلى درجة أنك توجعهم بنقدك وبهجومك على مثالبهم وبفضح عيوبهم، وسيتحملك الناس جدًّا، بل ويحبونك رغم قسوتك، حين يصدّقون أنك مصدّق نفسك فعلًا وأنك منهم، وأنك تحبهم وأنك لست أرزُقِيًّا سيغضب منهم حين يصدقونه، لأنهم سيحرمونك من بطولة الفيلم!
نقلًا عن جريدة التحرير
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع