ثروت الخرباوي | الاربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠١٣ -
٠٠:
٠٩ ص +02:00 EET
عبد المنعم ابو الفتوح
يبدو أننى لم أكن أعرف عبدالمنعم أبوالفتوح! ولكن الذى أثق فيه هو أننى أعرف الحق، ولذلك فإن المقولة الشهيرة بأن «الحق لا يُعرف بالرجال، ولكن الرجال يُعرفون بالحق» هى مقولة صادقة، ويوم أن كنت أظن أن أبوالفتوح يمارس قناعاته كنت معه، ويوم أن رأيته يمارس طموحاته ويضحى من أجلها بالذى كان يقوله فى الغرف المغلقة أصبحت ضده- ويا لبؤس من يقول فى الغرف المغلقة ما يقول عكسه فى العلن- وفى الحالتين أنا ثابت على موقفى، وهو يتحرك مع بندول الساعة، فأصبح الباقى على بقاء أبوالفتوح فى حياتنا السياسية ساعة.
سينتهى عبدالمنعم أبوالفتوح الحالم بالوصول إلى موقع المرشد، ولن يكون له أى أثر يذكر فى حياتنا، لم يضف شيئا فى الفكر أو الفقه أو السياسة أو الوطنية، عاش فى الإخوان يمارس قدرا من الحرية فى التعبير عن أفكاره، وعندما اختلف معهم وقال إنه تركهم أخذ يمارس قدرا من الحرية فى التعبير عن... أفكارهم، عندما مارس أبوالفتوح الوطنية وهو صغير كان يمارسها من خندق الجماعة، وحين أصبح كبيرا مارس الإخوانية ولم يمارس الوطن، بل ابتعد كثيرا عن المشروع الوطنى وبات ينعق مع الغربان بعد أن كان فى إمكانه أن يغرد. كتبت ذات يوم أنه «ما بين الفكرة والوعاء يَسْبح عبدالمنعم أبوالفتوح، الفكرة تنطلق فى آفاق رحيبة فتحمل الرجل ولا يحملها، والوعاء (أقنوم) ثابت لا يحمل إلا الخاملين، ولكن النبهاء يحملونه، ومن كان تواقا للفكرة كان حلمه أن تصبح فكرته تيارا يطير مثل هدهد سليمان يبحث عن موضع لم تصل إليه الفكرة، ومن كان تواقا للوعاء كان أعلى أمانيه أن يبحث عن أمان لمسكنه وتنظيمه، مثل منطق النملة حين قالت (ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده)، وعبدالمنعم هو ابن الفكرة أينما وجدها طار بها ولها- أو طارت به- إلا أنه أيضا عاش فى الوعاء يحمله ردحا من الزمن وتلك هى مشكلته»، ويبدو أن مشكلة الوعاء التى كتبتُ عنها تغلبت على أبوالفتوح، فأصبح باحثا عن سرب من النمل يقوده، أصبح لا يرى إلا الأخاديد والحفر، ولا يبحث فى دنياه إلا عن وعاء يحتويه.
كان حلمه فى البداية أن يكون مرشدا، ثم تطور الحلم وارتفع سقف الأمنية فتاق شوقا للرئاسة، وانتخابات الرئاسة تحتاج إلى جمهور منظم يحمل الرجل فوق الأكتاف ليصل إلى مبتغاه، وحزبه الذى أقامه انتهى قبل أن يبدأ، لأنه لا يوجد حزب فى العالم يُصنع خصيصا من أجل طموحات رجل، فلم يكن أمام أبوالفتوح بعد أن تبخر حزبه وأصبح من جملة الأحزاب الورقية إلا أن ينظر لعش النمل الذى يطلقون عليه تنظيم الإخوان، فهم وحدهم القادرون على حمل الرجل فوق الأكتاف وشم رائحة حذائه دون أن يتأففوا، لأن هذا الجمهور تم تدريبه على تقبيل الأيادى وشم الأحذية بزعم أن هذا هو الدين، ومن الدين وبجمهور العبيد نصل إلى الدنيا وحكم الدنيا.
كتبت لعبدالمنعم ذات يوم «العقل وعاء الفكر، والقلب وعاء العقل، والفكرة حرة فإذا ما خضعت خدعت، وإذا ما خنعت خذلت، خلق الله لنا العقل وقال لنا أن ننطلق به فى آفاق رحيبة فقال: (قل سيروا فى الأرض فانظروا)، والنظر تفكر وتدبر مصداقا لقوله تعالى: (الذين يتفكرون فى خلق السموات والأرض)، والجمع أو المساواة بين الفكرة والوعاء الذى يستقبلها خلط، فلا الوعاء هو الفكرة، ولا الفكرة ابنة للوعاء، والوقوف عند الأطلال كان هو محض مشاعر للشعراء الأولين»، ولكن الرسالة لم تصل لعبدالمنعم، فقضى الفترة الأخيرة من حياته واقفا عند الأطلال يتغنى بها وبالأيام التى ساهم فيها فى البناء الثانى للتنظيم، فأصبح وكأنه هو البناء، أو كأنه لبنة فى هذا البناء، والتماهى كما هو محمود بالنسبة للمحبين وأصحاب الدواوين الشعرية، إلا أنه مذموم ومجحود بالنسبة للمفكرين وأصحاب المشاريع المستقبلية، لذلك انطلق الشيخ محمد الغزالى بعيدا عن الوعاء، لم يقف عند الأطلال باكيا أو متبرما، ولكنه سار مترنما بفكرته ليكون لا للمسلمين فحسب ولكن للإنسانية جمعاء، كان الغزالى يضع لبنة فى بناء حضارة لا فى بناء تنظيم، ولكن عبدالمنعم لم يفكر إلا فى الحجارة التى شيد بها التنظيم فسار على نهجها، ثم لم يفهم أبوالفتوح، رغم طول تجربته، أن مشروع الإسلام السياسى الذى أقيم التنظيم من أجله كانت فكرته فاسدة من الأصل، وأننا لم نتحرك معها فى شبابنا إلا بسبب فيض مشاعرنا الإيمانية، فكان من الواجب على رجل مثله أن يقدم للأمة فكرة بديلة، ولكن عقليته لم تسعفه، فلم يخلقه الله مفكرا أو منظرا أو مجددا، بل هو أول الواقفين فى طابور المقلدين.
كان هم عبدالمنعم أن يحمل «تنظيم العبيد الإخوانى» على كتفيه ويطير به فى الآفاق، وكأنه بطيرانه هذا يُجرى عملية تجميل للجماعة، ولكن اندفاع عبيد الإخوان وظهورهم على الرأى العام بمظهر الاستعلاء وتحقير الآخرين، وتكفير المخالفين، والتباهى بالكثرة، كل هذا لم يدع قولاً لخطيب، ولم يعط فرصة لجراحات التجميل، فهل يصلح أبوالفتوح ما أفسد الدهر، وما أفسد البنا، وما أفسد قطب، وما أفسد الشاطر.
شاخ عبدالمنعم فى الجماعة حتى أصبح أسيرا بين جدرانها لا يستطيع أن يحسم أمره، يقف فى منطقة وسطى ليرضى جميع الأطراف، ومن يقف فى المنطقة الوسطى- على رأى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل مع بعض أصدقائى- يدهسه الرائح والغادى، وأبوالفتوح الآن فى موضع الدهس بيده لا بيد غيره.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع