ابرام مقار
 
بدون الدخول في مواد تقبل اختلاف او إتفاق البعض حول مسودة الدستور، ولكن دستور 2013 المُقترح بمواده ال 247 مادة، ربما لا يكون الدستور "الأفضل" ولكنه خطوة علي الطريق الصحيح. فما حواه ذلك الدستور من تجريم للتمييز، واعتبار التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم، مع الزام الدولة بالانفاق بنسب واضحة وصريحة علي التعليم "4 بالمائة" والبحث العلمي "1 بالمائة" من الناتج القومي. بالاضافة الي إعطاء صلاحيات لرئيس الوزراء، وسحب الثقة من رئيس

الجمهورية والدعوة لإنتخابات رئاسية مبكرة فقط في حالة موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، مع حق المرأة في التعيين في الهيئات القضائية دون تمييز والضرائب التصاعدية مع الدخل، جميعها امور إيجابية. وحتي مع وجود امور سلبية به مثل الاعتراف بالحقوق الدينية وحصر ممارسة الشعائر على اتباع الديانات السماوية فقط - والديانات السماوية تصنيف أخذوه كما هو من دستور الاخوان 2012- واعتبار البهائيين والشيعة والملحدين ليسوا مواطنين ولهم حقوق - وهذا قدر تلك الطوائف في مجتمع "متشدد" بطبعه ربما لن يوافق علي دستور قبل أن يتأكد أن تلك الطوائف لن تحصل علي حقوقها - بالاضافة الي وجود بعض العبارات

الفضفاضة في بعض المواد مثل "علي النحو الذي ينظمه القانون" وهي عبارات توضع لتعطي فرصة للتلاعب بالحق. تماماً كما قيل قديماً أن اضافة كلمة "سليمة" الي أقامة حياة ديمقراطية في أهداف ثورة 1952 هي التي حرمت المصريين من الديمقراطية علي مدى 60 عاماً. وفي ظل اتفاق من يمين المجتمع الي يساره الي باقي طوائفه علي ذلك الدستور، بإستثناء مقاطعة الاخوان وحزب الحرية والعدالة وتابعه حزب مصر القوية وهي نسبة غير مؤثرة، تكون الموافقة

الشعبية علي الاستفتاء يومي الرابع عشر والخامس عشر من يناير القادم هي الاتجاه الاقوي والمتوقع حدوثه. ومن هنا يبدأ دور الدولة بأن تفرض سيادتها وتنفذ ما في ذلك الدستور من حقوق وواجبات علي الجميع. والدولة التي لديها دستور حديث ولا تنفذه تكون أسوأ كثيراً من الدول ذات الدساتير الفاشية، لأن بداية الفوضي في أي مجتمع هو عدم تنفيذ اعلي التزامات به وهو الدستور. بعد ذلك يأتي الدور الأهم للمؤسسات والنخبة والافراد في تغيير افكار المجتمع طبقاً لهذا الدستور

الجديد، فللاسف المجتمع المصري ظل جامداً لعقود بين قناعات لمواطن مسلم بأنه أعلي من القبطي، والرجل بأنه أعلي من المرأة، وضابط الأمن بأنه أعلي من المواطن، والغرابة أن الطوائف الاضعف لا تمانع في ذلك بل تقبل به، فهناك قبطي يقبل أن يكون أقل استناداً الي اعتقاد معين، وامرأة تعتقد أنها أقل من الرجل ومواطن يعتقد أن الضابط هو "الباشا"، في حالة اتفاق مجتمعي يجب تغييرها وهذا يُلقي بالمسئولية علي الدولة والمؤسسات الدينية من ازهر وكنيسة وومؤسسات المجتمع المدني كذلك الأحزاب في تغيير تلك القناعات، بما يتناسب مع دستور أقترب كثيراً من الاقرار بمساواة كاملة بين الرجل والمرأة، وبين المسلم والقبطي، وبين السلطة والشعب. ذلك هو التحدي الاكبر الذي يجب أن نعمل لاجله في اللحظة التي يتم فيها اعلان إقرار هذا الدستور.