علي سالم | الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠١٣ -
٢٨:
٠٨ ص +02:00 EET
الكاتب علي سالم
في الصين، في عصر قديم قدم الزمان، وفي مقاطعة نسيت اسمها، كان سكان إحدى القرى لا بد لهم من أجل الوصول إلى حقولهم، أن يخترقوا إحدى الغابات. كانت الغابة آمنة، فالطيور فيها كانت منشغلة بالتغريد، أما الحيوانات المفترسة فيبدو أنها كانت تتعفف عن أكل لحوم البشر. وحدث ذات يوم أن نمرا عجوزا اكتشف أنه عاجز عن مطاردة فرائسه من حيوانات الغابة بفعل السن وأمراض الشيخوخة، ولذلك قرر أن يكون طعامه المفضل هو لحوم البشر.
ولذلك أخذ يهاجم القرويين أثناء ذهابهم إلى الحقول أو عودتهم منها. منذ تلك اللحظة تحولت حياة القرية إلى جحيم.. كل بيت وكل أسرة فقدت واحدا من أفرادها، لم تمر ليلة على القرية بغير أحزان وسرادق عزاء. لجأ القرويون إلى المسؤولين في الحكم المحلي غير أنهم عجزوا عن حل المشكلة، ربما لكسلهم وربما لانعدام إمكاناتهم وقلة حيلتهم. وهنا، وتحت ضغط خسائرهم المتوالية، قرروا أن يلجأوا إلى أكبر رأس في الإمبراطورية، وهو الإمبراطور شخصيا. ولحسن حظهم كان ديمقراطيا لا يغلق باب قصره في وجه أحد من رعاياه. شرحوا له مشكلتهم، فاهتز من الغضب وصاح: هل يحدث ذلك في عهدي؟!.. ثم نادى: يا حاجب. فجاءه الحاجب على الفور، فقال له الإمبراطور: اكتب.. من إمبراطور الصين العظيم إلى نمر الغابة المتوحش.. بموجب السلطة المخولة لنا من الشعب الذي هو مصدر السلطات، نصدر الأمر لك بأن تمتنع عن الهجوم على القرويين المارين في الغابة، وإلا تعرضت لأشد العقوبات.
وقع الإمبراطور على القرار ثم ختمه وطلب من الحاجب أن يسلمه إلى النمر بين فرحة أهل القرية وتهليلهم. ذهب الحاجب إلى الغابة، فخرج له النمر، فمد له يده بالورقة التي تحمل الأمر الإمبراطوري، فأكلها النمر كما أكل الحاجب!
لقد حل الإمبراطور مشكلة القرويين ومشكلته باللغة.. بالكلمات. ومع احترامي واعتزازي بالكلمات وقوة تأثيرها، واعترافي بفضلها، على الأقل لأنها مهنتي، غير أني أدرك أنها لا تصلح بديلا للفعل. ليس هذا فقط، في أحيان كثيرة تستخدم الكلمات القوية لإخفاء الضعف العام، كما تستخدم الكلمات ذات القدسية المحملة بالخير لفعل كل صنوف الشر.. استمع جيدا لكلمات أي متطرف ستجدها تنضح بالحق والخير والرقة واللطف، استمع إليه وهو يستشهد بكلمات الله سبحانه وتعالى، ثم راقب أفعاله عندما تتاح له الفرصة لقتل الناس والتمثيل بجثثهم.
كل كلمات الدنيا تظل حروفا باردة على الورق، أو أصواتا خارجة من الحنجرة في غياب الهمة والقدرة على الفعل، كل الكلمات المكتوبة في دساتير الدنيا وقوانينها لا أهمية لها في غياب رجال ونساء قادرين على تجسيدها على الأرض. الفعل هو الأصل في حياة البشر، وأقصى ما يمكن أن تفعله الكلمات هو الإشارة للفعل من بعيد.
يسبق ذلك كله الرغبة في الفعل. لست أتكلم عن الإرادة بل عن الرغبة.. تلك الرغبة عند بعض الناس لدفع الدنيا عدة سنتيمترات إلى الأمام في طريق الحب والدفء والبناء. على صاحب القرار في كل مكان البحث عن هؤلاء الذين يتمتعون بالرغبة الحقيقية في مساعدة البشر. لا توجد على الأرض كلمات أو أفكار تصلح لمواجهة نمر متوحش، الشرف الإنساني يحتم عليك أن تواجه النمر المفترس بكل ما تملك من قوة، وليس من كلمات.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع