السبت ٢١ ديسمبر ٢٠١٣ -
٣١:
٠٣ م +02:00 EET
صوره أرشيفيه
فاروق عطية
لم يهنأ الرومان طويلا بحكمهم مصر حتى اندلعت الثورات للتخلص من ظلمهم واضطهادهم، فلم يكد يمر عام على استيلائهم على مصر حتى شبت ثورة في طيبة وكانت أول وأعنف ثورة للمصريين في بداية العصر الروماني وقد تزعم هذه الثورة أحد الكهنة اسمه "إيزودور" مما يدلل على أن الكهنة المصريين كانوا لا يزالون يشكلون القيادات الوطنية الحقيقة. قامت بسبب ألغاء مجلس المدينة الذي كان يعقد إبان الحكم البطالمة، وعدم مشاركة المصريين في الحكم، والاستغلال الاقتصادي السيئ لثروات مصر حيث أصبحت مصر مزرعة للقمح لتزويد روما وتوزيعها على سكانها لكسب تأييدهم. والضرائب الجديدة التي فرضها الإمبراطورأغسطس قبل مغادرته لمصر عائداً إلى روما،وامتدت هذه الثورة إلى الدلتا ولكن الوالي الروماني كورنيليوس جالوستمكن من أخمداهابالعنف، وفي عهد الإمبراطور كاليجولا (37 -41 م) بدأت سلسلة من الفتن كان أساسها الصراع بين اليهودوالإغريق المقيمون بمصر وتم
إخمادها، ولكنها تجددت في عهد نيرون (54 -68 م). وقد حاول بعض الأباطرة الرومان، ومنهم تيتوس (79-81 م) وميتيانوس (81-96 م) أن يكتسبوا ود المصريين، بإظهار الإجلال والاحترامللآلهة المصرية، وفعلا نعمت مصر ببعض السكينة والهدوء في عهد الإمبراطور نيرفا (96-98 م) وبدايات عهد الإمبراطور تراجان (98 -117 م) ولكن ما لبثت نار الفتنة بين الاغريق واليهود أن تجددت، وتطورت الأمور بسرعة وأصبحت المواجهة بين اليهود من جهة والسلطة الرومانية نفسها من جهة أخرى، فقد قام اليهود بثورتهم الكبرى سنة 115م، التي ظلت نارها مشتعلة قرابة العامين قتل خلالها الكثير من الرومان والاغريق والمصريين، وعمد اليهود إلى تدمير الطرق والمعابد والمباني وإلى تخريب الممتلكات والحقول، وترتب على ثورة اليهود
المدمرة تخريب الأراضي الزراعية وإهمال نظام الري، فساءت أحوال الزراعة وهجر الفلاحون أراضيهم ليقينهم ألا جدوى من فلاحتها وإحيائها ما دام لا يبقى لهم من ثمرة جهدهم فيها إلا النزر اليسير.وانتهت الثورة مع بداية حكم الإمبراطور هادريان (117-138م) الذي وجه عنايته إلى إصلاح ما أتلفته تلك الثورة.وفي عهد ماركوس أورليوس أدت الضرائب المرهقة إلى عصيان المواطنين المصريين عام 139م، ولم يتم إنهائه إلا بعد عدة سنين من القتال. أحدثت هذه الحرب الريفية ضرراً هائلاً بالاقتصاد وسجلت بداية الهبوط الاقتصادي لمصر. أعلن أڤيدوس كاسيوس الذي قاد القوات الرومانية في الحرب نفسه إمبراطوراً، واعترفت به جيوش سوريا ومصر إلا أنهاُزيح عن الحكم وقـُتـِل لدى اقتراب ماركوس أورليوس الذي استعاد السلم. ومن أخطر هذه
الثورات ما حدث في عهد الإمبراطور ماركوس أورليوس (161-180م) وعرفت بحرب الزرع أو الحرب البكوليه (نسبة إلى منطقه في شمال الدلتا) وتمكن المصريون من هزيمة الفرق الرومانية وكادت الإسكندرية أن تقع في قبضة الثوار لولا وصول إمدادات للرومان من سوريا قضت على هذه الثورة. وقد اندلع عصيان مماثل في 193م عندما أعلن پسكنيوس نيگر نفسه امبراطوراً عند وفاة پرتيناكس. وقد أعطى الامبراطور سپتيميوس سويرس دستوراً للإسكندرية والعواصم الإقليمية في 202م. وساد مصر بعض الهدوء في عهود الأباطرة الرومان التاليين وهم: أنطونيوس بيوس (138-161 م) وبرتيناكس (193 م) وسافروس (193-211م).
ويعتبر القرن الثالث الميلادي من الفترات الهامة في تاريخ الإمبراطورية الرومانية ، لكونه فترة انتقال من الحضارة القديمة إلى حضارة العصور الوسطى، وما أحاط بذلك من تغييرات جوهرية في ظروف المجتمع السياسية والاقتصاديةوالاجتماعية والدينية، ومن أبرز أحداث هذه الفترة: كثرة الانقسامات السياسية، والتنازع حول العرش، وتدخل الجيش لتعيين أو عزل أو قتل الاباطرة ، وكان للمصريين نصيب من هذه الأحداث وكان موقفهم بصفة عامة هو مناصرة كل دعي للعرش أو ثائر على السلطة المركزية في روما، وذلك لإظهار كراهيتهم الشديدة واحتقارهم للحكم الروماني.وتعتبر الفترة التاريخية الممتدة من عهد الإمبراطور كراكلا (211-217م) إلى عهد الإمبراطور دقلديانوس (284-305م) من الفترات العصيبة التي كثرت فيها المحن
والمؤامرات والانقسامات السياسية والحروب الأهلية في معظم أنحاء الإمبراطورية الرومانية، وبالطبع لم تشذ مصر عن غيرها من الولايات فقد كان لها نصيبها من هذه الأحداث. وفي منتصف القرن الثالث لاحظ الإمبراطور ديقيوس (249-251م) أن المسيحية قد زاد انتشارها وبدأ أنصارها يظهرون كقوة لها حسابها في الحياة العامة فقرر القيام بحملة شاملة للقضاء على جميع أتباع الدين الجديد قضاءً مبرماً في أنحاء الإمبراطورية وشهدت مصر اضطهادا للمسيحيين بالتعذيب والصلب والقتل ولم ينج منهم إلا من فر إلى الصحاري أو ألتجأ إلى المقابر والكهوف. وكانت الفترة التي أعقبت عهد هذا الإمبراطور من (252 – 268 م) فترة تطاحن بين أدعياء العرش في روما، بينما ساد بعض الهدوء في مصر مما سهل للملكة زنوبيا ملكة تدمر "بالميرا" الاستيلاء على مصر (269 م) لمدة عامين فقط ثم نجح الإمبراطور أوريليانوس (270-275م) في القضاء على نفوذ تدمر في مصر، بل واستولى على تدمر نفسها. وغادر الإمبراطور أوريليانوس مصر وعهد بها إلى أحد قواده(بروبوس) لإخضاع قبائل البلميس، الذين كانوا قد توغلوا في جنوب مصر، وظل بروبوس والياً على مصر قرابة الخمس سنوات ثم نادى به الجيش المصري إمبراطورا على روما (276 -282م) ولكنه قتل بواسطة جنود الجيش الذين قتلوا ثلاثة من الأباطرة التاليين له، خلال عامين إلى أن تمكن من الأمر الإمبراطور دقلديانوس (284-305م).
يعتبر عصردقلديانوس نقطة تحول مهمة بالإمبراطورية الرومانية، لأنه أدخل إصلاحات عديدة على شتي النواحي في الدولة، من أهمها أنه رأى أن يتولى الحكم اثنان من الأباطرة في نفس الوقت، أحداهما للشرق والأخر للغرب، وحدث في عهده أن خرج عن طاعته والي الإسكندرية، فسار إليها وحاصرها ثمانية أشهر، ثم فتحها عنوة، وأطلق جنوده فيها ينهبون ويقتلون ويحرقون.ومن محاولات دقلديانوس في إعادة تنظيم الإمبراطورية أنه رأى في القضاء على المسيحية نجاة من الاختلافات والانقسامات في الرأي، أعتبر المسيحية في عصرها الأول حركة مناهضة للنظام الإمبراطوري المتوارث وبدأ تنفيذ فكرته هذه بوسائل سلمية، ولكنه لم ينجح فلجأ إلى الاضطهاد، وهو أقسى أضطهد عرفه المسيحيون في سنة 303 م، وأقام المذابح للمسيحيين وأحرق الكتب المقدسة ودمر الكنائس وصار هذا التاريخ يؤرخ به عند مسيحي مصر، وسميبتاريخ الشهداء وهو أيضا بداية تاريخ السنة القبطية، وأستمر اضطهاد
المسيحيين على أيدي أباطرة الرومان بعد دقلديانوس حتى سنة 323 م عندما تولى الإمبراطور قسطنطين (323-337م) وأصبح أول إمبراطور مسيحي للإمبراطورية الرومانية وأعترف رسمياً بالديانة المسيحية، وبتولي هذا الإمبراطور أمور الإمبراطورية الرومانية الشرقية حسب تقسيم دقلديانوس يبدأ في مصر عهد جديد هو العهد البيزنطي حيث خفت حدة الاضطهادات، ثم عاد الاضطهاد مرة أخري بل أشد ضراوة نظرا لاختلافات عقائدية مسيحية بين كنيستي مصر وروما.
.