د. سامح فوزي | السبت ٢١ ديسمبر ٢٠١٣ -
٠٩:
١٠ ص +02:00 EET
ارشيفيه
أوروبا لا تزال ترقب بعين ملؤها الحيرة ما يحدث في مصر. هذه هي النتيجة التي يمكن أن تخلص بها بعد حوار لمدة يومين في قصر «ايغمونت» في وسط بروكسل. لا يزال تقييم ما حدث في الثالث من يوليو الماضي محل اختلاف، خاصة بين المؤيدين لخارطة الطريق، وهم ممن يرون ما حدث ثورة، والرافضين لخارطة الطريق ممن يرون أن ما جرى انقلاب. هناك من أعضاء البرلمان الأوروبي من يتبنى هذه الوجهة، وهناك من يتبنى الوجهة الأخرى. الدبلوماسية المصرية، وأطرافها المؤيدة شعبيا وسياسيا تؤيد أن ما حدث مطلب شعبي، والتحول الديمقراطي يسير في طريقه المرسوم. على النقيض تقف «دبلوماسية التنظيم الدولي للإخوان المسلمين» معبئة كافة قدراتها من ساسة ومراكز أبحاث وإعلام ومهاجرين عرب في العواصم الأوروبية للتنديد بـ«الانقلاب»، رافعين شعار «رابعة»، محذرين من الإرهاب القادم، وهم يعرفون كيف أن العقلية الأوروبية ترتعد من هذا المصطلح.
«ثورة شعبية حقيقية» على حد تعبير أحد أعضاء البرلمان الأوروبي، أو «انقلاب مدعوم شعبيا» على حد تعبير عضوة أخرى، ستظل إمكانيات أوروبا للتدخل في المشهد المصري الراهن «محدودة» لاعتبارات عديدة أبرزها أن أوروبا لديها أزمة اقتصادية، وإشكاليات في الاندماج السياسي، ورغم ذلك لا تريد أن تترك الساحة المصرية. كل شيء يحدث في مصر، على حد تعبير عضو في البرلمان الأوروبي، له مردود إيجابي أو سيئ على أوروبا. العلاقات المصرية - الأوروبية لها أبعاد عديدة تتعلق بالأمن والحد من الهجرة غير الشرعية في الحدود الجنوبية، والعلاقات الاقتصادية التي تجعل أوروبا الشريك الرئيس لمصر، فضلا عن الأهمية الاستراتيجية لمصر في محيطها الإقليمي، والامتداد الثقافي عبر المتوسط. كل ذلك يجعل الاتحاد الأوروبي، وممثلته العليا للسياسة والأمن البارونة الإنجليزية كاثرين أشتون قريبة مما يجري في مصر. ورغم أن البرلمان الأوروبي لديه سياسة تقوم على «التقدم في الديمقراطية شرط لمزيد من التعاون»، فإن ذلك في بعض الأحيان يمثل ترفا لا تستطيع أوروبا أن تتحمله هذه الأيام، فلا يمكنها أن تنفض يديها من العملية السياسية في مصر، وفي الوقت نفسه تواصل إبداء النصائح والتحفظات، وهي على يقين أن الأدوات المتاحة لها محدودة.
الموقف الأوروبي لعب دورا في بلورته الدبلوماسي الإسباني المحنك برناردينو ليو، الذي كان مبعوثا للسيدة كاثرين أشتون. قضى نحو عشرة أشهر في حوار مستمر مع الرئيس السابق محمد مرسي والإخوان المسلمين من ناحية، وقوى المعارضة من ناحية أخرى، وخلص وقتئذ إلى أن هناك أزمة ثقة بين الطرفين، وكلاهما ليسا جاهزين لبناء مشروع مشترك. وحاول الرجل إقناع مرسي بتأسيس حكومة موسعة، تضم بين جنباتها قوى المعارضة، إلا أنه فشل في ذلك. والآن أوروبا لا تريد أن تكون طرفا في أية «مفاوضات»، وترى أن المسألة برمتها مصرية، وينبغي أن يقوم بها المصريون أنفسهم، لكن موقفهم يركز على «الاستيعاب» و«الحوار» لتأسيس نظام جديد. إذا كان التيار الإسلامي المناهض لخارطة الطريق يشكل الآن «أقلية» في المجتمع، وهم على يقين من ذلك، فإنه ينبغي اندماجه حتى يمكن أن ينشأ نظام سياسي يستوعب كل القوى السياسية، ويستطيع مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة.
ذكر لي دبلوماسي مصري رفيع أن الموقف الأوروبي تأثر في الأسابيع الماضية بصدور قانون تنظيم الحق في التظاهر، والحكم القضائي، الذي ألغي بعد ذلك، على الفتيات السكندريات بالسجن أحد عشر عاما. والبيانات التي صدرت عن كاثرين أشتون واضحة في ذلك. المسألة الآن تتعلق ليس بالعودة إلى ما قبل 30 يونيو (حزيران) 2013، لأن ذلك غير ممكن، ولكن بمناقشة شروط التحول الديمقراطي، بحيث يتمخض عن خارطة الطريق الحالية نظام ديمقراطي استيعابي، يسمح بعملية سياسية مستقرة، ويقدم فرصا اقتصادية حقيقية، ويساعد على تحقيق العدالة الاجتماعية المطلب الأساسي لملايين المصريين الذين تظاهروا على مدار السنوات الثلاث الماضية.
قضايا المرأة، وحقوق الإنسان، والحق في التعبير تشكل منظومة مهمة في ذهن الجانب الأوروبي. وهناك اتجاه بين أعضاء في البرلمان الأوروبي لممارسة ضغوط على كاثرين أشتون حتى لا تكون أوروبا طرفا لدعم أو تأييد أية ترتيبات سياسية في مصر قبل التأكد من مصداقية عملية التحول الديمقراطي، من بين هذه الضغوط عدم المشاركة في مراقبة الانتخابات أو حتى متابعة الاستفتاء على الدستور أو أية انتخابات برلمانية قادمة، في حين يقف فريق آخر من الأعضاء في وجه أية تدابير استثنائية تتخذ ضد مصر، وهو ما حدث في الأيام الماضية، ويرون أنه من الضروري خارطة الطريق التي يساندها غالبية المصريين.
أوروبا ترى أن التعامل مع مصر لن يكون عبر إجراءات سريعة بل من خلال «عملية» طويلة الأمد تأخذ في اعتبارها الأدوات المتاحة: الاقتصادية، المجتمع المدني، الإعلام، العلاقات الثنائية بهدف تدعيم بناء نظام ديمقراطي من ناحية، والحيلولة دون إعادة بناء نظام سلطوي. هناك رهان على الاستفتاء على مسودة الدستور بأن يكون عاملا مهما في تأكيد إيمان المصريين بأهمية التحول الديمقراطي، والركون إلى صندوق الاقتراع، الذي يشكك فيه الإخوان المسلمون، ويرسلون رسائل عديدة مفادها أن المصريين فقدوا الثقة في صندوق الانتخاب بعد حل مجلسين منتخبين، وتعليق دستور استفتي عليه الشعب، وإقصاء رئيس منتخب، ولكن في المقابل هناك من يرى أن المشاركة الواسعة في الاستفتاء على الدستور منتصف شهر يناير (كانون الثاني) المقبل سوف تضع حدا للدعاية التي يرددها الإخوان المسلمون، وربما يكون في ذاته بداية مهمة لاقتناع الأطراف بأوزانها النسبية، وإطلاق حوار يمكن أن يفضي إلى استيعاب قطاع عريض من الإسلاميين في العملية الديمقراطية. هناك أطراف أوروبية ومصرية تراهن على ذلك.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع