كتب: فاروق عطية
بمناسبة كأس العالم للأندية (النسخة العاشرة) المقام لأول مرة بالقارة السمراء أفريقيا وبقطر عربي هو المغرب الشقيق بمدينتي مراكش وأغادير في الفترة من 11 إلى 21 دبسمبر2013. وبمناسبة اقتراب فعاليات كاس العالم للأمم (النسخة العشرون) الذي سيقام بالبرازيل، وجنون الساحرة المستديرة الذي يجتاح العالم هذه الأيام من شرقها إلى غربها، قلت لنفسي لماذا لا أكتب عن هذه الهوجة، ربما كانت أسلم وأجدي من الكتابة في السياسة وما يصيبنا منها من توتر ووجع القلوب. كثير من الدول المغمورة سياسيا واقتصاديا ومحسوبة ضمن الدول النايمة نومتنا قد عوضت تخلفها فى شتى المجالات وبرعت فى هذا الميدان -كرة القدم -مثل البرازيل والأرجنتين وغانا، وهذا للأسف لا ينطبق على منطقتنا الشرق أوسطية، فنحن كمن رقصت على السلم لم يرها من بأسفل السلم ولا من أعلاه. نظرت إلى أم العربى بخبث وقالت: دع همك داخل قلبك ولا داعي للبعبعة حتى لا يختفي مقالك ويمنع من الظهور. نظرت لها مبتسما كمن يكتشف ذكاءها لأول مرة وقلت: أنت على حق، وقد عينتك من اليوم الرقيب على ما أكتب فى هذه البلاد الحرة الخالية من الرقابة، ولكي كل الأجر الذي أتقاضاه، فقالت خابطه على صدرها من الخوف: لا يا سيدي، أنا لست فى حاجة إلى ما تحصل عليه من أجر، أنسيت الأجر الذي حصلت عليه من جريدة (ع.س) المليئ بالقذف والسب والتبكيت، أنا أفضل أن أعمل رقيبة هاوية وبلا أجر وهذا أسلم...!
ولكن كيف أتحدث عن كرة القدم وأنا لم أمارسها في حياتى غير مرة واحدة وكانت بالصدفة ؟!، ولكن هل كل من يتكلمون فى كرة القدم متخصصون؟ عموما سأحكى عن ذكرياتي القديمة مع هذه الساحرة، وهي على كل حال ذكريات قليلة.
منذ الصغر وأنا لا أهتم بشيئ ما سوى القراءة والكتابة ولم أمارس كرة القدم سوى مرة واحدة وكانت صدفة لكنها صدفة لن أنساها. أذكر وأنا فى الصف الرابع الثانوى، وكان للرياضة فى هذه الأيام دور كبير فى التربية والتعليم، وكان بكل مدرسة فناء كبير به كل الملاعب لمختلف الرياضات. وكانت تجرى المباريات على مستوى الفصول لتحديد بطولة المدرسية ثم تقام بطولة بين المدارس الثانوية على مستوي المحافظة. ذات يوم كان هناك مباراة هامة فى كرة القدم بين فصلى “رابعة أول" وفصل آخر لتحديد بطل المدرسة، وكان فريقنا هو المرشح الأول لهذه البطولة، لكن لسوء الحظ تغيب الزميل محمد حصاوى المدافع الأيمن بالفريق لمرض عارض، وكنت وقتها فى فناء المدرسة بالزى العسكرى (حرس وطنى) للتدريب، لمحنى مدرس الألعاب الرياضية وطلب منى أن ألعب بديلا عن زميلى المريض. حاولت التملص لعدم اجادتى اللعب، لكنه نظر إلى حذائي العسكري (البيادة) وابتسم قائلا: لعدم إجادتك اللعب والكل يعلم ذلك، وبهذا الحذاء القاتل تكون خير مدافع، وابتسم. وفعلا نزلت إلى أرض الملعب في مركز مدافع أيمن. وعندما كنت أرى مهاجما يقترب أندفع إليه بكل قوة، فينظر إلى حذائي ويترك الكرة لى ويفر طالبا السلامة، وبفضل عبقرية حذائي هذه كسبنا المباراة بخمسة أهداف نظيفة.
ومن ذكرياتى أيضا، فى بداية دراستى الجامعية بكلية العلوم. كان لنا زميل زمالكاوى متعصب لزمالكاويته. كنت قادما من الصعيد لا علم لى بالتنافس الشديد بين الأهلى والزمالك، والتى كانت حكومة الثورة تغذيه وتشجعه لشغل الناس عن السياسة وملئ الفراغ الناشئ عن غياب الأحزاب، كما أنى أيضا غير كروي المزاج بطبعي. لاحظت أن زميلنا هذا بعد أي هزيمة زمالكاوية (وما أكثرها) يلزم الدار أياما ويتغيب عن الدراسة، وعند حضوره يلتف حوله الأتراب لإغاظته. اشتد عجبى من هذا التعصب الأعمى وأردت أن احيط نفسي علما بمجريات الأمور، فعكفت على قراة بعض الكتيبات التى تؤرخ لهذين الناديين اللدودين. شدنى النادى الأهلى بتاريخه الوطنى المشرف بلونه الأحمر الذي يرمز لدماء شهداء مصر ضد الاستعمار الانجليزى. وأنه اتخذ لعبة كرة القدم لهزيمة الفرق الانجليزية التى ابتدعت هذه اللعبة، وكل من تولوا رياسة هذا النادى العريق كانوا من وطنى مصر وخير رجالاتها. وابتعدت عن نادى الزمالك لتاريخه المخجل، فقد كان إسمه فى البداية نادى المختلط، أى أن الفريق خليط من المصريين والانجليز كنوع من مهادنة للإستعمار. وعندما انزاح الاستعمار إلى منطقة القنال بعد معاهدة 1936 غير إسمه إلى نادى فاروق الأول ليكتسب عطف القصر عوضا عن الانجليز، وبعد قيام الثورة غير إسمه إلى نادى الزمالك تمسحا بعلية القوم ساكنى منطقة الزمالك، واحتمى بعباءة المشير عبد الحكيم عامر. لهذه الأسباب بالإضافة لتفوق النادى الأهلى واستحوازه على الكم الهائل من البطولات، وجدت نفسي أنحاز للنادى الأهلى ولكن دون تعصب.
شغلني مونديال الأندية كثيرا وحرمني النوم والأحلام، تمنيت لفريق النادي الأهلي الذي تحدي الظروف القائمة من توقف للدوري المحلي وعدم وجود ملاعب ملائمة واللعب يدون جماهير نظرا للظروف الغير طبيعية التي تعيشها مصر التوفيق وتحقيق مركز يلائم مكانته كبطل للقارة السمراء ليرسم الفرحة على الوجوه المصرية التي عمتها الكآبة والقنوط.
وبعد تغليه على جوانزو الصيني بطل آسيا وتأهبه لمقابلة بايرن ميونخ الرهيب بطل أوروبا وحين أزف ميعاد المباراة، اردت ا أفاجئ رئيس التحرير بتغطية هذه المباراة الهامة، فالتفحت آلة التصوير المنفاخ القديمة، وركبت الناقة وشرخت إلى مراكش. وفى استادها الرئيسي كانت جلستي بجوار الناقد الكروي الكبير نجيب المستكاوي الذي كان مثلى متحفزا لانتصار الأهلي لتشريف مصر والعالم العربي بهذا الانتصار ورفع راية العرب عاليا فى هذا المضمار، كما رفعها الحكمان العربيان بو جسيم والغندور فى مجال التحكيم الدولى العادل والحازم. بدأت المباراة مع زئير آلاف المشجعين المغاربة، وتناقل أبناؤنا الكرة بسرعة، من شديد قناوي لأبو تريكة لصالح سليم ومنه لرفعت الفناجيلي الذي مررها عرضية على رأس الخطيب، الذي نطقها مرتين على رأسه لتنزلق على صدره ثم إلى قدمه اليسرى ليضعها بكل قوة على يمين حارس المرمى الألماني، محرزا أجمل وأسرع هدف فى المونديال. هاج الملعب وهدر المشجعين العرب بالهتاف، وامتلأ الملعب بالأعلام المصرية. من جانب آخر ساد السخط المشجعين الألمان المتعصبين لفريقهم وقذفوا الملعب والمشجعين العرب بالحجارة والزجاجات الفارغة، واستقرت إحدى هذه الزجاجات على أم رأسى الأصلع، فصحت من شدة الألم لأجد أم العربي تنظر إلى بعيون يتطاير منها الشرر، قائلة: خير اللهم اجعله خير ...!!