د. مراد وهبة | الثلاثاء ١٧ ديسمبر ٢٠١٣ -
٥١:
٠٧ ص +02:00 EET
ارشيفيه
جاء فى المادة الثانية من دستور ٢٠١٣ الذى أعدته لجنة الخمسين للاستفتاء أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع».
والسؤال إذن:
هل للدولة دين؟ وإذا كان لها دين فهل تُحاسب فى الآخرة؟ وإذا حوسبت وجاء حسابها بالإيجاب فهل تدخل فردوس النعيم ومعها مواطنوها بغض النظر عما ارتكبوه من آثام؟ وإذا حوسبت وجاء حسابها بالسلب فهل تدخل جهنم ومعها مواطنوها بغض النظر عما أتوا به من أفعال خيرة؟
هذه الأسئلة الشائكة مترتبة على القول بأن للدولة دينا، فهل هى بالفعل كذلك؟ وأنا أجيب بسؤال: ما الدولة؟ وجوابى هو أن الدولة صناعة بشرية أبدعها البشر فى القرن السادس عشر تطويراً للمدينة التى كان لفظ الدولة ملحقاً بها، إذ كان يقال «المدينة- الدولة». ومع التطور حذفنا لفظ مدينة واكتفينا بلفظ الدولة. أما الدين فمعتقد مطلق. فإذا قيل إن للدولة ديناً فهذا القول يعنى إلحاق المطلق بالدولة، ومن ثم تكون مطلقة، وهى ليست كذلك لأنها نسبية بحكم كونها صناعة بشرية. القول إذن بأن للدولة ديناً تترتب عليه نتيجتان متناقضتان وهما على النحو الآتى: إما أن ترقى الدولة النسبية إلى مستوى المطلق، وإما أن يهبط الدين المطلق إلى مستوى النسبى.
والسؤال بعد ذلك:
ماذا يحدث عندما ترتقى الدولة إلى مستوى المطلق؟ تصبح دولة دوجماطيقية، أى دولة تتوهم أنها مالكة للحقيقة المطلقة، ومن ثم تصبح دولة شمولية فتدخل فى تناقض حاد مع المادة ٦٥ التى تنص فى إحدى فقراتها على أن حرية الفكر مكفولة. وإذا كان التناقض الحاد يعنى إقصاء أحد الطرفين المتناقضين فالإقصاء ينصب بالضرورة على حرية الفكر وليس على الدولة الشمولية الثى تتميز بالقدرة على قهر المفكر الحر, وذلك باتهامه بالكفر كحد أدنى أو بالقتل كحد أقصى.
والسؤال بعد ذلك:
ماذا يحدث عندما يهبط الدين المطلق إلى مستوى النسبى؟
يحدث أحد أمرين: إما أن يتمطلق فيتجمد ويمتنع عن التطور، أو يتحول إلى نسبى وبذلك يفقد سمته الأساسية وهى أنه دين مطلق.
وثمة تناقض حاد ثان بين المادة الثانية والمادة ٦٤ القائلة بأن حرية الاعتقاد مطلقة. فهذه الفقرة لا تستقيم مع القول بأن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع.
والسؤال هنا: ماذا يكون الحال مع مَنْ يكون لديه اعتقاد مناقض لمبادئ الشريعة الإسلامية؟ وفى صياغة أوضح، ماذا يكون حال البهائى فى إطار المادة الثانية؟ إنه يكون خارج نسق هذه المبادئ، أو بالأدق يكون غريباً إزاء ذلك النسق. كل من حزب الحرية والعدالة وحزب النور يستند إلى فكر ابن تيمية الذى يرفض إعمال العقل فى النص الدينى، أى يرفض التأويل الذى يقول عنه إنه «بدعة» وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار، فإن هذا الرفض ينتهى إلى السمع والطاعة، ومن ثم إلى الإجماع، ومَنْ يخرج عن الإجماع يُتهم بالكفر. ويترتب على ذلك أن تكون الأصولية الإسلامية المتمثلة فى فكر ابن تيمية هى المعبرة عن المادة الثانية وليست معبرة عن الإسلام كدين، ومن ثم يصبح الحكم بالضرورة لأحد الحزبين الإسلاميين أو لهما معاً. والنتيجة الحتمية أن دستور ٢٠١٣ هو دستور أصولى.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع