الأقباط متحدون - اعطيني حبة بطاطس
أخر تحديث ٠٠:١٤ | الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠١٣ | كيهك ١٧٣٠ ش ٦ | العدد ٣٠٤١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

اعطيني حبة بطاطس


بقلم: ليديا يؤانس

إضطربت وإنزعجت وتسللت من بين الحاضرين وأخذت رُكناً بعيداً مِنْ الحجرة، نظرت بعيون مُلتاعة مُتحجرة الدموع تُتابع المَشهَد. مِثل فأرٍٍ محبوس في مصيدة، لا تجد مَخرجاً، الباب مُوصداً بالذين جاءوا مِثل القضاء المستعجل لأداء مُهمة ضرورية، والشباك عالي لا تستطيع القفز منه. قلبها يُحاول أن يجد طريقه خارج ضُلوعها مِنْ شِدة الضغط النفسي، دقات قلبها تدُق رأسها مثل الناقوس، أنفاسها عملت شبورة أمام عينيها فأغمضت عينيها وتمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها.
قالوا لها لابُد مِنْ تفتيش حقيبتك مِثل باقي الطالبات طِبقاً لدواعي أمنية لئلا يكون مَعك مُتفجرات أو ما شابه ذلك. إحتضنت الطالبة حقيبتها بعُنف وبَكَت، توسلت ببكاءٍ مرير ألا يفتشوا حقيبتها! ولكنهم أصروا وأخذوها خارج الفصل وبإستجوابها أجابت: أُسرتي فقيرة جداً وأنا أجمع بواقي الأكل مِنْ الطالبات مِنْ غير ما يشوفوني لكي ما نستطيع أنا وأُسرتي أن نأكُل لنعيش!

الفقر مُش عيب، ولكنهُ ذُل وهوان ودمار وموت!
الفقر مُش عيب، ولكنهُ يَقتُل الدول إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً!
الفقر مُش عيب، ولكنهُ يخلق أجيالاً مُشوهه نفسياً وصحياً وإجتماعياً!
الفقر مُش عيب، ولكنهُ يقلب الأخلاق فتضيع الفضيلة تحت ذُل الحاجه!

طِبقأ للإحصائيات وجد أن نسبة الفقر تقريباً حوالي 2 مليار فرد مِنْ حجم السُكان في العالم البالغ حوالي 6 مليار فرد. وبالنسبة لمصر يوجد حوالي 42% مِنْ عدد السكان يعيشون تحت حد الفقر.

ليس مِنْ السهوله وضع تعريف للفقر، وبالتالي لا يوجد إتفاق دولي حول تعريف الفقر وذلك نظراً لتِداخُل العوامل الإقتصادية والسياسية والإجتماعية التي تُشكل ذلك التعريف وتؤثر عليه.

الفقر قد يكون في أشياء غير مادية مثل الفِكر والثقافة والعواطف والتَديُن والإجتماعيات، ولكن ما نتحدث عنه الآن هُوّ الفقر المادي، أي العَوز والحِرمان المادي الذي ينتُج عنه تدني الوضع الصحي والتعليمي والسكني والإجتماعي. وبالتالي نجد إنعكاسات سيئة على الفرد الفقير مِثل عدم الشُعور بالأمان والخوف مِنْ مُواجهة تحديات الحياة.

الفقر قد يؤدي إلي الموت النفسي!!! الموت النفسي بمعني أن الإنسان يشعر بالدونيه والإنعزاليه وسط الناس، ليس لأنه فقير بل مِنْ مُعاملة الناس له.
قرأتُ قصة علي الفيس بوك تقول، أنهُ في حي شُبرا بمصر، يوجد محل أسماك معروف بالسمك الطازج المطهي. دخل طفل صغير لم يتجاوز السابعة، ملابسه رثه، ملامح البؤس والشقاء والحرمان طمست ملامح الطفولة البريئة المُفرحة مِنْ على وجهه. جاء الطفل علي إستحياء يُقدِم رِجل ويؤخِر الأُخري، وتقدم مِنْ الرَجُل الذي يُحصِل ثمن الطلبات مِنْ الزبائن، وبصوتٍ خافت ويده تقبض بشدة علي بعض القروش القليلة خوفاً من ضياعها، مد يده وهُوّ يُداري المبلغ الصغير الذي يملكه ولكنه يتضور جوعاً وقال للبائع، ياعمو "اعطيني حبة بطاطس." نظر إليه البائع بإحتقار وطرده مِنْ المحل وإلا يستدعي البوليس له!
يمكن الطفل سينسي على مَْرْ الأيام الإحساس بالجوع، ولكنه سوف لا ينسي أبداً لحظات الذُل والحِرمان والمهانة التي مَرْ بها بسبب الفقر.

الفقر قد يؤدي إلي الموت الجسدي!!! الموت الجسدي بمعني أن الإنسان قد تهون عليه حياته مِنْ الضيقة وقِصر اليد.
في غُضون سنين ثورة 25 يناير، والحال واقف وخصوصاً بالنسبة للحرفيين وعمال اليومية، سَمِعنا مِنْ وسائل الأعلام، عن عامل في وسط الميدان ووسط المظاهرات سَكَب الجاز على نفسه واحترق ومات، لأنه لا يجد ما يَقوت به أولاده، لقد هانت عليه نفسه، ليرحم نفسه مِنْ عيون أبنائه التي تَتضور جوعاً فتنهش أحشائه العاجزه عن توفير كِسرة خبز تسد رمقهم.
أيضاً مِنْ حوالي 3 أسابيع قرأتُ حادثه مُؤلمة، أُم قتلت إبنتها الصغيرة! فأندهشت مُستغربه، وقرأت القصة للآخر. المُحققين بإستجوابهم للمرأة أجابت، أنا لم أقتل إبنتي! أنا أعطيت البنت 50 جنيه لشراء بعض الإحتياجات لنا، ولاد الحلال يابيه عطفوا علي أنا وأولادي وأعطوني المبلغ ده علشان أأكل عيالي به لمدة أيام، ولكن البنت ضيعت ال50 جنيه! ففقدت صوابي وظللت أضرب فيها لمدة 3 ساعات وفجأة وجدتها ماتت!
الأم فقدت صوابها فماتت إبنتها أمام ضياع النقود لأنها فقيرة وفي أشد الإحتياج لإعالة أولادها.

الفقر قد يؤدي إلي المرض والألم والإعاقة!!! بسبب الفقر يكون سوء التغذية، وبسبب الفقر تكون عدم النظافه، وبسبب الفقر يتألم الفقير مِنْ الأمراض المُزمنة التي تحتاج مبالغ طائلة فقط لتسكين الألم! ولكنه للأسف لا يملك حق الشفاء ولا حق تسكين الألم! بسبب الفقر وعدم الإمكانيات قد يتدني الوضع الصحي للفقير فيُصاب أيضاً بعاهة مستديمة.

الفقر قد يؤدي إلي الجهل وعدم التعليم!!! كيف يتعلم الفقير إذا كانت أمعاؤه خاوية، مُش لما يلاقي يأكل يبقي يدفع مصاريف تعليم ويشتري كراسات وأقلام! الخلاصة إن في النهاية نسبة كبيرة من أجيال مصر ستكون عبء على المجتمع وليس ترس في عجلة الإنتاج والتقدم.

الفقر قد يؤدي إلي إنتشار الجريمة والإجرام!!! الفقر سينتج نوع من الحقد، الرغبة في الإنتقام من الطبقات الأعلي، المثابرة في الحصول على المال بأي وسيله، وياروح ما بعدك روح!

الفقر قد يؤدي إلى حرمان الطفل مِنْ طفولته!!! الأُسرة الفقيرة تُجبر الطفل علي العمل وأحيانا العمل الذي يقوم به الطفل لا يتناسب مع بنيته الضعيفه ويحرمه مِنْ الإستمتاع بطفولته، فيجد نفسه محروماً مِنْ اللعب والتَنزُه وإقتناء الملابس واللعب ومشاركة أقرانه في الأنشطة الضرورية لبناء جسده وشخصيته.

الفقر قد يؤدي إلى الإنفلات الأخلاقي!!! فنجد بعض النساء نظراً للفقر المُدقع قد يضطررن لبيع أجسادهن لكي يستطعن العيش وأحياناً لإعالة أسرهن.
قد نجد الشباب والشابات يدخلون في علاقات غير شرعية نظرأ لتفاقم الفقر وعدم قدرتهم علي تكوين أسر نظراً لما يتطلبه الأمر من الإلتزامات المالية والتي هي بالفعل غير متوفرة لهم بسبب الفقر.
قد نجد إرتفاع نسبة جرائم الإغتصاب والتحرش الجنسي، فالشباب في صراع بين تلبية إحتياجاتهم الجسدية ورغباتهم المكبوتة وبين الإلتزام بسُنن القيم والمبادئ والإخلاقيات وذلك بسبب الفقر.

الفقر قد يؤدي إلى العزله والوحدة والإكتئاب!!! الفقير ليس لديه مال أو جاه أو سلطان، ولذا ليس هُناك مصلحة للناس معه، وبالتالي الناس يبدأون في الإبتعاد عنه ومقاطعته! أنهم لا يريدون أن يعرفوه! يمكن إستناداً على المثل القائل، من جاور السعيد يسعد ومن جاور الحداد ينكوي بناره! ويمكن خوفاً من الحسد! ويمكن لئلا يكون حاقداً عليهم! ويمكن لأنهم مش حيستفيدوا منه! ويمكن أن ضميرهم بيوجعهم لأنهم كان المفروض أن يُشددوا مِنْ أذر هذا الإنسان والوقوف بجانبهِ مِثلما تَحُثنا كل الرسائل السماوية على مساعدة المسكين والمحتاج.

عموماً الناس مُمكن تتعاطف مع الإنسان المريض أو إللي عنده مشكلة أو مصيبة ولكنهم يتلاشون مثل البُخار في حالات الفقر، متمسكين بالمثل القائل "عُضْ قلبي ولا تَعُضْ جيبي"!!!
عموماً الفقر ليس قاصراً علي دولة أو شعب أو فئة، وهُناك العديد مِنْ القصص التي يشيب لها شعر الرأس مِنْ جراء الضرر الواقع على الفرد والمُجتمع بسبب الفقر.
لا تختلف صور الفقر هنا أوهناك، سواء في مصر، أو سوريا، أو العراق، أو الهند، أو كوبا أو .. أو.
أيضاً الفقر ينشأ نتيجة الحروب والثورات والصراعات السياسية والكوارث الطبيعية.

الآن الوضع الإقتصادي في مصر مُتدهور جداً، وبالتالي إرتفاع نسبة الفقر في إزدياد ما لم تتدخل الدولة بكافة الأجهزة لإنقاذ الشعب مِنْ أشباح الفقر.
مصر بإمكانياتها الطبيعية والسياحيه، المفروض تكون أغني دولة في العالم.
مصر بموقعها الإستراتيجي والجغرافي، المفروض تكون أغني دولة في العالم.

ولكن ما السبب في تدهور البلد وزيادة الفقر؟

كيف تُنتِج البلد، وكيف تُركز الناس في أشغالها، وكيف يعود الهدوء للناس بدلاً مِنْ التَشَتُتْ، وكيف تدور عجلة الإنتاج مرة أخري، وكيف ترجع مصر مصر مرة أُخري مَزاراً سياحياً يرفع المستوي المعيشي في البلد؟
كيف يكون هذا؟ ومصر حققت الرقم القياسي بين دول العالم في المظاهرات والمليونيات والفوضي؟ أنا بيتهيألي لو ما فيش في يوم مظاهرة، الناس حيقولوا إحنا بنحلم، ولا إحنا إتنقلنا لمكان آخر، ولا إحنا هاجرنا إلي بلد ثاني وإحنا مش عارفين.
كيف يكون هذا؟ ومصر ضربت أرقاماً عالية في التخريب والحرق والتدمير ووقف حال الناس والتعليم والإنتاج بأيد إرهابية غاشمة حاقدة خائنة.

نداء لكل المؤسسات والأجهزة السياسية:
قبل أن تُنادوا بالحرية، حرروا الأفواه الجائعة مِنْ الفقر.
قبل أن تُطالبوا الناس بإبداء الرأي في الأمور السياسية، حلوا مشاكل الفقراء قبل أن يشتريهم المُخربين والخائنين تحت ذُل الإحتياج، فتُصبح أصواتهم ضد مصلحة البلد بسبب إنسياقهم وراء مَنْ يُعطيهم كسرة الخبز ليعيشوا!

لكي تسير الدولة في تحقيق ما وصفته بخارطة الطريق، لابُد مِنْ حلول جذرية وقرارات حاسمة لوقف عمليات التخريب المستمرة، والضرب بأيدي حديدية على المجرمين، والمُحاكمات العاجلة والسريعة للإرهابيين، والتعامُل بكياسة وحزم مع الفوضى بالشارع المصري.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع