مع دخول المفاوضات النووية مع إيران مرحلة حاسمة، تعرب طهران عن مخاوفها من أن رقابة أكثر صرامة على أنشطتها سيزيد من مخاطر تعرض منشآتها الذرية لهجمات، سواء إلكترونية أو عسكرية، وكذا تعرض العلماء الذين يعملون بها لاغتيالات.
مخاوف إيران من أن تصبح أنشطتها النووية هدفا قد تبدو معقولة، لكن بعض الخبراء النوويين يرون فى مثل هذه المخاوف مبالغة كبيرة، فى ضوء أن هناك خمس علماء وباحثين نوويين قتلوا فى إيران منذ العام 2010، كما أن هناك فيروسا حاسوبيا استهدف قلب البرنامج النووى الإيرانى، وأدى إلى إبطاء أنشطتها فى تخصيب اليورانيوم بشكل مؤقت قبل ثلاثة أعوام.
منذ ذلك الحين، زعمت إيران أنها أحبطت هجمات إلكترونية محتملة أخرى. وتلقى طهران باللائمة فى أى تصفيات جسدية أو هجمات إلكترونية على إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما.
ولم ترد أى تقارير عن هجمات مؤخرا، لكن السلطات الإيرانية تظهر قلقا واضحا من أن فتح برامجها النووية على رقابة أكبر يمكن أن يزيد من المخاطر الأمنية، ومن ثم زادت فى الآونة الأخيرة الدعوات العلنية للتأهب. فى المقابل، صرح دبلوماسى غربى بارز بأن إيران تبالغ فى هذه المخاوف فى محاولة للتصدى للمطالب الملحة لها بالسماح بوضع كاميرات بث مباشر لمراقبة منشآتها.
ونقلت وكالة "تسنيم" الدولية للأنباء فى طهران مؤخرا عن النائب الإيرانى البارز سيد حسين نجفى تحذيره من أن مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد ينقلون معلومات "لمنظمات تجسس". فى الوقت نفسه، نقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية شبه الرسمية عن رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية السابق فريدون عباسى دعوته إلى زيادة اليقظة ضد أى تخريب نووى محتمل.
ويقضى الاتفاق النووى الذى توصلت إليه القوى العالمية الست مع إيران الشهر الماضى بتخفيف بعض العقوبات على الاقتصاد الإيرانى فى مقابل تنازلات من طهران تتضمن مراقبة أكبر على أنشطتها النووية. ويقول الدبلوماسى الغربى إن الاعتراضات الإيرانية ظهرت لأول مرة خلال مباحثات جنيف التى انتهت فى العاشر من نوفمبر مع الاتفاق على الخطوات الأولى فى الاتفاق النووى.
وأضاف أن المفاوضين الإيرانيين زعموا بأن البث المباشر يمكن التقاطه من قبل أعداء إيران للتجسس على العلماء فى المواقع النووية أو يمكن أن يمثل نقطة دخول لفيروسات حاسوبية اختراقية.
كما أعربوا عن مخاوفهم من أن بثا مباشرا من كاميرات مراقبة يمكن استخدامه كمرشد لهجوم صاروخى محتمل، بحسب الدبلوماسى، المطلع على تفاصيل المفاوضات السرية والذى طلب التكتم على هويته لأنه غير مخول بالكشف عنها،حيث تعنى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التابعة للأمم المتحدة، بتكثيف الرقابة على البرنامج النووى الإيرانى.
ومع ذلك، فإن الموقف الإيرانى بشأن المخاوف الأمنية لا يهدد اتفاق جنيف، ذلك أن عدم تشغيل كاميرات البث المباشر سببه التأخير بين توقيت التقاط الصور وتوقيت تقييمها.
رفض إيران السماح لمراقبة مباشرة يمكن أن يمنحها نظريا بعض الوقت لتقرر ما إذا كانت ستتنصل من تعهداتها، وهى الثغرة التى يسعى اتفاق جنيف إلى سدها عبر إلزام إيران بمنح مفتشى الوكالة حق الوصول المتاح فى أى وقت لمعدات المراقبة، لكن ذلك، بحسب مسئولى الوكالة، يرهق موارد المنظمة، ومن ثم يجبرها على وضع المزيد من المفتشين فى هذه المهمة.
وللوكالة الدولية للطاقة الذرية بالفعل بعض الكاميرات منقطعة البث فى موقعين إيرانيين يعملان على تخصيب اليورانيوم، وهى العملية التى يمكن أن تخلق وقود المفاعلات والقلب الانشطارى للأسلحة النووية على السواء. ويلتقى خبراء الوكالة فى فيينا هذا الأسبوع مع ممثلين من إيران والقوى العالمية الست للبحث عن سبل تكثيف المراقبة.
وعادة ما تستخدم الوكالة الدولية للطاقة الذرية كاميرات البث المباشر، ولديها بالفعل مثل هذه الكاميرات فى أكثر من مائة موقع حساس فى أنحاء العالم، بعضها يعمل على مراقبة مخزونات اليورانيوم المخصب بمستويات تسليحية للتأكد من عدم نقلها أو العبث بها.
ومن غير الواضح ما إذا كانت اعتراضات إيران مدفوعة بمخاوف حقيقية أو أنها مجرد تكتيكات تفاوضية، لكن بعض الخبراء يعتبرون المخاوف مبالغ بها.
وترفض إسرائيل إصرار إيران على أنها لا تسعى لإنتاج أسلحة نووية وتقول إنها ستضرب البرامج الذرية لعدوتها اللدود إذا ارتأت إنها اقتربت من القدرة على تصنيع مثل هذه الأسلحة.
التكنولوجيا الحالية تسمح للصواريخ باستهداف المصادر التى تنبعث منها حتى إشارة إلكترونية ضعيفة وتدميرها عبر تتبعها، لكن المسئول السابق فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أولى هينونين يقول إن لا إسرائيل ولا أى بلد آخر يفكر فى هجوم سيلجأ إلى مثل هذه التكنولوجيا التى تعتمد على كاميرات المراقبة.
ويضيف هينونين، رئيس محققى الوكالة فى إيران حتى العام 2011، أن أماكن وتفاصيل مواقع التخصيب الإيرانية موثقة بشكل جيد عبر صور الأقمار الاصطناعية الحديثة بحيث أن أى معتد محتمل سوف "يعرف بدقة المساحة التى تبدو عليها كل غرفة."
وقلل هينونين أيضا من المخاوف من إمكانية استخدام البث المباشر للمنشآت فى التجسس على تحركات العلماء النوويين الإيرانيين، وصرح قائلا إن غالبية كاميرات الوكالة مثبتة للتركيز على "المواد النووية وليس على أشخاص."
وهناك بالفعل بعض الكاميرات التى تلتقط مداخل ومخارج المنشآت، ومن ثم يمكنها التقاط تحركات الأشخاص، لكن هينونين يقول إن العلماء عادة لا يكونوا موجودين فى محطات التخصيب،مستطردا "إذا كنت تريد تعقب العلماء، فعليك. . تعقبهم فى مكان آخر."
ويقلل هينونين وآخرون أيضا من إمكانية اختراق أنظمة المراقبة الإيرانية عبر فيروس مدمر مخبأ فى معدات الوكالة للمراقبة،حيث لفت هينونين إلى أن الوكالة تقوم بمسح مثل هذه المعدات من أى فيروسات حاسوبية قبل تركيبها. هذا، وفضلا عن حقيقة أن معدات الوكالة منفصلة عن الأنظمة الحاسوبية الإيرانية، يجعل من مثل هذه الاختراقات أمرا غير محتمل، بحسب هينونين.
من جانبه، وصف الخبير الحرب الإلكترونية الألمانى رالف لانجنر المخاوف الإيرانية من احتمال نقل فيروسات خبيثة لا سلكيا من معدات الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المعدات الإيرانية ب"الهراء".
"الانتقال اللا سلكى يمكن كشفه بسهولة تامة"، حسبما قال لانجنر، الذى اكتسب شهرة عالمية لتحليله لفيروس ستاكسنت الذى عطل برنامج تخصيب اليورانيوم الإيرانى بشكل مؤقت.