د.ماجد عزت إسرائيل
للشعب المصرى العريق تاريخ مشرف فى وضع الدساتير،لأن تاريخه الاجتماعى والاقتصادى والسياسى يتداخل معا ولا يمكن الفــصل بينهما،فالدستورعند وضعه لأبـــــد من أن يعبر عن كــــافة طوائفـــــه، لأنه إذا جـاء معبرا عن فـــــئة بعينها من الشعب فـلن يجبر بقـــــية الشعب على الامتثال والانصياع له، وإنما سيستمر الــمد الثوري من باقى الطوائف الآخــرى في مواجهة الاستبداد الجديد ــ والشعب المصرى بطبـعه الصبر!، ويمتلك القدرة بمساندة جيشه على تحيق حلمه، وأكبر دليل على ذلك حدوث ثورة 25 يناير 2011م ، والتى أجـبرت الرئيس "محمد حسنى مبارك"(1981-2011م) على التنحى ،وحدوث ثورة 30 يونية 2013م، وخلع الرئيس"محمـــــد مرسى" (2012-2013م) ، يعنى فى ثلاثة سنوات نجح الشعب بمسانــدة الجيش فى الأطاحــــة بالرئيس ـــ من دون أن تتحــول الطاقة الثورية إلى طاقة تنموية خلاقة،تعمل وتجتهد فى رفع مكانة الوطن.
والشعب المصرى بجميع طوائفه منـــذ عهد الملك "مينا" موحد البلاد ــ مملكة الشمال والجنوب ــ يسعى للكرامة والحرية والاستقر،ولتحقــــيق أماله أنشأ أول حكومة مركزية لتنظيم لإدارة شـــئون البلاد، وهذا ما يتضمنه معظم دساتير العالم،والدستور ما هو" إلا نظام ومبادىء أو قـــــواعد تــحكم الأمـــة أو الدولة" .
ومنــــذ أوائل القــرن التاسع عشر بدأت رحلة الدستور المصرى مع إصدار "محمد علي باشا "(1805-1848م) اللائحــة الأســــاسية للمـــجلس العالي( ١٨٢٥م)، ثم أتبـــعها في يوليه (١٨٣٧ ) قــانون" السياستنامة" أنشىء بمقتضاه بعض الدواوين الجـــــديدة،ونظم عملــــــها،وأنعكس ذلك على تطورات "الباشا" السياسية والاقتصادية والاجتماعية،وكان اساسها المســاواة بين كل المــــــواطنين، والفصل بين الســــلطات،ونجح بالفعل فى النهوض فبمصر خلال فترة حكمه.
وواصل الخديوى إسماعيـــل (1863-1879م) )،تبنى الحياة النيابية ، فأصدر في ( 22 أكتوبر 1866م ) لائحــة تأسيس مجلس شورى النواب وانتخاب أعضـــائه، وكانت هـذه اللائحة تقــوم على صياغة قـــانونية عصرية، في نصوص محددة ومفصّلة.وكانت لائحة المجــلس النيابى تمنح طوائف الشعب المصرى جغرافياً، المشاركة فى المجـــــلس النيابى،للمساواة بين الشعب،لتــصبح مصر على غرار الدول الأوروبية دوستورياً.
وفى عهدا لخديوي (محمد توفيـــــــق)(1879 -1892م) ، صدر بتاريخ 7 فبـراير 1882 ما سُميت (اللائحــة الأساسية)، وهي خاصة بانتخاب أعضاء مجلس النواب،وصــدر دستور للبـــلاد سنة ( 1882 م) في عهد الخديوي توفــــيق، إلا أن سلطات الاحتـــــلال البريطانى قـــــامت سريعا بإلغائه، وتم وضع ما عرف بــ "القانون النظامى (11883م)ولكن الشعب المصري واصل تصميمه على التمسك بإصدار الدستور حتى نجـح فى إصــداره في 19 أبـــريل سنة 1923م، عقــــــب ثورة الشعب المصر الشاملة فى( 9 مارس 1919م ) وظل العمل بذات الدستور حتى تم إلغـــــاه فى( 22 أكــتوبر 1930م)، وبــعد أنتفاضة 1925م،عاد العمل بها حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952م.
وعقب ثورة الضباط الأحرار وعلى رأسهم بقيادة اللواء "محمد نجيب" والزعيم "جمال عبد الناصر"، صدر أول إعلان دستوري في (10 ديسمبر سنة 1952م) أعـــلن فيه باسم الشعب سقــوط دستور سنة 1923، وفي( 13 يناير 1953م )تم تكوين لجنـــة لوضع مشروع دســتور جديد على أن تراعي الحكومة في أثنـــــاء تلك الفـــــترة الانتـــقالية المـــبادئ الدستورية العامة، وفى ( 10 فبراير سنة 1953م) صدر إعـــلان دستوري ثان متضمنا أحكام الدستور المؤقت للحكم خلال فترة الانتقال.
على أية حال ،عند نهاية الفترة الانتقــــالية صدر في( 16 يناير من 1956م ) إعـــــلان دستوري مبشرا بدستور جديد، إلا أن العمل ظل مستمرا بالإعلان الدستوري الصادر في 1953م حتى أجري استفتاء في 23 يونيو من ذاك العام، كما تم إعــــداد دســـــتور جديد بعد اتحـــاد الجمهورية العــربية المتحدة بين مصر وسوريا (1958م) وهو دستور الوحدة في مارس من نفس العام.
وفي بدايات حكم الرئيس الراحـل" محمد أنــــور السادات"(1971-1981م) ، أعلن عن دستور 1971م. وتم تعــديل هــــذا الدستور في( 30 إبريل 1980 م) بقـــــــرار من مجـــــلس الشعب، وفى عهد الرئيس السابق" محمد حسنى مبارك"(1981-2011م)، ففي سنة (2005م)م عُدِّل الدستور مرة أخرى لينظم اختيار رئيس الجـــــمهورية بانتخــــــابات مباشرة، الشهير بتعديلاته للمادة (76 )والتي جرت على إثرها أول انتخابات رئاسية في مصر،وفي( 26 مارس 2007 م ) جرى استفتاء بموجبه عُدِّل الدستور مرة أخرى،وتم أضافة قــــانون الإرهاب المادة (179)،وكان تعـــديلات الدستور من دوافــــع قيام ثورة 25 يناير 2011م.
وبعد قيام ثورة (25 يناير2011م) وتخلي الرئيس السابق"محمد حسني مبارك "عن الحكم، كلف المجلس الأعلى للقــــوات المسلحة، الذي تولى إدارة شئون البلاد، لجــــنة للقيام ببعض التعــــديلات الدستورية بلغت( 63 مــــادة)، وتم الاستــــــفتاء عليه في (19 مـــارس 2011) وبعد موافقة الشعب المصري في الاستفتاء، أصدر المجلس الأعلى للـقوات المسلحة في يوم( 30 مارس 2011 م) إعلاناً دستـــوريا شمل أغلب التعديلات التي تم إقرارهـــا في الاستفتاء بالإضافة إلي بعض المواد الأخرى، وعقب تولى "محمد مرسى" رئاسة الجمهورية (30 يونية 2012م)، أصدر الإعلان الدستورى فى نوفمبر 2012م، امـــــتلك بمقتـضاه كل السلطات،وعـزل النائب العــام،وأصـــــدر دستور 2012 م، المشهور بدستور "نصف الليل"وهــــو الذى انسحبت منه الكنيسة، وضع أهـــله وعشيرته على قمة الهرم الوظيفى ــ أخــونة الدولة ـــ وسيطر على الأعـلام المقروء والمسموع والمرئى،ولم يسمع للمعارضين،ولم يشــاركهم فى السلـــطة،بل كان دائما يعلن انتمـــائه نحو"الأهــــل والعـــــشيرة”. وكانت الـبلاد تتم إدارتها عن طريق المرشد ونائبه ،الذين أنتهكوا حقوق الإنسان، وحــاول الجيش التدخل وتقريب وجهات النظر للمصالحة الوطنية، ولكن المحاولات باءت بالفشل.
ومن هنا بدأت حركة شبابية تضم شتى جميع المصريين تعرف بـ (تمرد) من جمع توقيات لعزل "مرسى" ووصلت حصيلة من وقعوا نحو (22مليون نسمه)، دعت إلى ثورة 30 يونيو 2013و نهاية حكم الرئيس، الذى لم يستجب لمطالبهم وهى: تشـكيل حـكومة جديدة،وتعــديل الدستور،والمصالحة الوطنية،وزاد من التوتر خطاب الرئيس واصراره على عـدم الاستجابه إلآ لـــــشرعية "مشكوك فيها".
وأمام خروج نحو (33 مليون نسمه) إلى الشــوارع والميادين ضده أنضم الجيش للشعب" وأصدر الفريق أول " عبد الفتاح السيسى" بياناً فى 3 يوليو 2013م،يعلن فيه خلع الرئيس"محـــمد مرسى" وتعيين "عـدلى منصور"رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً مؤقــتاً للبلاد، ووضع خريطة طريق لإدارة شئون البلاد،والتى كان منها تعديل دستور (2012م) أو دستور "نصف الليل" فكلف لجنة مصغرة من 10 قضاة وخبراء دستوريين، معروفة إعلامياً بلجنة العشرة،لوضع مسودة التعديلات الدستورية المقترحة، وبعدها يتم تشكيل لجنة من 50 عضوا يفترض أن يمثلوا كافة أطياف المجتمع،وتم تشكيلها برئاسة السيد"عمرو موسى"،وانتهت من تعديل الدستور،الذى يتضمن(247 مادة) فى أول ديسمبر 2013م، وتم تسليمه للسيد رئيس الجمهورية المستشار "عــدلى منصور"وينتـظر الشعب دعوته للأستفتاء على الدستور،وربما اعتقد فى يناير 2014م.
وأخيراً،ندعو الشعب المصرى العظيم بجميع طوائفه للأستفتاء على الدستور من أجل مصرنا الحبيبة،مصر التى أنجبت "أحمس" قاهر الهكسوس، والملك "رمسيس الثانى" صاحب أول معاهدة سلام فى التاريخ، والرئيس "عبد الناصر" صاحب قرار تأميم شركة قناة السويس 1956م،"ونجيب محفوظ"أديب نوبل، و "مجدى يعقوب" أمير القلوب، والفريق "عبد الفتاح السيسى" الذى أعاد مصرنا الحبيبة للمصريين فى 30 يونية 2013م،حمى الله مصرنا من شر الأعداء.