سمير مرقس | الاربعاء ١١ ديسمبر ٢٠١٣ -
٣٣:
٠٧ ص +02:00 EET
ارشيفيه
الإمبراطورية الروسية الجديدة القادمة، ليست هى الإمبراطورية القيصرية ولا السوفيتية... هى إمبراطورية قارية / كونية... تحاول تلافى أخطاء وإخفاقات إمبراطوريات الماضى، وفى نفس الوقت تنطلق إلى العالم الجديد على أسس حضارية جيوبوليتيكية جديدة... خاصة أن الدرس التاريخى يؤكد أن تجاوز روسيا لواقعها غير الطيب الذى وجدت نفسها فيه مع تفكيك الاتحاد السوفيتى، لا يكون إلا ببناء إمبراطورية قوية تقوم على عناصر متعددة فى شتى المجالات: الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتكنولوجية (أشرنا لها سابقا)... خاصة أنه «لا معنى لروسيا بدون إمبراطورية»... فى الحلقات الماضية تحدثنا عن الانطلاقة الروسية ورسالتها وكيفية تحركها القارى واليوم نتحدث عن تحركها الكونى...
مع مطلع الألفية الجديدة، كان هم الروس هو الحفاظ على مكانة سياسية مرموقة فى الدنيا الجديدة التى كانت آخذة فى التشكل... وعليه بدأ «التحرك الروسى الكونى»، أولا: بالتقارب ثم ثانيا: بالصداقة الاستراتيجية ـ بحسب أنور عبد الملك ـ بين روسيا والصين وجوهرها الدعوة إلى نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب والمراكز... فتأسست «منظمة تعاون شنغهاى»، وهى المنظمة التى أنشئت فى يونيو ٢٠٠١، وتضم الصين وروسيا وكازاخستان وأوزباكستان وطاجكستان وقراغستان، وتضم هذه المنظمة كمراقبين كلا من: الهند وباكستان وإيران... وفى الذكرى الأولى لواقعة ١١ سبتمبر أعلن بوتين: «إنه ولدت علاقات من نوع جديد بالكامل بين روسيا والولايات المتحدة اليوم»... وتم إعلان الشراكة بينهما من أجل بناء العالم الجديد معا... وكانت الخطوة الأولى العملية لجعل الشراكة حقيقة: تقليص الترسانة النووية لكل منهما... وتم الاتفاق أيضا على التعاون الاقتصادى الثنائى، والتنسيق المتواصل فى مقاومة الإرهاب، بالإضافة إلى قائمة طويلة من التوافقات مثل: التعاون فى مجال الطاقة، وحصار عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، واتخاذ مواقف واحدة تجاه المناطق الحيوية فى العالم كالشرق الأوسط وغيرها... ويمكن أن نقول إن هذا الاتفاق يعد:
«تصفية لكل أعباء الحرب الباردة»، و«تأسيس جديد للمشهد العالمى»...
المحصلة أن العالم شهد ـ بعد مرور عامين فقط من الألفية الجديدة ـ «روسيا عظمى»، قادرة أن تكون شريكة للحلف الأطلسى وذراعه الأبرز الناتو...
إذن أنجزت روسيا بدأب أولا: شراكة مع التنين الصينى، وثانيا: شراكة مع القطب الأمريكى... ومنذ عام ٢٠٠٧ بدأت روسيا تتحرك فى مسارات متنوعة ومختلفة وفق استراتيجية أعلنها بوتين فى ميونيخ مضمونها الآتى: «أحادية القطب فى العالم الحالى لم تعد مقبولة ولا ممكنة،...الولايات المتحدة تملى على الدول الأخرى نظامها الحقوقى،... أما روسيا دولة تاريخها يعود لأكثر من ألف عام، وامتازت على مدى تاريخها بإدارة شؤونها الخارجية بصورة مستقلة ونحن لن نغير هذا التقليد اليوم»...
فى هذا السياق، وعلى مدى العقد الأول من الألفية الجديدة بدأت روسيا نمطا من التكوينات والاستثمارات التى تتجاوز الربح أو العائد المالى المتزايد فقط إلى التأثير فى النظام الاقتصادى العالمى... ونذكر هنا مجموعة «بريكس»، التى تضم روسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند، والتى من ضمن أهدافها الاقتصادية الكثيرة فإنها «تولى اهتماما خاصا لإمكانية تقليص الدور الذى يلعبه الدولار كمعيار دولى للنقد»... بالإضافة إلى المشروعات الاقتصادية المتعددة الأبعاد مثل: «مشروع ساوث ستريم» لإنشاء أنبوب للغاز يصل حقول الغاز فى بحر قزوين بأوروبا...، إلخ.
ونواصل الحديث عن المسألة الدينية/ الثقافية ثم المسألة الديمقراطية.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع