بقلم : د. نوال السعداوى
من حق الشعب المصرى الذى نزف الدم فى ثورته أن يكون له دستور يحقق أهداف الثورة (خبز، حرية، عدالة، كرامة) أو يسير فى الطريق نحو تحقيقها، مشروع الدستور سينجح بدرجة «مقبول» إذا أجرى الاستفتاء عليه بطريقة نزيهة وشفافة، لكن نزاهة الاستفتاءات والانتخابات غير ممكنة فى ظل النظم الطبقية الأبوية (الانتخابات فى أمريكا وأغلب البلاد تقوم على المناورات والأكاذيب والأموال).
سيوافق الشعب المصرى على الدستور، رغم ما فيه من تناقضات ومراوغات، لأن أمانى الثورة الشعبية لا تتحقق بدستور يكتبه خمسون رجلا وخمس نساء، لكن تتحقق الأمانى الثورية بالقوى الشعبية ذاتها التى قامت بالثورة نساء ورجالا وشبابا وأطفالا، إنه دستور المرحلة الانتقالية التى نعيشها، وأمانى القوى التى وصلت إلى الحكم بعد الثورة ومنها لجنة الخمسين.
المادة ٦٤ تقول إن حرية الاعتقاد مطلقة، لكن يتم تقييدها (بعبارة تأتى بعدها) تخص أصحاب الديانات السماوية بهذه الحرية المطلقة، لماذا يتم التمييز بين أصحاب الديانات السماوية وأصحاب الديانات الأرضية وغيرها من الكواكب؟ ألا يرث الجميع ديانتهم ولا فضل لأحدهم على الآخر مادام أنه لم يختر دينه بإرادته الحرة؟
المادة الثانية تبطل مادة حرية الاعتقاد المطلقة بالنص على أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع.
فكيف تتحقق حرية الاعتقاد المطلقة دون أن يتهم غير المسلم بعدم الانتماء للدولة أو الوطن والخروج عن الهوية و.. و.. و.. و؟
هذه المادة الثانية اقتحمت الدستور قسرا فى عصر السادات ـ ريجان، لتقسيم مصر طائفيا، فلماذا الإبقاء عليها؟
والقوانين المصرية كلها مدنية، إلا قانون الأسرة (الأحوال الشخصية) القانون الدينى الوحيد المستمد من الشريعة الإسلامية حسب التفسير الطبقى الأبوى للشريعة.
الدولة مدنية فى الدستور لكن دينها الإسلام فى الدستور نفسه.. أليس هذا تناقضاً صارخاً؟
المادة الثالثة تقول: مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، أى أن قانون الأحوال الشخصية للمصريين يخضع للقانون الدينى، وهذا تناقض جوهرى فكيف ينص الدستور على خضوع الأسرة للحكم الدينى رغم النص على أن الدولة ديمقراطية حديثة حكومتها مدنية، أو حكمها مدنى (وهناك فارق مراوغ كبير بين الحكم والحكومة) بطبيعة الحال.
وينص الدستور فى المادة ١٠ على أن الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية وتعمل الدولة على ترسيخ قيمها واستقرارها.
لماذا الأسرة وحدها؟ وهل مؤسسات الدولة الأخرى ليس قوامها الدين والأخلاق والقيم والاستقرار؟
نعم قانون الأسرة لا يعمل على استقرارها ولا يرسخ الأخلاق ولا الدين ولا القيم، فالرجل يملك حق الطلاق والزواج بأربع دون سبب إلا شهوته الجنسية أو الاقتصادية، ويمكن لرجل فى التسعين (متزوج وله أولاد وأحفاد) أن يتزوج طفلة، وقد انتشرت ظاهرة الأطفال غير الشرعيين وزواج القاصرات واغتصاب الأطفال الإناث والذكور بسبب فوضى الرجال الكبار الجنسية والأخلاقية فى ظل القانون والشريعة!
وهناك تناقضات أخرى فى الدستور، وأكتفى بهذا مؤقتا.
نقلا عن : المصري اليوم