بقلم : شريف اسماعيل
ماذا وراء الاتفاق الإيراني مع الدول الست ، فمن الملاحظ أن الولايات المتحدة باركت هذا الاتفاق و عملت بكل جهد على انجاحه ، فخطاب الدبلوماسية الامريكية قد تراجع فى حدته و تغير بشكل كبير و تحركات الادارة كانت وراء هذا النجاح، فالبيت الابيض أستعان بجماعات الضغط الصهيونية للتحرك لوقف اية عقوبات يمكن للكونجرس ان يفرضها على أيران أثناء مباحثات جنيف.
بل وقد شهدت اجتماعات الامم المتحدة بنيويورك غزل متبادل بين أوباما و روحانى بل بين روحانى و إسرائيل، فى الوقت الذى أظهرت حكومة نتنياهو غضبا شديد و شحذت كل أسلحتها الدبلوماسية للتشكيك فى نوايا أيران وتفشيل المفاوضات الجارية بالعاصمة السويسرية، بل هددت بإمكانية قيامها بتنفيذ عملية عسكرية و بشكل فردى ضد ايران، و من الملفت للنظر هنا أن واشنطن و خلال اجتماعات هيرتسليا فى مارس 2013 وخلال وضع توصيات المؤتمر و فيما يتعلق بشأن الملف النووى الإيراني، طلبت من إسرائيل الابتعاد عن هذا الملف و أكدت على حكومة نتنياهو التزام الصمت و عدم تداول المضوع إعلاميا أو اطلاق أية تصريحات عدائية ضد طهران .
ولكن لماذا اتخذت الادارة الامريكية هذا النهج ، بالرغم من التصريحات السابقة و المواقف الامريكية المتشددة ضد أيران و بالرغم من أنها كانت وراء قرارات الامم المتحدة وساهمت بشكل كبير فى فرض عقوبات و حصار اقتصادي على طهران ؟
من المؤكد أن واشنطن هدفت من هذا التحرك تحقيق أكثر من مصلحة تخدم مصالحها بالدرجة الاولى و تضمن أمن و سلامة دولة إسرائيل ، و هو ما يتمشى مع منطق عدم اتخاذ اللوبى الصهيونى بأمريكا أية تحركات كان من الممكن أن تعيق حركة الادارة ، لاسيما و أن هذه الحركة قد تزامنت مع قرار أوباما بحشد القوات الامريكية لتوجيه ضربة عسكرية ضد النظام السورى يشكل منفرد إن اقتضى الأمر و بدون غطاء سياسى أممي، وما ترتب علية بعد ذلك من قبول دمشق تدمير سلاجها الكيماوى و بحث الادارة الامريكية عن دور سياسى لطهران فى ملف المفاوضات السورية ، بل من المؤكد أيضا أن واشنطن سعت من هذا التقارب الى إزعاج السعودية و دول الخليج كنتيجة و رد على تصريحاتهم التى دعمت الموقف المصرى و على المساعدات التى قدموها للثورة المصرية ، فى الوقت الذى كانت تقود فية واشنطن الغرب لفرض حصار اقتصادي على مصر.
هذا فضلا عن أن التقارب الأمريكي الإيراني قد جاء لخدمة أهداف المخطط الأمريكي و الذى يهدف الحفاظ على دور طهران كدولة لاعبة و مؤثرة فى منطقة الشرق الاوسط ، وبما يضمن بقاء الدور الشيعى فى المنطقة ، و يضمن لواشنطن أستمرار الصراع المذهبى السنى الشيعى و استمرار تهديد الخليج بأطماع وطموح أيران بأستعادة الامبراطورية الفارسية و يجدد أحلام طهران فى إقامة الهلال الشيعى و تأثير ذلك بشكل مباشر على أمن السعودية و دول الخليج ، هذا فضلا عن أ نه بتمكن أمريكا من احتواء أيران داخل حيز الدول المعتدلة سيضعف موقف سوريا و حزب الله، لاسيما و أن طهران كانت دائما الراعي و الممول لهما.
فواشنطن خططت لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد فالاقتراب من أيران على الصعيد الاقتصادي سيفتح أمام أمريكا العديد من المجالات الاقتصادية سواء كانت فى مجالات النفط أو التجارة الجانبية, هذا فضلا عن نجاحها فى عقد صفقة سرية مع طهران تتعلق بتسهيلات مالية تضمن خروج الادارة من أزمتها و التى هددت بقاء حكم أوباما بعد أن فشل فى سداد مرتبات الحكومة الامريكية فى سابقة لنم تشهدها واشنطن من قبل.
و قد منح الكونجرس الإدارة فرصة لمعالجة الوضع الاقتصادي و حتى فبراير 2014 ، أما على الصعيد السياسى فبالتقارب الأمريكي الإيراني حققت واشنطن مجموعة من الاهداف أهمها أيجاد دور سياسى لها بمنطقة غرب أسيا يزاحم الدور الروسي و الدور الصيني ، هذا بالإضافة الى أن هذه العلاقة ستهذب سلوك أنقرة و تخلق نوع من التوازن لصالح أمريكا تجاه حلفاءها بمنطقة الخليج و الشرق الاوسط.
هذا بجانب تحقيق واشنطن لاهم أهدافها و هو استمرار الصراع المذهبى بمنطقة الشرق الاوسط ، فضلا عن معالجة الصدمة التى تلقتها الادارة من وراء سقوط نظام الاخوان ، مما دفع الادارة لمحاولة أحياء الصراع من خلال القطب الشيعى بعد أن فشل مشروعها داخل أكبر دولة سنية بالشرق الاوسط ، كانت تعتمد عليها فى العديد من الاهداف و كان أحداها هو قيادة الصراع المذهبى ، أما على الصعيد الأمني فالولايات المتحدة باحتواء الدور الإيراني سوف تضمن أضعاف موقف بشار الاسد و الاستفراد به، لاسيما و أن هناك مباركة من الجامعة العربية لإسقاط هذا النظام.
فبعزل سوريا و الضغط على بشار قد يقود فى النهاية الى تقسيم سوريا الى عدة كيانات علوية و سنية و درزية، هذا بالإضافة الى أضعاف موقف حزب الله و تحييده عسكريا و الضغط علية لضمان تحوله الى حزب سياسي لبناني ، أم بالنسبة للملف النووي الإيراني فبالتأكيد فأن تقارب واشطن مع طهران سيفرض دور لأمريكا تكون فى اضعف الاحوال شريك مراقب على هذا الملف بجانب روسيا و الصين.
كل هذه الظروف دفعت واشنطن لتجاهل المحاذير الاسرائيلية و أقدمت على خطوة استراتيجية حققت بها العديد من الاهداف و المصالح ، بما فيها أمن الدولة العبرية و التى لم تستوعب هذا التحرك أو هكذا أدعت و تعاملت معه بحذر شديد و ضح من خلال التناول الإسرائيلي سواء السياسي أو الإعلامي لهذا التقارب و السؤال هنا كيف ترى إسرائيل هذا الاتفاق ؟
فعلى الصعيد السياسى ، قامت مراكز الابحاث بتحليل التقارب الأمريكي الإيراني و وصفت الاتفاق الاممى مع أيران بالاتفاق التاريخي والخطأ التاريخي، فقد اصبحت الساحة الاسرائيلية تشهد حالة من الارتباك الشديد و حالة من الانقسام حول سلبيات وايجابيات الاتفاق وحول كيفية تعامل اسرائيل معه وأيضا فيما يخص مصير علاقاتها المتوترة مع الحليفة واشنطن حول الملف الايراني في مرحلة ما بعد الاتفاق المرحلي وتمهيدا للمفاوضات الممهدة للاتفاق النهائي المفترض بين طهران والغرب بعد ستة اشهر.
فالحكومة الاسرائيلية تنظر الى الاتفاق الموقع بين طهران والغرب حول المشروع النووي الايراني من منظور أطلقت علية المعادلة الصفرية (Zero sum game), بمعنى ان ما تستفيد منه طهران يمس بالضرورة المصالح الاسرائيلية ., فرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أستخدم عبارة : الخطأ التاريخي فى وصف هذا الاتفاق، مؤكدا ان اسرائيل ليست ملزمة بهذا الاتفاق الذي وصفه وزير الخارجية ليبرمان بالنصر الدبلوماسي الكبير لطهران، خاصة و أن حكومة تل أبيب ترى أن اتفاق جنيف يبرز العديد من السلبيات و المخاطر على أمن إسرائيل.
في مقدمتها: ان الاتفاق يقتصر على تجميد المشروع النووي او تعليقه ولا يعيده الى الوراء كما تطالب به اسرائيل. كما ان الاتفاق يمنح طهران شرعية دولية ضمنية للاستمرار في عملية تخصيب اليورانيوم ومن شأنه أيضا ان يؤدي في نهاية المطاف الى انهيار نظام العقوبات الدولية المفروضة على طهران والتي يعتبرها نتانياهو عامل ضغط فعالا على طهران في الملف النووي، فحكومة نتانياهو تتهم ادارة اوباما بالهرولة الى اتفاق جنيف من منطلق تجنيب الخيار العسكري باي ثمن.
وترى انه كان باستطاعة المفاوضين الغربيين التوصل الى اتفاق افضل مستفيدين من الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها طهران اليوم نتيجة العقوبات، إلا أن بسبب الهرولة الأمريكية التي استفاد منها في نهاية المطاف المفاوض الايراني في جنيف و الذي لم يضطر الى تقديم أية تنازلات ملموسة تضمن عدم وصول أيران الى تصنيع قنبلة نووية، في الوقت الذي حقق فيه الرئيس روحاني هدفه الرئيسي وهو تخفيف العقوبات الدولية.
كما ان قلق الحكومة الاسرائيلية يتمحور حول سيناريو تحول الاتفاق المرحلي مع ايران الى اتفاق نهائي بشكل تستفيد منه طهران اقتصاديأ دون تقديم أي تنازلات ملموسة نوويا. وهو الامر الذى توحد حولة الجبهة الداخلية الاسرائيلية فى بداية المفاوضات إلا أن من الملفت أن هذا التحالف قد انهار بعد حوالي اربع وعشرين ساعة على توقيع اعلان حسن النوايا بين أيران و الامم المتحدة.
فالمعارضة الاسرائيلية وعلى رأسها الزعيم الجديد لحزب العمل يتسحاك بوجي هرتزوج تبنت مواقف شديدة ضد السياسة التي ينتهجها نتانياهو حول الاتفاق وحول العلاقة مع واشنطن موضحة ان الاتفاق ليس كارثيا كما تحاول حكومة نتانياهو اظهاره ومن جهة اخرى تتهم نتانياهو بالفشل الدبلوماسى و في أدارة الازمة مما ترتب علية من نجاح أيران فى في التوقيع على الاتفاق.
حيث يدرك هرتسوج أن الاتفاق ليس مثاليا، مشيرا ان الاتفاق اصبح واقعا و يجب على إسرائيل التعامل معه، مشيرا الى بعض الايجابيات التى يمكن أن تجنيها إسرائيل من وراء هذا الاتفاق وفي مقدمتها : عدم انهيار نظام العقوبات المفروضة على طهران واستمرار العقوبات النفطية, وكذلك تجميد المشروع النووي وتشديد عمليات التفتيش الدولية على المنشات النووية الايرانية.
و كذلك ضمان وقف عملية تخصيب اليورانيوم فوق 3,5% بالإضافة الى تمكن المجتمع الدولى من فرض قيود على مفاعل الماء الثقيلة لإنتاج مادة البلوتونيوم في اراك. اما بالنسبة الى سلبيات الاتفاق فيرى حزب العمل أنها تتمحور حول الغموض الذي يحيط بالمستقبل بعد الاشهر الستة المقبلة.
و من هنا دعا رئيس المعارضة نتانياهو الى ممارسة الحكمة في تعامله مع واشنطن لأنها حليفة اسرائيل الرئيسية وقد تحتاج اليها اسرائيل في المراحل القادمة من التعامل مع الملف النووي وربما ايضا اذا طرح مرة اخرى الخيار العسكري ، بالرغم من أن هذا الخيار اصبح غير وارد بالحسبان على ما يبدو خلال الاشهر الستة المقبلة التي ينص عليها لاتفاق.
أما بالنسبة للتناول الاعلامي الإسرائيلي للموضوع فقد تناولت الصحف الاسرائيلية الحدث برؤا مختلفة بين مؤيد ومعارض : ،فكل من جريدتا اسرائيل اليوم و معاريف المحسوبتان على نيتانياهو واليمين المتشدد تقودان معارضة الاتفاق والدفاع عن سياسة نتانياهو في حين ان جريدتي يديعوت اخرونوت” وهائارتز المحسوبتين على المعارضة تقودان الخط الاسرائيلي الداعي للتعايش مع الاتفاق وقد تلاحظ في سياق هذا الصراع أن جريدة اسرائيل اليوم قد نشرت استطلاعا للراي العام (مصداقيته ليست واضحة بطبيعة الحال بسبب اجندة الصحيفة) – يستدل منه على ان 55% من الاسرائيليين راضون على سياسة نتانياهو حول الملف الايراني و أن اكثر من 70 % منهم يعتقدون بان اتفاق جنيف لا يؤدي الى وقف المشروع النووي و أن نسبة 45% مع الخيار العسكري في حال استمرت طهران في مشروعها النووي العسكري. أما جريدة معاريف فقد أكدت ان الاتفاق منح الشرعية الدولية للمشروع النووي الايراني.، أم بالنسبة لجريدة هأريتس المحسوبة على المعارضة فقد أشارت الى أن: الاتفاق تاريخي و حملت حكومة نيتانياهو أية نتائج سلبية يمكن أن يقوها الاتفاق على أمن الدولة العبرية ، اما يديعوت اخرونوت فقد أشارت أن تهديدات نتانياهو بالخيار العسكري ليست واقعية بعد الاتفاق لأنه لا يمكنه مواجهة الدول العظمى الست الموقعة على الاتفاق , ولذلك على اسرائيل التركيز ليس على معارضة الاتفاق , بل على ضمان التزام طهران والمجتمع الدولي ببنود الاتفاق وتحديدا حول النقاط التالية : هل ستسمح طهران للمفتشين بالوصول الى جميع المنشآت النووية؟ هل تقوم طهران بتعطيل اجهزة الطرد المركزي المتطورة التي بحوزتها ؟ هل يتم التخلص من مخزون اليورانيوم بالنسبة 20%؟ هل يلتزم المجتمع الدولي بقراره بتخفيف جزئي ومحدود فقط للعقوبات ؟ يديعون اخرونوت استعانت بخبرة الجنرال عاموس يادلين الرئيس السابق لهيئة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية رئيس معهد دراسات الامن القومي الذي كتب قراءته الاولية للاتفاق على صفحات الجريدة بعنوان : أتفاق يمكن التعايش معه لمدة نصف عام - لا اتفاق تاريخي ولا فشل تاريخي .
يوضح ما سبق هول الصدمة التى أصابت إسرائيل وحجم و الزعر الذى أصاب المجتمع الإسرائيلي من جراء هذا الاتفاق ، بالإضافة الى قدر الحرص الذى تقوده كافة القوى السياسية الاسرائيلية للحفاظ على علاقات متميزة مع واشنطن ، لاسيما و أن الايباك لم يدعم مطالب تل أبيب أو يلتفت الى مخاوفها ، فنحن أمام سيناريو أزمة حقيقية للحكومة الإسرائيلية ، تعارضت فيه مصالح إسرائيل مع مصالح الادارة الامريكية و التى فضلت أتخاذ قرارات فى حقيقتها تحافظ على وضعية الرئيس أوباما و استمرار حكم الديمقراطيين و الذين عالجوا مختلف القضايا بدعم من جماعات الضغط الصهيونية و بما يضمن مصالح أمريكا و أمن إسرائيل .