مدحت بشاي | السبت ٧ ديسمبر ٢٠١٣ -
١٤:
٠٨ ص +02:00 EET
مدحت بشاي
في لقاء من لقاءات «مبارك» السنوية مع مجموعة من المثقفين على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب (وبالطبع تم إلغاء ذلك اللقاء في سنوات التراجع
الأخيرة من حكم المخلوع).. قام وزير سابق متحدثاً بحماس حنجوري في إطار تخصصه، وكيف أن الحكومة خايبة ويرى جوانب الخيبة في كيت وكيت، وظل مبارك يتابع الرجل مبتسماً حتى انتهى محدثه من كلامه وهو يؤدي بعظمة الواثق، فبادره: «هو أنت مش كنت وزير في حكومة فلان، وأنا فاكر كويس إنك ما كملتش فتم تغييرك في أول تغيير وزاري، طيب ماعملتش كيت وكيت وكل الحاجات اللي أنت بتلوم الحكومة عليها؟!» وأبدى مبارك ضيقه، بينما تبادل بعض الحضور من خارج جماعة المثقفين من شلة المنافقين السياسيين ابتسامات الرياء، وجلس الوزير السابق ويبدو وكأنه يقول يا أرض اتشقي وابلعيني خجلاً.
ثم كانت ثورة أطاحت بمبارك، وبعدها ثورة وأطاحت بمرسي، ولكن الجديد والغريب أننا بتنا أمام مجموعة كبيرة من المسئولين راوحوا مناطق الخجل والكسوف، بل وفي الكثير من الأحيان خلع بعضهم برقع الحيا، فانتشروا عبر كل وسائط الميديا بمسميات ما أكثرها.. خبير أمني أو استراتيجي أو إعلامي.. إلخ.. وزير سابق ومسئول سابق.. ومن أتحدث عنهم بالطبع هم أصحاب التجارب الفاشلة في أحسن الأحوال، ووصولاً إلى من تم إبعادهم لجرائم مهنية أو جنائية بشكل مباشر أو لمسئولية سياسية.. ثم والأغرب من كانوا من الضالعين عبر بشاعة الأداء في سقوط نظام أو الإسهام في تفعيل سبل فشله.
لا شك، أنه ومع مرور الشهور الأولى لحكم الإخوان، تابع الناس في بلادي سيادة مناخ عام يشير إلى فشل الإدارة الهائل في تحقيق أي أمارات دالة على إمكانية تحقيق تقدم ما على أي صعيد تنموي أو سياسي، وبداية تصاعد حالة من الغضب الشعبي إزاء تصريحات القيادات الإخوانية الصادرة عن مكتب الإرشاد (قصر السلطان الحاكم)، التي كشفت عن حالة من الخواء السياسي والفكري والمعرفي، التي تتصف بالتناقض فيما بينها، وتشترك جميعها في كونها معلقات لزمن الكذب والضلال والهرتلة السياسية، وبالطبع كان في قمتها خطابات «مرسي» التي رأت فيها وسائل الإعلام مادة رائعة للتندر وكشف عدم أهلية الحاكم وعشيرته بحكم مصر بعد ثورة شعبية هائلة، أما صفحات التواصل الاجتماعي بما حظيت به من فنون النكتة والتعليق الساخر، فالحكاية فاقت كل ألوان ونوعيات الكوميديا السوداء التي أبدعها ملوك وأباطرة الكوميديا المصرية، بداية بالريحاني ومروراً بالمهندس، وحتى الزعيم عادل إمام في طرافتها، وما خلفته كل حقبة من إبداعات تتعلق بأيام الضحك والألم والدم المصرية.
وعليه، فقد أدركت مجموعة محسوبة على الأهل والعشيرة في الداخل والخارج مدى حالة التردي والفشل التي بات عليها أحوال قبيلتهم، فبادروا بذكاء بالقفز من سفينة كادت توشك على الغرق.. البعض أعلن عن انشقاقه والمراقبة عن كثب، والبعض كال الاتهامات لبعض القيادات التي ضيعت الفرصة التاريخية على الجماعة بعد وصولها لسدة الحكم، وشباب شكلوا ائتلافاً لشباب الإخوان.. والجميع بشكل أو بآخر استطاعوا أن يستميلوا الفضائيات والصحف ليبيعوا البضاعة الإخوانية ومفاتيح كنوز أسرارها، كسبوبة استرزاق جهنمية بما قد يعوضهم أو يزيد عن المدد الإخواني الفياض.. وبات جميعهم يحملون لقب «إخواني سابق».. قد يلعب دور «المرشد البوليسي» أو «الوسيط الحنين» الرقيق المهذب بين الدولة والجماعة، أو دور المفكر المنظر الذي يحمل تاريخ الجماعة وأدبياتها على كاهله يبيعها جملة وبالتقسيط عبر صفقات بين تاجر وعارض للبضاعة الرائجة في زمن التخلف والتوهان!
مجموعة أخرى تحمل لقب «سابق» تخلفت من زمن الإخوان، وهم من تم شراء ألقابهم العلمية والمهنية وبعض ما أنجزوه في حياتهم العلمية وما اكتسبوه من خبرات ومعارف وعلاقات، فتم ضمهم إلى بيت السلطان، ليخدموا في بلاط عزه، الباشا مستشار والست مساعدة والبرنس وزير والبك هيشتغل في التعذيب والأمير المحرض.. قائمة هائلة من المستفيدين، وحتى بعد انهيار البيت الإخواني في الداخل ظل بعضهم بلقب «سابق»، كانوا محل رعاية التنظيم الدولي.. جماعة سكنت الجزيرة، برتب «القاضي السابق» و«المحامي السابق» و«الأستاذ الجامعي السابق» و«الصحفي والإعلامي السابق» ليمارسوا جميعاً مهنة «الكذاب الأفاق الرذيل» ليكيلوا لجيش وقضاء وإعلام مصر الاتهامات واللعنات.. أما من لم تسعده ظروفه وبخته للانضمام لقناة الخيبة وبيع الضمير على قارعة الأسفلت القطري القبيح، فقد ارتدى وشاح أي حاجة ضد الانقلاب حاملاً شارة ووسام النذالة الصفراء.
لقد أحزنني أن يقف بعض أساتذة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية على باب مبنى قبة الجامعة وهم يهتفون بحياة مرسي وجماعته الإرهابية تحت مكاتب رئيس الجامعة ونوابه، في حدث شاهد على تراجع قيم جامعة لها قرن من الزمان الحافل ببطولات معارك التنوير والريادة المعرفية والعلمية والبحثية.. يا خسارة يا جامعة أحمد لطفي السيد وطه حسين وحامد نصر أبوزيد وبطرس بطرس غالي وقداسة البابا شنودة الثالث ومحمد مصطفى مشرفة وجمال حمدان.. منكم لله يا إخوان الندامة وتشويهكم اسم أعرق جامعة مصرية.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع