بقلم: محمد زيان
الذين عرفوا النضال في القواميس السياسية لم يحددوا له ديانة ولم يذكروا خصائص بعينها يتحدد على أثرها المناضل من عدمه كاللون والجنس واالمواصفات الإثنية، حتى أن القارئ لتاريخ النضال على مر العصور يجد أن هناك مناضلين أحبهم التاريخ وأجمعت على نضالهم قوميات عديدة خارج إطار قومياتها وجنسياتها وأديانها، وهذا ما نجده في تاريخ النضال الشعبى لأمريكا اللاتينية، "تشى جيفارا" مثالاً الذى لا تزال أطياف عديدة من السياسيين تتغنى بنضاله وتحسبه في عداد المجاهدين، ومن خلال التسليم بهذه المسلمة الهامة نخلص إلى الاتفاق على المبدأ وهو أن الانحياز غير موجود في التحليل السياسي لعناصر الشخصية المناضلة.
ومن خلال المقدمة السابقة نبدأ القراءة السريعة لشخصية المناضل الراحل عدلى أبادير –إذا سلمنا بأن شروط النضال قد تحددت في شخصه– من انفاق المال، الجهد، العرق، الوقت، في سبيل قضية كان يؤمن بها أمام ربه –أيًا كان الرب الذي يعبده– وأمام قومه وعشيرته في الداخل والخارج وعلى مرأى ومسمع من العالم ولا يخشى في الله لومة لائم –على حسب طريقته في النضال-، ورغم كم الهجوم الكبير الذي لاقاه من لاعنيه ومبغضيه في مقابلة الكم الهائل أيضًا من التصفيق من محبيه ومريدية وحوارييه.
إننا حينما نتناول عناصر وأبعاد الشخصية النضالية في إطار شخصية عدلي أبادير لا بد أن نقف عند سمات عديدة نسوقها في جملة من الملاحظات الموثقة والمدعومة بالدليل على النحو التالي:
أولاً الإخلاص: فرغم أنم الكثيرين ربما يقلقهم هذا الكلام عن شخصية عدلي أبادير إلا أن الحقيقة تدفع في اتجاه الإقرار أمام الجميع بأن عنصر الإخلاص كان متوافرًا في شخصية المناضل عدلي أبادير من أجل إنصاف أهله المغلوبين والطحونين في الداخل المصري –بحسب ما جاء في العديد من طروحاته التي سوقها على الرأي العام العالمي– رغبة في النهوض بهذه الأقلية الملقاة في غياهب الجيب، ولا تزال المعاناة هي الطابع ا لغالب على أعضائها وراح في سبيل إنصافها ينفق الملايين من الدولارات لعمل المؤتمرات والحلقات النقاشية ليضع قضيته ومن منظوره على الخارطة الدولية وأمام كبار المسئولين في العالم.
العمل الدءوب: فرغم أن الرجل كان لكل يجاوز اللعمر ويتحدى الأمراض بأجهزة التنفس الصناعي والكرسى المتحرك، إلا أنه كان يعمل من أجل خدمة قضيته متحديًا كل الصعاب في سبيل إبراز الملامح العادلة لقضيته ووضعها أمام المجتمع الدولى ليضمن لقوميته وأهله الحشد الدولي المناسب لإثبات عدالة الطرح وصدق النية في السعى نحو حقوقها، ولم يكد يمل من السعى والتحرك فتجده يتحدث في زيورخ حاضرًا، وفي شيكاغو وواشنطن عبر الفيديو كونفرانس، ويجتهد في صياغة المشاريع والأوراق ويرسلها إلى الجهات الدولية الحقوقية، وتجده من ناحية أخرى قد أنفق الكثير في سبيل تسويق قضيته.
ثالثًا العناد: فرجل بلغ من الكبر عتيًا وحاصرته الأمراض العضوية بالإضافة إلى الأمراض اللمصاحبة لنضاله، لم يفت في عضده الملل وراح يعاند الطبيعة ويكتب على كل ورقة يقابلها في أي مكان ملامح قضيته وهو يعاند كل عوامل التثبيط وإضعاف العزيمة لأكثر من مكان، وقد لمست فيه العناد على المستوى الشخصي بعد أن أجريت معه حديثًا صحفيًا مصممًا وعنيدًا في الحوار إلى أبعد الحدود أن يكونوا أصدقائه، وربما تنتهى لقاءات كثيرة معه قد تكون في منزله بسبب إصراره على أنه الصح في كل الأحيان ويستمر في عناده هكذا.. وكثيرون من لمسوا هذا من أصدقائه.
رابعًا الصراحة الزائدة عن الحد: ولو تطلب الأمر استحضار الموروث الريفي من التوبيخ الذي دائمًا ما كان يقوله في صورة أمثال ريفية قديمة، وهنا يجد من يخالف عدلي أبادير في الرأي بدرجة تخالف الصواب أو يشعر أن من أمامه يداهن في تناول الحديث عن القضية –القبطية– أنه أمام منظومة من الوصف والتوبيخ على طريقته الخاصة، فقد كان لسانه متجاوزًا حدود اللياقة في أحايين كثيرة مع كل من أتعبوه في الرأي وخالفوا الحقيقة، وهنا كان يردد أمثال ريفية منها "اللي يتجوز أمي أقول له يا عمي" في وصفه للحالة المصرية، "سألوه: أنت داري ولا مطنش؟ قال: أنا دارى ومطنش"، "ياما جحش السبخ شايل"، "إكفي القدرة على فمها تطلع البنت لأمها" في وصفه للتتابع الحكومي في التعامل مع القضية القبطية، "ضربوا الأعور على عينه" في وصفه لخسارة الأقباط في الاعتداءات.. هكذا كان لديه سيل من الشتائم والردود الريفية تتدفق في وجه من يظن أنهم يقلبون الواقع أمامه.
خامسًا الإصرار: على مواصلة النضال من أجل قضيته حتى آخر نفس في حياته، ولعل هذا هو ما حدث بالفعل في حالة الراحل عدلي أبادير حتى ليعجب القارئ أن رجل بعمر القضية كان يعمل ليل نهار ويلتقي بهذا وذاك من أجل حل قضيته، ناهيك عن التحضير للمؤتمرات والأوراق للمشاركة في طرح صياغات لقضيته.
هناك الكثير من الصفات الجميلة التي عايشتها في شخصية هذا الرجل الذي لقّبه البعض بالبابا العلماني، لم يحالفني الحظ هنا لذكرها ربما لضيق المساحة من ناحية أو رغبة في عدم فتح المجال للكلام عنه بما يصاحبه شجون عند محبيه، ولكن هناك الكثير مما لم أذكره وليلتمس لي أحبائه العذر لتناول نقاط قد لا يكون من حقى الحديث عنها هنا حول هذا الرجل الذي فاضت أعين الكثيرين من الدمع حزنًا على انتقاله، ولتكن الجنة مثواه فهو حبيب في الإنسانية ولنا نفس الخصائص التي نبت منها جسده ورحل، وربما لن ينساه كل من عرفوه بخفة روحه، فوداعًا أيها الرجل.