كنا نري فيه الفيلسوف الإغريقي – سقراط أو ديوجين صاحب المصباح لا فرق - الذي يعيش وسط الناس في الأزقة والحواري، يحاورهم ويبكتهم .. ينعش وعيهم ويضحكهم .. يستفزهم ويجرحهم.. يبكيهم ويجلدهم بقفشاته (وشذراته) الساخرة، والأهم من ذلك أنه جسد بأشعاره " الفلسفة " كما ندرسها كطلاب ونفهمها حتي اليوم: إنها " الحق " و" الخير " و" الجمال ".
 

 " عم نجم " (1929 – 2013) شاعر (لا غش فيه) حارب: الظلم والشر والقبح في حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية، كمثقف ملتزم ومهموم بقضايا وطنه والعالم، ففي المستويات العليا من التجريد (والنضال) لا يمكن أن تقبل الظلم في فلسطين وترفضه في مصر، أو تتحدث عن " هوشي منه " وتنسي " جيفارا " أو " جميلة بوحريد "، أو ترفض الفتنة بين " السنة " و " الشيعة " وتشعلها بين المسيحيين والمسلمين، أو تبكي علي قتل أطفال العرب وتشمت في قتل أطفال إسرائيل، فالإنسان " واحد صحيح " لا يتجزأ وإذا ضاع " الحق " – فتأكد – انه يأخذ في يديه " الخير " و" الجمال " معا، وهذا هو حال مجتمعاتنا البائسة التي غاب عنها " الحق " و" الخير " و" الجمال "!
 

" عم نجم " كان ثائرا من طراز فريد لم يخشي " الموت " وهو يقف عاري الصدر ضد الظلم والقهر و" مدلسي الحقائق "، فقد آمن ايمانا راسخا بأن من مات شهيدا من أجل الإنسان (سيقوم حتما)، وأن الجهاد المقدس هو الجهاد من أجل (الكرامة الإنسانية) وحقوق الإنسان، ولأن جميع البشر متساوون في الكرامة‮ ‬،‮ ‬فقد أصبح الشرط الأساسي لكل إنسان كي يمتلك كرامته‮ ‬،‮ ‬هو‮: ‬اعترافه بكرامة الآخر أيضا‮ ‬،‮ ‬أيا كان هذا الآخر‮ .‬

" الكرامة " كما يقول الفيلسوف الكندي‮ ‬توماس دو كونيك‮ ‬،‮ ‬افي كتابه العلامة والمعنون ب‮ ‬الكرامة الإنسانية‮ ‬،‮ ‬الحائز علي جائزة الأكاديمية الفرنسية عام‮ ‬1996‮ ، تعني أن الإنسان فوق كل ثمن‮ . ‬فكل ما له ثمن،‮ ‬كما قال الفيلسوف الألماني‮ ‬إمانويل كانت‮ ‬،‮ ‬يمكن تغييره بشيء آخر،‮ ‬معادل له في القيمة،‮ ‬في حين أن ما يفوق أي ثمن‮ .. ‬له قيمة مطلقة‮ .
‬

و" عم نجم " أو الفاجومي سجل اسمه بأحرف من النور كشاعر وثائر وحكاء ساخر حتي النفس الأخير، لم يباع أو يشتري علي موائد الأنظمة السياسية الفاسدة وصيارف النخاسين بالعملات الصعبة، ولهذا السبب تحديدا سيظل ايقونة الثورة المتجددة.

 

dressamabdalla@yahoo.com