ضحكاتهم ملأت البيوت العربية، وقفشاتهم مازالت تردد بين الحين والآخر، ولأنهم ملوك الكوميديا في تاريخ السينما المصرية والعربية، استطاعوا بموهبتهم الفريدة أن يرسموا البسمة على كل شفاه، فحُفرت أسمائهم داخل القلوب .
ولكن كما قال شارلي شابلن: "لقد أضحكت العالم ولم أعش يومًا سعيدًا» فالصورة ليست دائمًا كما نراها من الخارج، فالواقع مؤلمًا، والنهاية غير متوقعة، فالنجومية والشهرة لم تمنع القدر من الوصول إلى هؤلاء، فهزمهم الفقر والعوز ولم ينظر إليهم أحد .
الجمهور العريض، والأعمال الناجحة، والتاريخ الطويل، لم يصاحب ملك الكوميديا الفنان إسماعيل ياسين للنهاية، بل كشر القدر عن أنيابه ليخلف له نهاية مأساوية بطلها الفقر والحاجة وابتعاد الأضواء .
"أبوضحكة جنان" عاش حزينًا وخاصة في آخر أيامه عندما انحسرت عنه الأضواء، ولأنه لم يعد يقدم أعمالًا تراكمت الضرائب عليه ، وأصبح مطالبًا بالديون، وتم الحجز على العمارة التي بناها بكفاح عمره، وحل فرقته المسرحية، وسافر إلى لبنان ليقدم المونولوج مجددًا، وقبل أعمال لا تليق بمكانته ،إسماعيل عاد إلى مصر بعد ذلك يقتله اليأس، وانزوى وابتعد عن الجميع، حتى وافته المنية عام 1972 .
بساطة الفنانة الكوميدية زينات صدقي جعلتها تدخل القلوب دون استئذان، فتلقائيتها هزت المشاعر، فأعطت لفنها الكثير، فصدقها الجمهور، لتصبح ورقة الكوميديا الرابحة .
زينات التي أضحكت الملايين لم تجد أحدًا بجانبها عندما انزوت عنها الأضواء، في بداية الستينات، حتى وصل بها الأمر لبيع أثاث بيتها لتحصل على الطعام . أصدقاء زينات خذلوها ولكنها لم تشكو، ولم تذهب إلى أحد طلبًا للمساعدة، بل ظلت وحدها في شقتها، ورغم أن بعض المقربين منها اقترحوا عليها طلب المساعدة من الرئيس أنور السادات إلا أنها أبت، ولم تقبل كرامتها ذلك، وظلت تعاني المرض والفقر وحدها حتى وفاتها عام 1978
إستيفان روستي، ابن البارون النمساوي، الذي أجاد دور الشرير الظريف فأحبه الجمهور .
لم يبتسم الحظ طويلًا لروستي، حيث انحصرت عنه الأدوار في آخر عمره، وتوفى عام 1964، ولم يكن يملك سوى 7 جنيهات، فجمع له الناس مصاريف الجنازة .
لا يستطيع الجمهور أن ينسى «عاطف» في مسرحية «العيال كبرت»، فالفنان الراحل يونس شلبي ترك بصمته واستطاع وبشهادة الكبار أن يثبت موهبته الكوميدية من خلال هذا الدور وأن يضع لنفسه مكانة خاصة وسط نجوم الكوميديا .
يونس تميز بأسلوب خاص، فأحب الجمهور ابتسامته وروحه الطفولية، التي جعلت الصغار يعشقونه قبل الكبارورغم موهبة الفنان الراحل إلا أن الحظ لم يواتيه كثيرًا، فقبل سنوات من رحيله اقتصرت أعماله على أدوار صغيره، حتى المسرح أصبح له نجوم وأدار ظهره له، فظل على فراش المرض يعاني تجاهل الزملاء والمسئولين بعد أن باع آخر ما يملك لينفق على مصاريف علاجه، حتى وفاته علم 2007
قامته القصيرة وقفشاته المتميزة، جعلته من أشهر فنانين الكوميديا في مصر، إنه الفنان الراحل عبدالفتاح القصري، الذي لا يتوقع من يرى ابتسامته الدائمة أنه انتهى فقيرًا دون رفيق .
نهاية القصري كانت مأساوية للغاية فبينما وهو يؤدي دورا في إحدى المسرحيات مع الفنان «إسماعيل ياسين» أصيب بالعمى المفاجئ وظن الجمهور وقتها أن هذا الأمر ضمن أحداث المسرحية فزاد الضحك ولكن إسماعيل أدرك حقيقة الأمر فسحبه إلى كواليس المسرح .
إصابة القصري جعلت زوجته الرابعة التي كانت تصغره بسنوات تتركه، وتزوجت بعدها من صبي كان الفنان الراحل يعتبره ابنه، وجعلته يوقع على بيع كل ممتلكاته لها، فسكن في غرفة تحت بير السلم، وعانى من فقدان الذاكرة حتى وفاته عام 1964.
لم يتعمد الفنان الراحل عبدالسلام النابلسي أن يأخذ الخط الكوميدي، بل عرفه الجمهور أرستقراطيًا مترفعًا، صاحب الكبرياء الذي رافقه في كل أفلامه .
طريقة النابلسي جعلت الجمهور يضحك رغم أنه لم يسعى لذلك، فتميز بطريقته، ورغم نجاحه المستمر إلا أن المرض فاجأه، فحرص النابلسي على إخفائه حتى لا يعزف المخرجون عنه، ولم يخبر أحدًا، حتى صديقه المقرب فريد الأطرش .
ولم يكن المرض فقط رفيق الفنان في نهاية حياته، بل جاء الفقر ليقضي عليه بعد أن أعلن بنك «إنترا»، الذي كان يضع فيه أمواله إفلاسه، فازدادت حالته سوءًا حتى وفاته عام 1968.