الأقباط متحدون - الحكم الديني والوظائف السياسية للدين
أخر تحديث ١٣:٥١ | الجمعة ٢٩ نوفمبر ٢٠١٣ | هاتور ١٧٣٠ ش ٢٠ | العدد ٣٠٢٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الحكم الديني والوظائف السياسية للدين

كتب : مؤمن سلام

يقع الكثير من الباحثين في علاقة الدين بالسياسة في خلط متكرر بين الحكم الديني والوظيفة السياسية للدين. التوظيف السياسي للدين يعنى أن يصبح الدين أداة يستخدمها صاحب القرار السياسي في إدارته لشئون الدولة وتحقيق مصالحها الداخلية والخارجية مثله مثل الأداة الاقتصادية والقوة العسكرية والفنون والآداب والثقافة، حيث يمكن اعتبار الدين جزء من هذه الأداة الثقافية. أما الحكم الديني أو الثيوقراطية اى أن الدولة يحكمها الإله وليس البشر مما يجعلها غير قابلة للخطأ أو الانحراف فهي معصومة لا تخطأ ولا تنحرف ولا تفسد. أو قد تعنى أن رئيس الطائفة أو الديانة هو نفسه رئيس الدولة كما هو الحال فى الفاتيكان أو الخلافة الإسلامية. ولكن فى الأغلب تقوم الدولة الدينية على أن حاكم الدولة يقيم سياسته على التوجيهات الدينية والمستشارين الدينين وفى بعض الحالات يعتبر الحاكم نفسه مبعوث العناية الإلهية لحكم البشر. ويمكن باختصار القول أن الوظيفة السياسية للدين تعنى أن يكون الدين ورجالة تابعين للسلطة السياسية ويقوم الدين بخدمة الأهداف السياسية، أم في الحكم الديني فتكون السلطة السياسية تابعة للدين ورجالة، وتتوحد الأهداف السياسية بالأهداف الدينية.
وإذا كان هناك اتفاق بين معظم الأمم على رفض الحكم الديني لما يؤدى إلية من كوارث يمكن اختصارها في وصف الدولة الدينية بأنها "حكومة مستبدة وشعب منافق". حيث يحتكر الحاكم الدين ويتحدث باسم الإله فمن اعترض على قراراته أو سياساته فقد اعترض على الرب وبالتالي أصبح مستحق للعقاب الذي يبدأ بالسجن وقد ينتهي بالقتل. أيضا، هذا الاستبداد الديني يحول الشعوب الخاضعة له إلى مجموعة من المنافقين الذين ليس فقط يخافون الإفصاح عن أرائهم السياسية كما هو الحال في حالة الاستبداد العلماني، ولكن أيضا يخافون الإفصاح عن عقائدهم ومذاهبهم وممارستهم الحياتية حيث تختفي الحريات الشخصية جنبا إلى جنب مع الحريات العامة.
يظل الاختلاف بين الساسة العلمانيين حول الوظائف السياسية للدين، بمعنى هل يجب استخدام الدين كأداة سياسية مثلها مثل الاقتصاد والفن والقوة العسكرية لتحقيق أهداف سياسية، أم يجب عزل الدين تماما عن الأمور السياسية حتى لو كان الاستخدام السياسي للدين يمكن أن يحقق مكاسب للسلطة السياسية، أو الحزب، أو الدولة؟
للإجابة على هذا السؤال أرى أنه يجب الفصل بين الوظيفة السياسية للدين في السياسة الخارجية للدولة والوظيفة السياسية للدين فيما يتعلق بالسياسات الداخلية.
الوظيفة السياسية للدين في السياسة الخارجية
تلجأ الدولة لمجموعة من الأدوات لمد نفوذها في محيطها الإقليمي لأغراض الأمن القومي أو لتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية على مستوى الإقليم والعالم. تتنوع هذه الأدوات ما بين دعم اقتصادي وعلمي وتكنولوجي وسياسي وعسكري، وتصدير الفنون والآداب، إلى الحفاظ على قوات مسلحة قوية ومتطورة تلوح بها لكل من يحاول المساس بالأمن القومي للدولة، فتكون الدول بين رجاء وطمع الدعم بمختلف أنواعه والخوف من القوة العسكرية للدولة. هنا قد يكون للدين دور في تقوية نفوذ الدولة داخل الدول الأخرى من خلال التمتع بمكانة دينية معينة لدى شعوب الدول الأخرى. فدولة مثل مصر يمكن أن تستخدم المكانة الدينية للأزهر لدى الشعوب الأفريقية والآسيوية لتقوية نفوذها لدى هذه الدول، كذلك ما للكنيسة المصرية من احترام لدى دول أفريقيا وأوربا يمكن أن يعضد موقفها في كثير من مواقف السياسة الدولية.
من ناحية أخرى يمكن استخدام الدين في إطار الصراع مع دول خارجية لرفع الروح المعنوية في الداخل وتشكيل حائط صد معنوي لأي دعاية أو حرب نفسية يمارسها العدو ضد الدولة. فقد تم استخدام عنصر الدين منذ اللحظة الأولى في الصراع مع إسرائيل باعتباره صراع ديني ضد اليهود الذين حاولوا اغتيال النبي وأنهم اشد الناس عداوة للمسلمين والذين تسببوا في صلب المسيح، ما حفز المشاعر الدينية لمعظم المصريين ضد دولة إسرائيل باعتبارها دولة يهودية. كذلك تم استخدام الدين كوسيلة لمنع انتشار الشيوعية في كثير من دول العالم سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في الولايات المتحدة باعتبار أن الشيوعية إلحاد وعدو للأديان، ما شكل جدار نفسي بين المواطنين وبين الشيوعية.
قد يكون لاستخدام الدين في تقوية نفوذ الدولة في المجتمع الدولي وتحقيق مصالح سياسية واقتصادية دولية وحماية الأمن القومي الكثير من الإيجابيات ما يجعل من الصعب معارضة هذا الدور للدين. ولكن بالنظر إلى الوظيفة الثانية المتعلقة باستخدام الدين في الصراعات الدولية، فهناك مشكلة كبرى تتعلق بالمواطنين الذين قد ينتمون إلى ديانة أو أفكار تقوم الدولة بمحاربتها ما يعرضهم للتمييز وفقدان حقوقهم كمواطنين. فقد خسر اليهود المصريين كثيرا بفعل الصراع مع إسرائيل وكذلك تعرض الشيوعيون لكثير من الاضطهاد والتنكيل ولم يتعاطف معهم أحد كما تعاطفوا مع جماعات الإسلام السياسي عندما تعرضت للاضطهاد، بل ربما رحب الكثيرين بالتنكيل بهم باعتبارهم من الكفار. ولذلك قد تكون هذه الوظيفة السياسية للدين شديدة الخطورة على المجتمع الواحد.
الوظيفة السياسية للدين في السياسة
قد تقوم السلطة بتوظيف الدين سياسيا في مراحل معينه من حياتها ولكن بطرق مختلفة بحسب الظرف التاريخي والسياسي وذلك عن طريق اختيار أحد التأويلات الدينية التى تناسب المرحلة. فالدين أي دين حمال أوجه ويحتمل الكثير من التأويلات والتفسيرات نتيجة طبيعة النص الديني الذي غالبا ما يأتي في عبارات فضفاضة يمكن تفسيرها بطرق شتى دون الخروج على روح النص أو تعطيل له.
فالدول التى تكون في مرحلة انتقالية وتريد الانتقال من وضع قديم راكد إلى وضع جديد أكثر تقدما غالبا ما تستخدم التفسيرات الليبرالية للدين. وهى تفسيرات تعطى للعقل دور أكبر، كما أنها تجعل من الدين قوة إدماج للمجتمع بالتركيز على قيم التسامح وقبول الأخر والتعايش والأخوة في الوطن. كما أن هذه التفسيرات تعطي تبريرات دينية للسياسات الجديدة التى يتبعها النظام الحاكم، فترى على سبيل المثال مصطلحات الاشتراكية الإسلامية، والليبرالية الإسلامية، والديمقراطية في الإسلام، كل ذلك بحسب اختيار الحاكم والطريق الذي يريد أن يسير فيه. كذلك تعمل السلطة في هذه المرحلة التغيرية على طرح نفسها كبديل عقلاني وسطي للطرح الديني الأصولي المتشدد، الذي غالبا ما يعارض هذه التغيرات، بحيث تسحب البساط من تحت أقدامها وتصبح معارضتها لهذه التغيرات غير ذات فاعلية أو تأثير على الجماهير.
من ناحية أخرى، قد تسعى السلطة القائمة في الدولة للحفاظ على الأوضاع الراهنة داخل الدولة ومقاومة أي محاولة للتغيير. خاصة عندما تكون هذه الأوضاع بائسة وتعانى السلطة من فشل اقتصادي وسياسي يجعلها تفقد شرعيتها بعد أن فشلت في تحقيق أي إنجاز. هنا يتم توظيف الدين في عملية خطيرة تسعى بها السلطة إلى تفتيت المجتمع لضمان عدم توحده في مواجهتها. في هذه الحالة تستخدم الدولة التفسيرات المتشددة للدين، وتنافس القوى الأصولية في المجتمع على لقب المتحدث الرسمي باسم الدين. في هذه المرحلة تتبنى الدولة خطاب طائفي بهدف استمالة أغلبية السكان التى تدين بدين السلطة، وتعمل على إظهار الطوائف الأخرى بمظهر المتآمر على دين الأغلبية الراغبة في تدميره والمتعاونة مع دول أخرى من أجل هذا الهدف. كذلك يتم توجيه تهم مماثلة للعلمانيين وكل من يتبنى تفسيرات ليبرالية للدين، بإلصاق نفس تهم التآمر مع الدول الأجنبية والتحالف مع الأديان الأخرى داخل المجتمع من أجل القضاء على دين الأغلبية. هنا يصبح المجتمع في خطر شديد قد ينفجر في أي لحظة ليدخل البلاد في صراع طائفي قد يتطور إلى حرب أهلية تقضى على الدولة. ولعل من المهم هنا أن نشير أن كل حاكم استخدم الدين كقوة لتفتيت المجتمع، ونافس الأصوليات على استخدام التفسيرات الدينية المتشددة انتهى به الأمر بالخسارة وفقدان منصبه وحياته على يد المجموعات الأصولية لدينة، أو المجموعات الأصولية للأديان الأخرى التى تظهر كرد فعل على السياسات الطائفية للحاكم.
ومن هنا نرى أن ليس فقط الحكم الديني هو ما يمثل خطر على المجتمع، ولكن أيضا التوظيف السياسي للدين حتى وان بدا في بعض الأوقات أنه يحقق بعض المكاسب للدولة، فهو يمثل خطر شديد أيضا. ففي اللحظة التى يحقق فيها فوائد للدولة فقد يكون يزرع بذور الفتنة ويضع ألغام تحت أقدام الدولة لتفجر في أي لحظة.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter