بقلم : د.أحمد الخميسي. كاتب مصري
لا حكومة الببلاوي من هذا الشعب، ولا هي تعرف قدره. هي ذاتها حكومة مبارك لكن من دون أولاد للتوريث، وهي ذاتها حكومة الإخوان لكن من دون سبحة وبسملة، هي ذاتها الحكومة بالبرنامج ذاته : تجويع الشعب واستمرار إغراقه في ظلمة الجهل وضرواة البؤس. وقد أكدت ذلك بكل وزرائها من " الثوريين" الذين خرجوا من الشارع إلي كراسي الوزارة، ومن الدكاترة الموقرين، ومن البيروقراطيين. هي ذاتها حكومة مبارك والإخوان حين ضم تشكيلها محمد إبراهيم وزيرا للداخلية وكان وزيرا للداخلية عهد محمد مرسي، وضم تشكيلها الدميري وزير كوارث النقل عهد مبارك، وترأسها الببلاوى صاحب المقال الشهير " أريد أن أنتخب جمال مبارك " المنشور في سبتمبر 2010. هي الحكومة ذاتها المشبعة بنظرة الاحتقار للشعب المصري وازدرائه والاثراء على حسابه، حتى أنها لاتخجل من أن لديها مستشارين يتقاضون نحو عشرين مليار جنيه سنويا من دون أن يفعلوا شيئا، بينما يكفي هذا المبلغ لصيانة السكك الحديدية التي تلتهم أعمار المصريين. هي ذاتها الحكومة التي لا تفكر في فعل شيء أي شيء لمحو الأمية، أو مجرد تقريب الفوارق المرعبة في الدخول، أو التصنيع، أو استنهاض الزراعة، أو رفع مستوى التعليم. هي ذاتها الحكومة التي تتبع سياسة مبارك والإخوان في اغراق مصر في القروض، وتكبيلها بالدين. هي ذاتها القلة القليلة التي لا يعنيها سوى أحجام أطباق اللحم التي يتناولها أبناؤها في الغداء، والشواطيء التي يهنئون في بحورها، والفيلات الفاخرة، والسفريات المريحة. هي ذاتها من دون أولاد للتوريث ومن دون سبحة وبسملة. وقد يقبل الشعب المصري الجوع الذي اعتاده على مدى كل العصور، والعوز الذي طحنه على مدى سبعة آلاف سنة، لكن هل يقبل أيضا الإهانة الروحية العميقة؟ حين ينظر إليه مجموعة من اللصوص بقمصان أنيقة على أنه مجرد قطيع يساق بالعصا؟
من أنتم لتصدروا قانون التظاهر الاجرامي هذا؟ من أنتم؟ مماليك عصور الانهيار؟ لصوصه؟ ثم تتجرأون على النظر إلي الشعب بهذه الوقاحة ؟ على أن الشعب قطيع يفهم بالنخس والضرب وتحددون بأية جرعات من الضرب يمكن تلقين الشعب درسا؟ فتصدرون قانون التظاهر وتدرجون فيه أن التعامل مع القطيع يكون كالتالي : استخدام خراطيم المياه- ثم الغازات المسيلة للدموع، ثم العصي والهروات. هذه الحثالة من القلة الحاكمة تتجرأ على إهانة الشعب بتعيين كيف ينبغي ضربه؟. ويمضي القانون إلي أنه في حال لم تجد هذه الوسائل يتم استخدام : الطلقات التحذيرية ثم قنابل الدخان ثم الخرطوش المطاطي ثم غير المطاطي. من أنتم لتتعاملوا مع الشعب صانع الحضارات والفنون على أنه قطيع من الخراف؟. وفقا لقانون التظاهر ( قانون مبارك- مرسي- عدلي منصور) يحق لوزير الداخلية منع أية مظاهرة " في حال حصوله على معلومات أو دلائل على وجود ما يهدد السلم".
ما مدى صدقية المعلومات التي سيحصل عليها الوزير؟ من أين؟ كلها أمور خاضعة لتقدير معالي الوزير. وبذلك يحق للحكومة والداخلية منع أية مظاهرة أو اجتماع أو موكب بدعوى أن لدي الوزير دلائل! هكذا سحبت الحكومة بقانون التظاهر رقم 107 لسنة 2013 حق الشعب في الاحتجاج بعد انتفاضتين. كتاب الحكومة يقولون المهم اتساق القانون مع القوانين الدولية! كأن القوانين الدولية ليست فاشية! كأن كل همنا أن نكون في الطغيان كالدول الأخرى! البعض الآخر يتصور أن قانون التظاهر يرمي لمواجهة الإخوان ومن ثم يمكن تمريره، لكن الإخوان قلة ، والشعب هو الذي سيبقى ليعاني من آثار القانون، وجوهره الحقيقي إخماد ومواجهة كل حركات الاحتجاج الشعبي. علاوة على ذلك فإن صدور هذا القانون مؤشر بالغ الخطورة على مستقبل الحريات العامة في مصر السياسية والنقابية والثقافية وغيرها. صدور قانون كهذا إهانة بالغة لشعور الشعب المصري بكرامته، وعزة نفسه، وتاريخه، وثقافته. ليست سوى مجموعة من حثالة اللصوص تلك التي تتصور أن الشعب قطيع من الخراف لا يفهم ولا يتعظ إلا بالعصا، ثم تلتقي تلك الحثالة لتحدد وفق أي جدول وترتيب وبأية جرعات ينبغي ضرب الشعب.
على عصابة الجلادين الحاكمة أن ترحل. لستم أبناء هذا الوطن ولا أنتم تعرفون قدره.