الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠١٣ -
٥٨:
٠٦ ص +02:00 EET
فاروق عطية
نجح الإسكندر المقدوني في هزيمة الفرس في آسيا الصغرىكما نجح في طردهم من مصر 333 ق.م. وواصل فتوحاته حتى الهند مستعينا بفريق بحري وطواقم استكشافية مصرية،وقد توج الإسكندر نفسه ملكا على نهج الفراعنة ووضع أساس مدينة الإسكندرية، ثم حج إلى معبد آمون في واحة سيوةالذي كان يتمتع بشهرة عالمية واسعة في ذلك الوقت•حكم البطالمة مصر وهم السلالة التي انحدرت من بطليموس أحد قادة الإسكندر المقربين منذ 333 حتى 30 ق.م، حيث تولى حكم مصر 15 ملكا بطلميا، وقد ظلت دولة البطالمة قوية في عهد ملوكها الأوائل ثم حل بها الضعف نتيجة لضعف ملوكها• واستغل الرومان الموقف وتأثر استقلال مصر حيث سعت روما لبسط نفوذها على مصر وقضت على البطالمة سنه 30 ق.م. أيام حكم الملكة كليوباترا السابعة التي كانت آخر ملوكهم.
وقد قامت بالإسكندرية حضارة إغريقية مصرية عظيمة أهمها:
- جامعة الإسكندرية (القديمة) التي أنشأها البطالمة ويرجع الفضل إلى علماء جامعة الإسكندرية في التوصل إلى حقائق علمية عن دوران الأرض حول الشمس وتقدير محيط الكرة الأرضية، واشتهرت الجامعة بدراسة الطب خاصة التشريح والجراحة ومن أشهر العلماء في جامعة الإسكندرية إقليدس عالم الهندسة، و"بطليموس" الجغرافيومانيتون المؤرخ المصري•
- مكتبة الإسكندرية وأثرها الثقافي: أنشأ البطالمة في الإسكندرية مكتبة ضخمة كانت تعد أعظم مكتبة في العالم احتوت على أكثر من نصف مليون لفافة بردى، وقد أمر البطالمة أن يهدي كل زائر من العلماء مدينة الإسكندرية نسخة من مؤلفاته وبذلك وصل عدد الكتب بالمكتبة أكثر من 700 ألف كتاب• وقد أحرقت تمتما على يد عمرو بن العاص يعد فتح مصر.
- عمل البطالمة على احترام ديانة المصريين وقدموا القرابين للمعبودات المصرية، وشيدوا لها المعابد مثل معبد إدفوومعبد دندرةومعابد فيلةبأسوان، وكان البطالمة يظهرون في الحفلات الرسمية بزى الفراعنة.
- ضم بطليموس الأول إلى مصر عدد من الملحقات وهي برقة، جنوب سوريا، فينقيا، فلسطين وقبرص.
وإزاء الأحوال السيئة التي عمت البلاد في عهد بطليموس الثامن الذي كان عصره عامر بالنزاع الأسري الاضطرابات، اضطرت الحكومة إلى منح بعض الامتيازات لفئات مختلفة من سكان البلاد (الكهنة والجنود وملاك الأراضي الذين أقبلوا على استصلاح الأراضي المهجورة) لكن هذه الامتيازات وإن كانت قد عدلت النظام الاقتصادي الذي وضعه البطالمة الأوائل بتخفيف إشراف الحكومة على نشاط الأفراد الاقتصادي، فإنها لم تسطع وقف تيارالتدهور والتدني المعيشي، لذلك استمروا في تذمرهم ويتطلعون إلى القيام بثورة جديدة.وعلى الرغم من أنه اقتفى أثر إسلافه وأصدر في بداية حكمه (عام 145/144ق.م) قرار عفو فإن السكينة لم تستتب في البلاد، إذ تتحدث الوثائق عن مقاومة رجال الشرطة في الفيوم في خلال عام 143 ق.م. لنشاط جماعات المزارعين الهاربين من أراضيهم. وكان ذلك نتيجة طبيعة لبقاء نقائص نظام الحكم واستفحالها، مما حدا بالكهنة للشكوى وانتهاز الفرصة لتأييد حقوق يبدو أن بطليموس الثامن كان قد منحهم أباها في بداية حكمه، واستجابة لشكواهم أصدر في عام 140/139 قرارا جديدًا وجهه لجميع موظفي الإدارة وعمال المالية. وقد جاء فيه أنه وفقًا لقراره السابق الخاص بالمعابد يجب عدم المساس بموارد المعابد، ويختص فقطمن عينهم الكهنة القيام بهذا الغرض، ويجب إرغام المتقاعسين على أداء التزاماتهم المستحقة عليهم للمعابد بانتظام، وذلك لكي يحصل الكهنة على كل مواردهم كاملة ولا يعوقهم شيء عن القيام بواجباتهم الدينية، ويعد هذا دليلاً على أن الحكومة لم تعد على الأقل رسميًا منذ حواليمنتصف القرن الثاني تدير أراضي المعابد، وهذا فوز كبير للكهنة لم يفلحوا في استخلاصه من براثن البطالمة إلا نتيجة لتقلقل مركزهم وضعف سلطانهم. وفي عام 131 ق.م. أعطت الإسكندرية شارة البدء بالثورة، ففي ذلك العام أرغمت كليوبترا الثانية وأنصارها الملك على الهرب من الإسكندرية، فالتجأ إلى قبرص لكن غيبته عن مصر لم تزد على بضعة شهور وإن كان لم يفلح في استرداد الإسكندرية ذاتها قبل أغسطس عام 127 ق.م. ونتيجة لذلك انقسمت مصر لفريقين، كان يؤيد كليوبترا الثانية الإسكندرية أو على الأقل الجانب الأكبر من الإغريق وكذلك اليهود وجانب من الجيش، وكان يؤيد بطليموس الثامن بقية الجيش وغالبية المصريين بزعامة الكهنة، وأن هذه الحرب الأهلية كانت مزيجًا من النزاع الأسري والثورة القومية، وعمت البلاد فوضى عنيفة أمعن القدماء في وصف فظائعها وأهوالها. وعلى كل حال يبدو أن المصريين انتهزوا فرصة ضعف الحكومة للإعراب عن مشاعرهم المكبوتة إزاء ما كانوا يعانونه من الإرهاق والظلم
وبينما اتخذ غضب المصريين في الوجه البحري ومصر الوسطى شكل الأضراب عن العمل، اتخذ في مصر العليا شكل قتال بين المدن والقرى بعضها مع بعض، فقد كانت بعضها، مثل باثيريس (الجبلين) وطيبة، لا تعترف إلا ببطليموس الثامن ملكًا شرعيًا، ومن ثم فإن هذه المدن كانت تؤرخ وثائقها بسني حكم هذا الملك.
وكانت بعصها، مثل هرمونثيس (أرمنت)، لا تعترف إلا بكيلوبترا الثانية، فكانت لا تستخدم إلا سني حكم هذه الملكة. ويحدثنا خطاب كتبه في 23 كيهك عام 40 (15 يناير عام 130 ق.م.) جندي إغريقي يدعى اسثلاداس (Esthladas) بأنه كان على وشك الزحف مع فريق من الجنود الموالين لبطليموس الثامن ضد مدينة هرمونثيس المناصرة لكليوبترا الثانية، وبأنه قد وصلت أنباء تفيد بأن باوس قادم في الشهر التالي "على رأس قوات كافية لإخضاع أهل هرمونثيس ومعاملتهم معاملة الثوار". ومما يجدر بالملاحظة أن باوس كان الحاكم العام في منطقة طيبة، وأن اسمه يدل على أنه كان مصريًا، وهذا مثل آخر لمصري تولى منصبًا كبيرًا في عهد البطالمة الأواخر.ولم تؤد عودة بطليموس الثامن إلى الإسكندرية في عام 127، ولا عقد الصلح بينه وبين كليوبترا الثانية في عام 124 إلى انتهاء الثورات في البلاد فاستمرت حملاتبطليموس الثامن على الأقاليم في عامي 127و 126 ق.م.، وعن وقوع حرب بين هرمونثيس وجارتها كروكديلوبوليس (الود قرب أسنا) في عام 123 ق.م. وعن وقوع اضطرابات في مديرية طيبة خلال عام 122/121، وعن حدوث قلاقل في بانوبوليسبعد ذلك. وقد كانت هذه القلاقل خطيرة إلى حد أن هذه المدينة استثنيت من العفو الصادر في عام 118 ق.م.
ثار المصريينعلىالبطالمةلأنهم قسموا سكان البلاد لفئتين، فئة عليا تتمتع بامتيازات سياسية واجتماعية واقتصادية ويتكون أغلب أفرادها من الأجانبالذين يتكلمون الإغريقية ويعبدون آلهتهم ويخضعون لقوانين تتمشى مع تقاليدهم وعاداتهم ومنهم كانت تتألف أغلب قوات البطالمة وأداره الحكومية، التي لم تكتف بتطبيق ما وضعه البطالمة من نظم جائرة فرضت على المصريين أثقل التبعات بل استغلت سلطتها لإشباع أطماعها وشهواتها. أما الفئة الأخرى فهي غالبية الأهالي الذين حرموا من أرفع المناصب وخيرات بلادهم وقُيدت حريتهم الاقتصادية واستغلوا إلى أقصى حد. ولم يكن كل ذلك لفائدة الوطن، بل لفائدة ملوك أجانب وجنس غريب عن البلاد في اللغة والدين والتقاليد والعادات، مما أدى لضيق المصريين واحتجاجاتهم، لكن احتجاجاتهم لم تتخذ شكلاً خطيرًا إلا عند ما استعادوا ثقتهم بأنفسهم. وبمكن إجمال أسباب هذه الثورات بأنها مزيجً من العوامل القومية والدينية والاجتماعية والاقتصادية.
ويرجع فشل هذهالثورات إلى سببين رئيسيين وهما: (أولاً) بالرغم من كثرة عدد الثوار فإنهم افتقروا إلى النظام والعتاد والمال الذي امتازت به قوات البطالمة. (ثانيًا) عدم اتحاد المصريين فإن فريقًا مهماً منهم بدلاً من أن يشتركوا في مناهضة الحكم الأجنبي الجائر اشتركوا في مناهضة مواطنيهم أو على الأقل وقفوا منهم موقفًا سلبيًا، وذلك إشباعًا للأحقاد الشخصية وسعيًا وراء مصالحهم المادية فكانوا بذلك مطية للأجنبي وجزءً من أداة تنفيذ سياسته الاستعمارية. ويبدو أن البطالمة قد استخدموا سياسة إفساد الأخلاق التي درج عليها المغتصبون الأجانب دوامًا، فقد استغل البطالمة العداء القديم بين كهنة آمون وكهنة الآلهة الأخرى، وشفعوا ذلك بما أجزلوه لرجال الدين بوجه عام من العطايا والامتيازات والحقوق فيما عدا كهنة آمون الذين ناصبوهم عداء شديد إلى أن قضى بطليموسالتاسع على طيبة معقل عبادة آمون، كمانجحوا في كسب ود جانب من المصريين المتأغرقين بمنحهم الأراضي والمناصب، وجانب من المحاربين المصريين بما منحوهم من الإقطاعات والمركز الممتاز.
.