الأقباط متحدون - هل حقاً المالكي هو سبب الإرهاب السعودي في العراق؟
أخر تحديث ٠٣:٢٥ | الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠١٣ | هاتور ١٧٣٠ ش ١٧ | العدد ٣٠٢٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

هل حقاً المالكي هو سبب الإرهاب السعودي في العراق؟

د.عبدالخالق حسين
 
هناك مبدأ خطير وهو (عدو عدوي صديقي)، والخطورة تأتي من كون هذه الصداقة مؤقتة، فكل طرف يوظّف الآخر لأغراضه سرعان ما تتحول إلى عداء بعد التخلص من العدو المشترك. وللأسف الشديد، وبسبب المنافسة الشرسة على السلطة والنفوذ، هناك كيانات سياسية عراقية تعمل وفق هذا المبدأ بقوة حتى مع حكومات أجنبية إلى حد التهديد بسلامة الشعب والوطن. لم نستغرب إذا تبنت كتلة "العراقية"هذا المبدأ في تقوية علاقتها مع ألد أعداء الشعب العراقي مثل السعودية وقطر مقابل الدعم السياسي والإعلامي والمالي، رغم صدور تصريحات لمسؤولين أمريكيين كبار يؤكدون فيها أن السعودية تدعم الإرهاب في العراق وتشن حرباً طائفية في المنطقة. ولكن من الغرابة أن يقوم كيان سياسي شيعي مثل التيار الصدري بالدفاع عن موقف السعودية التخريبي في العراق ويحمِّل المسؤولية على رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي. 
 
تقول الحكمة: "يفعل الجاهل بنفسه كما يفعل العدو بعدوه". وها هو التيار الصدري بتزلفه للسعودية يفعل بنفسه وبالعراق ما يفعل العدو بعدوه. فالكل يعرف ما ارتكبه حكم البعث الصدامي من جرائم بحق الشعب العراقي، وقد نال آل الصدر الكثير من قتل وتعذيب وتشريد. ولكن المفارقة أنه عندما أسقطت أمريكا هذا النظام الجائر كان مقتدى الصدر أول من يقود تياره ومليشياته (جيش المهدي) لمحاربة القوات الأمريكية وزعزعة النظام العراقي الجديد. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل راحت مليشياته تنشر الرعب بين الناس في المحافظات الوسطى والجنوبية، وخاصة البصرة بفرض حكم الشريعة عليهم ومحاربة المسيحيين والصابئة، وفرض الحجاب على النساء وحتى على غير المسلمات، وتفجير محلات بيع الخمور وأقراص الموسيقى والغناء، ودور السينما وغيرها من أماكن الترفيه.. وفرض المحاكم الشرعية فحوَّل حياة الناس إلى جحيم، الأمر الذي دعى رئيس الوزراء السيد نوري المالكي للقيام بحملة (صولة الفرسان) ضد جيش المهدي في البصرة ومدينة الثورة (الصدر) عام 2008 فألحق بهم الهزيمة وأنقذ الناس من شرورهم، فتنفس الناس الصعداء وبذلك ارتفعت شعبية المالكي. 
 
إن تقليم المالكي لمخالب مليشيات التيار الصدري هو سبب حقد نواب هذا التيار عليه بالرغم من أنهم ضمن كتلته (التحالف الوطني). وقد بلغ بهم الحقد إلى حد أنهم راحوا يدافعون عن النظام السعودي الوهابي الذي بدأ بحملة إثارة الفتنة الطائفية في العراق قبل إسقاط حكم البعث، ومنذ التحرير راح يرسل الإرهابيين والانتحاريين لقتل العراقيين بحجة تهميش السنة العرب، والغرض هو إفشال العملية السياسية ووأد الديمقراطية. 
 
ورغم الحقائق التي يعرفها القاصي والداني عن دور السعودية في الإرهاب، والتي اعترف بها حتى المسؤولون الأمريكيون، طلع علينا السيد بهاء الأعرجي، رئيس كتلة الأحرار (التيار الصدري) البرلمانية، ليقول في لقاء تلفزيوني في (قناة السومرية) ان المالكي يتحمل مسؤولية ما تفعله القيادة السعودية بالعراق من تفجيرات واغتيالات وقتل وتخريب، لأنه لم يتصل بالسعودية ولم يرسل لهم مبعوثين ليشرح لهم توجه العراق وقيادة العراق!!. طبعا تناسى السيد الأعرجي ان للصدريين علاقات وثيقة مع السعودية، وسبق ان التقى مقتدى الصدر بملك السعودية والحكومة السعودية، وهو الزعيم الشيعي العراقي الوحيد الذي تستقبله السعودية كرجل دولة، لا لشيء إلا لأن وجدتْ فيه الشخص المناسب ليقوم بدور حصان طروادة لضرب الوحدة الوطنية والعملية السياسية وتمزيق التحالف الوطني. كما وأكد الأعرجي متباهياً ان الصدريين سيلتقون قريبا بالقيادة السعودية.
 
لا نريد الدفاع عن الحكومة العراقية، فالتيار الصدري جزء منها ولهم فيها أكثر من خمس وزارات خدمية، ولكن الساكت عن الحق شيطان أخرس، فنحن نعرف منذ أن تولى السيد نوري المالكي رئاسة الحكومة عام 2006 وهو يطالب بتحسين العلاقة ليس مع السعودية فحسب، بل ومع جميع الدول العربية والإقليمية والعالم، ولكن في كل مرة تتعنت السعودية حتى أنها رفضت تمثيل بلادها في مؤتمر القمة العربي في بغداد بمستوى لائق. 
وهناك أمثلة كثيرة تدحض ادعاءات بهاء الأعرجي في إلقاء اللوم على المالكي في الإرهابي السعودي في العراق، نذكر منها: إذ نعرف أن الإرهاب يحصد أرواح الشيعة في باكستان منذ انتشار تعاليم الوهابية وبتمويل من السعودية قبل أكثر من عشرين عاماً، علماً بأن علاقة الحكومة الباكستانية جيدة جداً مع السعودية، ولكن مع ذلك لم يسلم الشعب الباكستاني وخاصة الطائفة الشيعية والمسيحيين من الإرهاب المدعوم من السعودية لأسباب أيديولوجية.
كذلك كان الإرهاب في العراق على أشده عندما كان أياد علاوي المدعوم من السعودية، رئيساً للوزراء عام 2004-2005. فإذنْ، الإرهاب السعودي في العراق لا علاقة له بكون المالكي أو غيره، يتقرب أو لا يتقرب إلى النظام السعودي. والغريب أنه لما صرح السيد المالكي في الآونة الأخيرة بدعوته للنظام السعودي بتبادل الوفود لتحسين العلاقة، وأنه يرحب بزيارة أي شخصية من القيادة السعودية، وأنه مستعد للذهاب إلى السعودية إذا تلقى منها دعوة لحل المشاكل بيننا ونعيد العلاقة الطبيعية، قال السيد بهاء الأعرجي في ذلك اللقاء، أن هذه الدعوة ليست عراقية، بل فرضت عليه من أمريكا!! وهكذا فكل ما يقوم به المالكي أو يقوله هو خطأ في رأي هؤلاء. ولما سأله مقدم البرنامج (السيد غزوان جاسم) لماذا لم تصوتوا على قانون إعمار العراق؟ فلم يجد جواباً معقولاً، فأطلق كذبة مضحكة أنه حتى نواب من كتلة القانون امتنعوا عن التصويت على القانون!!. 
فالسيد بهاء الأعرجي يطالب المالكي بإرسال الوفود إلى السعودية ويتذلل لها حتى دون أن يتلقى أي دعوة منها. ووفق هذا المنطق، فعندما يحصل برود في العلاقة بين دولتين فمن حق أي منهما إرسال الإرهابيين لإبادة شعب الدولة الأخرى!!. هذا منطق مغلوط ومفلوج ويدل على مدى حقد الصدريين بحيث تحالفوا مع ألد أعداء الشعب العراقي نكاية بالمالكي. 
قلنا مراراً أن السعودية تحارب العراق لثلاثة أسباب: طائفية، وسياسية، واقتصادية. والسعودية هي وراء نشر التطرف الإسلامي الوهابي في العالم، وفي هذا الخصوص كتب الباحث الأمريكي فريد زكريا في التايم: " إذا كانت هناك جائزة للسياسة الخارجية الاكثر انعداما للمسؤولية، ستمنح بالتأكيد إلى المملكة العربية السعودية. فهي أكثر الدول المسؤولة عن صعود التطرف الإسلامي والتشدد في جميع أنحاء العالم. فعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تم استخدام الثروة النفطية الهائلة في المملكة لضمان تصدير الصورة المتطرفة والمتعصبة والعنيفة من الإسلام من خلال رجال دينها الوهابيين...إذهب إلى أي مكان في العالم - من ألمانيا إلى إندونيسيا - وستجد المراكز الإسلامية المنتعشة بأموال السعودية تنفث التعصب والكراهية."  
كما وأكدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وفق ما جاء في وثيقة سربها موقع ويكيليكس في شهر كانون الأول/ديسمبر 2009، أن المملكة العربية السعودية تبقى "القاعدة المالية الأساسية" للإرهاب وأن الرياض "اتخذت إجراءات محدودة فقط" لوقف تدفق الأموال إلى طالبان وجماعات أخرى مشابهة".
 
ويضيف السيد زكريا: (ومنذ هجوم تنظيم "القاعدة" المباشر في الرياض في العام 2003، قضى السعوديون على الارهاب في الداخل. لكنهم لم يوقفوا دعمهم لرجال الدين الوهابيين والمراكز والمدارس الدينية والمتشددين في الخارج. خلال حرب العراق، كان الكثير من الدعم للمتشددين السنة يأتي من مصادر سعودية.)
 
يجب أن يعرف بهاء الأعرجي وتياره، أن كل المسؤولين العراقيين الشيعة من وزراء ونواب وغيرهم في العراق الجديد يعتبرون إيرانيين (عجم) وفق النظرة الطائفية السعودية.. "لدرجة ان وزير خارجيتها قال مرة، في ندوة في واشنطن ان من يزور بعض الوزارات العراقية يحتاج الى مترجم للغة الفارسية، في اشارة مليئة بالنفس الطائفي للوزارات التي يتولاها شيعة" (من مقال للسيد سالم مشكور في جريدة الصباح). 
 
وقبل سنوات أكد ديفيد بترايوس قائد القوات الدولية في العراق آنذاك، أن خمسين بالمائة من الإرهابيين الأجانب ومائة بالمائة من الانتحاريين هم من السعودية. كما وأكد السفير الأمريكي السابق في العراق رايان كروكر، أن السعودية تشن حرباً طائفية في العراق وسوريا.... وغيرها كثير من تصريحات الأمريكيين، فهل بعد كل هذا يبقى أي شك عن الموقف السعودي المعادي للعراق ونلقي اللوم على المالكي أنه لم يرسل وفوداً للسعودية للتفاهم مع حكومتها؟
 
ويقول حسن العلوي، كما نقلت عنه مواقع النت، أنه "بعد دعوة طارق الهاشمي للسعودية، ذهبتُ معه برفقة أعضاء آخرين في القائمة العراقية، وعند استقبالنا تقدم الملك السعودي نحو الهاشمي مباشرة فسلّم عليه وهو يقول له.. مليارين ونص اعطيتك ولا زال الشيعة في الحكم.. ثم اعاد الملك هذه العبارة مرة أخرى". يبدو أن السيد الاعرجي لا تهمه هذه الإهانة، ويصر على ضرورة وأهمية اللقاء مع قادة النظام السعودي لأغراض فئوية على حسب مصلحة الشعب والوطن. 
 
والجدير بالذكر أن السعودية وجهت الدعوة لنحو ألف من شيوخ العشائر الشيعية بمناسبة موسم الحج، ليس حباً بهم وتقديراً لهم أو مرضاة لله،  بل في محاولة منها لشرائهم وكسبهم لضرب العملية السياسية. ولكن رؤساء العشائر الشرفاء أدركوا الغاية اللئيمة من هذه الدعوة الماكرة فرفضوها بإباء وشموخ. اعتقد السعوديون أن العراقيين دائماً مستعدون لبيع أنفسهم ووطنهم وشرفهم مقابل السحت الحرام كما حصل في 8 شباط 1963, وكما يحصل مع البعض الآن، لكن خاب أملهم.
 
الحقيقة التي يجب أن يعرفها الصدريون، حلفاء السعودية الجدد، وكما جاء في تقرير ندرج رابطه في الهامش، أن "هدف السعودية الأول، هو القضاء على الشيعة فكراً ووجوداً، ولن تغير هذا الهدف مهما تبدلت الأوضاع في المنطقة والعالم، فالسياسة السعودية متجمدة على عقلية المؤسسين لحكم العائلة
المالكة، والتي قامت على أساس الطائفية الصرفة". ويضيف التقرير: "السعودية اتخذت قراراً من قبل في قتل الشيعة، وهي اليوم تبدأ خطواتها العملية بهذا الاتجاه، إنها ماضية نحو حرب طائفية تشعل فيها المنطقة، مستغلة تراخي القيادات الشيعية، وعدم اكتراثها بما يدور حولها، لاسيما في العراق الذي يمثل منطقة القلب بالنسبة للشيعة، حيث تفرق قادتهم على كيانات متنافسة متخاصمة، مما يجعل اختراقهم سهلاً، وسيجعل ضربتهم متاحة في أي وقت". 
فهل سيكون مقتدى الصدر حصان طروادة الجديد للسعودية بعد أن احترقت أوراق الحصان السابق طارق الهاشمي؟ 
 
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter