الأقباط متحدون - كيف سيؤدي الدستور لسقوط الحكم ؟
أخر تحديث ٠٥:٠٣ | الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠١٣ | هاتور ١٧٣٠ ش ١٧ | العدد ٣٠٢٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

كيف سيؤدي الدستور لسقوط الحكم ؟

الكاتب الصحفي عبدالله كمال
الكاتب الصحفي عبدالله كمال

 بالصياغات الحالية.. وقبل التصويت النهائي، وإذا لم يطرأ تعديل حقيقي على مشروع الدستور الذي تدبجه لجنة الخمسين.. نحن نذهب في طريق تخليق نظام حكم ضعيف وهش.. تتصارع فيه الرءوس وتملأ فراغاته المؤسسات، ويكون فضاؤه السياسي متسعًا للغو وصخب غير مثمرين.

 
كيف سيحدث هذا؟.. أو للدقة لماذا نرفض توجهات مشروع الدستور الذي يأخذ طريقه إلى الاستفتاء، بإصرار غير عاقل من لجنة ذات طابع أناني، يعتقد من فيها أن في يدهم فرصة لمنح الأحزاب المتهاوية القدرة على اكتساب مكانة لم تستطع أن تحصل عليها بالسياسة؟
 
الدخول في التفاصيل النصية، والصياغات الحرفية.. لن يقود إلى النتيجة، بل إنه سوف يدخلنا في متاهات جدل لا قيمة له.. حول ميزة وعيوب كل نص ومحتوى كل مادة.
 
 إن المهم هنا هو النظر إلى الفلسفة العامة، التي تحكم منطق الدستور، ونظام الحكم الذي يسعى إلى تكوينه كنتيجة له .. هذا النظام الذي تصفه الأصوات المتحدثة من داخل «الخمسين» وعنها بأنه سيكون «مختلطا».. أي ما بين الرئاسي والبرلماني، وتتوزع فيه الصلاحيات ما بين جناحي السلطة التنفيذية: الرئيس والحكومة.
 
 في حقيقة الأمر كان نظام الحكم في مصر، مختلطًا.. بصورة شكلانية، قبل أن ينتهي حكم الرئيس مبارك في فبراير ٢٠١١ .. لكنه من الناحية الواقعية، كان نظامًا رئاسيًا، يحظى فيه الرئيس بصلاحيات واسعة، في ضوء أن الحكم كان يقوم على نظام الحزب «الوحيد» وليس الحزب «الواحد».
 
ولأن الرئيس كان ينتمي إلى هذا الحزب «الوحيد».. بحيث لا يمكن توقع نشوء صراع بينه وبين الحكومة.. لقد بدأ هذا الوضع منذ عرفت مصر تعدد الأحزاب في نهاية السبعينيات، وكانت قبل ذلك تدار بنظام رئاسي يستند إلى نظام الحزب «الواحد».
 
لا يمكن العودة إلى الوراء.. ومهما كان تأييدي لنظام حكم يوليو، وهو تأييد لم يكن على بياض، كما أنه لم يتوقف، فإن هذا النظام يحتاج تطويرًا جوهريًا.. يبقي أسسه ولا يهدم أصوله، ويخضعه لمعاملات التحديث، ويجعل السلطات فيه محل محاسبة صريحة، وبما يوفر إطارًا لاستيعاب جميع تفاعلات المجتمع وفئاته، ويحول طاقة الاحتكاك بين المصالح إلى تنافس مثمر لا صراع يقود من حين إلى آخر لاضطراب يعطل حياة الناس .. أو على الأقل يبقيهم محبطين .
 
وكما أنه لا يمكن العودة إلى الوراء.. فإنه كذلك لا يمكن التقدم بدستور أناني، نحو نظام حكم ينحاز لأحزاب ضعيفة.. لا هي سوف تكون قادرة على أن تتصدى لما يوضع على كاهلها، وفقًا للدستور، ولا هي مستعدة من خلال ممثليها في لجنة الخمسين لأن تنتظر بعض الوقت حتى تقوى وتأخذ دورها في العملية السياسية على نطاق واسع كما تريد الآن .
 
 منطق الدستور، المزمع الانتهاء منه، هو تقليص صلاحيات الرئيس لصالح حكومة برلمانية، بما يؤدي إلى نظام مختلط .. لا هو خاضع لهيمنة صلاحيات رئيس، ولا هو يضمن أن تكون الحكومة قادرة على ملء الفراغ الذي خصمته من صلاحيات رأس السلطة التنفيذية.
 
وبالتالي فإن نظام الحكم الجديد سوف يماثل بصورة ما الوضع الانتقالي الحالي .. وسيكون كل رئيس هو «عدلي منصور» وكل رئيس وزراء هو «حازم الببلاوي»، أي مرور من مرحلة «انتقال استثنائية مؤقتة » إلى مرحلة «انتقال ثابتة ومستمرة»، لا أعتقد أن الوضع الحالي يرضي القطاعات الواسعة من المواطنين.
 
هذه الأحزاب الضعيفة.. والتي تريد ترسيخ مكتسباتها عبر لجنة الخمسين، ونتيجة لخصومة عريقة بينها وبين النظام الأميل للرئاسي سابقًا، هي نفسها لم تتمكن من تشكيل حكومة قوية في ظل وضع استثنائي حالي، وبدون وجود برلمان يمكن أن تتنازعه الأكثريات. فبعد ٣٠ يونيو طال أمد تشكيل الحكومة ولم تستطع القوى التي منحت -ثوريًا- فرصة تشكيلها أن تصل إلى صيغة تعكس ما لدى الأحزاب .. لسبب جوهري، هو أن تلك الأحزاب لا تعبر بدقة عن واقع النخبة السياسية المصرية ولا تضم ما يمثل فئات المجتمع المختلفة، كما أنها لا تتمتع بالوضوح الأيديولوجي البرامجي القادر على توفير حلول وخيارات.
 
  وقد فشلت الحكومة الهشة.. التي لا تخضع لأي محاسبة سياسية، اللهم إلا انتقاد الإعلام، أن تلبي طموح المصريين .. ولم يبد أنها قادرة على أن تفرض على الشارع سيطرة سياسية، لأنها عمليًا تنتمي إلى أحزاب لا وزن لها، ولم يتوافر لها أي اتساق بين أعضائها، ولم تحقق أي ثمرة حقيقية لا على مستويات الأمن والاقتصاد ولا في اتجاه العدالة الاجتماعية، أو حتى إدارة عجلة الروتين اليومي لجهاز الإدارة العام .. كل هذا وهي لا تجد أي تدخل من الرئيس المؤقت ولا حتى توجيه منه أو دفعًا من صلاحياته في أي اتجاه.
 
صورة من مثل هذا الوضع المذري الانتقالي.. سوف تكون عليه الأمور فيما بعد، مع اختلافات بسيطة. تعود إلى أن الرئيس سوف يكون آتيًا استنادًا إلى تصويت شعبي مباشر، ومن ثم يكتسب وضعًا سياسيًا لا دستوريًا يعطيه زخمًا في الحركة ولا ينفي تقييده.
 
وتعود الاختلافات كذلك إلى أن الانتخابات البرلمانية لن تقود إلى أغلبيات واضحة تصل بنا إلى حكومة متماسكة قادرة على الصمود أمام أنواء التنوع. المعنى هنا أننا قد يكون لدينا رئيس لديه القدرة السياسية بدون صلاحيات حقيقية، وحكومة لديها الصلاحيات بدون قدرة سياسية .. وبين هذا وتلك ينشأ فراغ كبير جدًا.
 
  من الذي سوف يملأ الفراغ؟، خياران لا ثالث لهما : إما الفوضى التي تصل بمصر إلى ما يشبه الأوضاع السياسية الإيطالية قبل عصر برلسكوني .. وهو ما أشرت إليه من قبل .. حيث يتوالى سقوط الحكومات كل بضعة أشهر . أو أن تملأ مؤسسات الدولة هذا الفراغ، لكي تحافظ على ما يتبقى من مكونات الكيان المصري بعيدًا عن ضعف الأحزاب وصراع الحكومة والرئيس.
 
وبالتالي لا تكون هناك سياسة ولا تنمو الأحزاب . والجميع يعرف أن المساحات التي سوف تحصل عليها المؤسسات بصفة عامة لن يكون من السهل أن تتخلى عنها.
 
من جانبي، أميل إلى المؤسسات.. ومستوى ثقتي فيها أعلى بكثير من مستوى ثقتي في الأحزاب، ولديَّ يقين أنها الأقدر على حماية مصالح الدولة مقارنة بأطراف غيرها .. ليس لأن تلك الأطراف أقل وطنية ولكن لأنها أقل قدرة. لكن انحيازي لمؤسسات الدولة لا يعني الرضى بأن نهدر فرصة لتطوير نظام الحكم بناء على زخم ٣٠ يونيو . كما أن لدي المؤسسات ما هو أهم لكي تقوم به بدلا من إدارة الأمور التنفيذية اليومية .. وأفضل معادلة أراها للتطوير، هي تلك التي تؤدي لإبداع صيغة تجعل  الأحزاب والمؤسسات تعمل في نسق واحد يحقق المصالح الأبعد للدولة بغض النظر عن الاختلافات .. وهي الحالة التي وصل إليها المجتمع السياسي الأنضج في بريطانيا والولايات المتحدة على سبيل المثال.
 
  إن ما تريده مصر.. وما نفترض أن تذهب  إليه عملية صياغة الدستور، هو نظام حكم أميل للرئاسي، يتسق مع طبيعة تاريخية للمجتمع الذي يركن إلى إلقاء التبعات على قيادته لكي تتخذ قراره بعد منحها الصلاحية .. وبحيث يكون الرئيس في هذا النظام منتخبًا بشكل مباشر وخاضعًا للمحاسبة والمسؤولية.. وتعيينه حكومة تنتمي إلى أغلبيات برلمانية واضحة، لا تتقيد بأحزاب ضعيفة،  على أن يوفر الدستور فرصًا لنمو الأحزاب على المدى المتوسط ومن ثم يمكن الانتقال إلى مرحلة جديدة بعد عقد من الزمان.
 
أما وأن الدستور، المزمع التصويت عليه، لا يذهب نحو ذلك.. وتصر لجنة الخمسين على أن يكون منتجًا لنظام مختلط لا تدعمه أحزاب حقيقية، فإن ذلك يعني أننا بصدد عملية ناعمة لسقوط نظام الحكم لا عملية بنائه .. وسوف نذهب إلى مرحلة من الاضطراب لا إلى الاستقرار، كما قد يدعي المدافعون عن مشروع دستور مشوه وأناني.


نقلا عن مبتدأ

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع