بقلم : ابراهيم جاد الكريم

كنا وكان كل ما حولنا وبكل ما فيه من أواصر الصداقه والحب والتواصل بين كل الناس الذين عاشوا فى – محرم بك -  الأسكندريه – حيث كان اليونانى الخواجه أسطاسى صاحب الفرن الفينو والبسكويت والحلويات (لا زال المكان للآن موجودا ولكن تحول لأجزاخانه ) وأمامه عبر الشارع كان بقالة الخواجه ينى (لا زال المحل مفتوحا للآن بقالة وأن تغيرت اليافطه)  وبعده بحوالى مائة متر كانت توجد بقالة الخواجه خرالامبو (وهى موجوده للآن بقاله وأن تغيرت اليافطه) وبعده بقليل كان يوجد فرن حسين (التركى)  وفى الوسط  أجزاخانة مزراحى (اليهودى) وهى لا زالت موجوده للآن كاجزاخانه وبنفس الأسم !!!  ولكن الصله التى كانت موحوده بين كل ... الناس كانت صلات متينه أشد من الصداقه ... حيث كان الشيخ والأمام للجامع فى الشارع المقابل لبقالة الخواجه خرالامبو لا يترك الخواجه الا ليؤذن للصلاه ويعود بعدها ليكمل جلسته عند الخواجه خرالامبو و يقوم ويساعد فى ساعات الأزدحام ويأتى أولاده وزوجته  وتنفرد النساء الى المخزن الخلفى و يبقى الشيخ وأولاده مع الخواجه خرالامبو فى حديث لا ينقطع الضحك والألفه والصداقه الشديده بينهم للحظه ويوم أجازة الخواجه يخرج أولاده وبناته وزوجته مع أولاد وبنات الشبخ وزوجته لقضاء يوم الأحد ... على الشاطىء فى الشاطبى أو رأس التين ... ويكفى  أى موقف  لمرض واحد من أولاد الشيخ أو الخواجه  لتجتمع النساء و الأولاد فى خدمة المريض حتى يشفى !!.

وكان الخواجه أسطاسى يعبر الشارع ليجلس مع الحاج عبد الصادق الحلاق (لازال المحل موجودا وأن تحول الى حلوانى) ليأتى عم تاوفيلس الفكهانى ليتسامروا فى أوقات هدوء البيع فى محلاتهم  ... وكان الخواجه ينى البقال يأتى ليجالسهم  ولا يقوم الا حين دخول زبون الى محله ويذهب ليلبى طلبه ويعود سريعا ...

ولم يكن هؤلاء يتعاملون بالشيكات ولا ايصالات الأمانه ولكن كانت الكلمه بينهم هى دستور حياة لمساندة من يحدث له أى طارىء مفاجىء أو مرض أما حالات الوفاة فكان معناها وقوف الكل المسلم والمسيحى واليونانى واليهودى والتركى وقفة رجل واحد والخروج جميعا الى المدافن !! سواء الأسلاميه أو المسيحيه  أو اليهوديه للأشتراك فى مراسم الدفن وأحياء الليله بمذهب المنتقل !! ولا فارق بين ليله يحييها مقرىء وغيرها فأن الشارع كله بكل كباره مشتركين  وحتى نهاية الليله ... بكل الحب و الأخوة الصادقه .

أما عن الأعياد فهى للكل والأولاد جميعا مسلمين ومسيحيين ويهود وترى الكل يتبادل أطباق الحلويات والبسكويت وخاصة الكحك  الذى يأكله الكل ولا تعرف من أى بيت أتى لآن زوجة الخواجه تشترك مع جارتها فى عمل الكحك والبسكويت على الطريقه اليونانيه ... فى بيت المؤذن ... شيخ الجامع .... فى سيمفونيه رائعه  من الحب والود بين الكل ... ولم يكن هناك فقير يحتاج فى وسط هذا المجتمع ... لأن الكل يساهم بحيث لا يشعر فقير بحاجة الى ملابس أو لحوم فى العيد  لأن جزارة الحاج حسن كانت تعرف طلبات كل أسرة وترسلها اليهم ... سواء يوم الخميس للمسلمين أو يوم الأحد للمسيحيين أو يوم السبت لليهود !! واذا طبخت اليونانيه أو المصريه فلا بد أن ترسل مما طبخت لجاراتها بكل الحب والود الصادق بين الجميع .


أما عن رمضان فكانت له  أستعدادات خاصة  حيث يزيد الخواجه خرالامبو من المخللات اليونانيه ويطبع الأمساكيه بمواعيد الصلاة ومدفع الأفطار ليوزعها على رواد المحل ولا فرق بين مسلم أو غيره ... ويحاول الخواجه ينى البقال زيادة الأنوار فى الشارع ونعليق الزينات والبيارق الملونه بطول الشارع ويوزع البلح ساعة الأفطار والخشاف على كل من يمر أمام محلاته ولا يسأل أيا من الزبائن عن النقود  !!! بل يلبى الطلبات ويكتفى بتقييدها فى الدفتر والحساب  ... عندما يفرجها ربنا .... لأن البركه كانت تملأ  المحلات والشوارع والبيوت .. والقلوب .... كان الجميع يعرفون ... أن البركه ... جذورها المحبه .

ولا تزال تلك الأماكن كما هى وأن تغيرت المسميات ... ولكن تغير الناس  وهربت المحبه من القلوب وهربت من كل حياتنا ..... البركه  .... وبلا عوده