الأقباط متحدون - عاشقة اللازورد
أخر تحديث ١٠:٢٥ | الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠١٣ | هاتور ١٧٣٠ ش ١٢ | العدد ٣٠١٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

عاشقة اللازورد

فوزيه سلامه
فوزيه سلامه

 في حياتك وحياتي لحظة قد تمر من دون أن تدرك أنها مرت. إنها اللحظة التي توصلك قاب قوسين أو أدنى من قرار حكيم. يهمس في أعماقك صوت يقول ابتعد عن الصراعات والناس الذين يفتعلونها. اقترب من هؤلاء الذين يشعرونك بالصفاء. انس الإساءة وتذكر المعروف. ادع بالهداية لمن يعاملك بجفاء. العثرات جزء من رحلة الحياة، فإن تعثرت فلا تضع لحظة واحدة في الحزن والرثاء. فكر في وسيلة للنهوض واستكمال الرحلة.

 
لم أبكِ حزنا على وفاة إنسان سوى الوالدين، ربما لأنني كنت بعيدة حين فارقا الحياة. وعذبني إحساس بأنني ضيعت الفرصة لكي أقول لكل منهما كم أحبه حبا تأثر به العمر والفكر والعاطفة.
 
وفي رحلة إلى بيتنا العتيق بعد وفاة والدتي بسنوات تجولت في البيت الذي بات مهجورا لكي أشم عطرها. ساقتني قدماي إلى الصالون حيث ظلت الأرائك والمقاعد في أماكنها التي لم تفارق ذاكرتي وكذلك «البياضات» التي كانت تحمي القماش الحريري الفخم الذي اكتسى به طقم الصالون في غير وجود الزوار. حين رفعت القماش الأبيض نظرت إلى الكسوة الحريرية الجميلة فتجدد حزني. فقد عاش الحرير وماتت أمي.
 
عاودتني تلك الذكرى حين بلغني نبأ وفاة نورا فاخوري، زميلتي وصديقتي. تذكرت أياما طوالا وطئت فيها قدماي وقدماها ممرات دار الصحافة العربية، في لندن. كانت تبهرني جرأتها وتأسرني ابتسامتها ويغريني وفاؤها للمعارف والأصدقاء وتدهشني رومانسية لازمتها حتى النهاية. كانت عاشقة للون الورود ولزرقة السماء حتى إنها في خضم رحلة عمل ميدانية لتغطية حرب المجاهدين الأفغان ضد الاحتلال السوفياتي لم تنسَ أن تحمل إليّ أسورة من الفضة يتوسطها حجر من اللازورد لونها المفضل. حين بلغني نبأ وفاتها هرولت إلى خزانة أحتفظ فيها بأشيائي الخاصة، ونبشت محتويات الصندوق إلى أن أخرجت الأسورة من مخبئها الذي فيه عاشت قرابة ثلاثين عاما.
 
لم أحزن، لكني بكيت لأن صديقتي ماتت وعاشت أسورة يتوسطها حجر لازوردي. ما زالت الأسورة محتفظة برونقها وكأنها لم تمس. وسوف تظل شاهدا على صداقة دامت خمسة وثلاثين عاما، ولم تتأثر بالمسافات والحدود حين تركت نورا لندن وعادت لتعيش في حضن الجبل في لبنان. غير أن الأيام لا تقسو على أسورة، لكن أيام العمر تقسو على البشر. عانت نورا من قسوة المرض، لكنها لم تفقد ابتسامتها ولم تنسَ أصدقاءها ولم تحمل على الدنيا.
 
حين وضعت الأسورة حول معصمي تساءلت: هل الجماد أقوى من الإنسان؟ وسرعان ما جاءت الإجابة. والإجابة هي «لا» وألف لا. فأنا وأنت وهي والآخرون حرف في كلمة لها معنى كبير هي الذكرى الطيبة.
 
سوف أذكر صديقتي نورا ذات القلب الأخضر، وأحتفظ ببعض ما كتبت، وأتذكر ابتهاجها بالحياة واشتياقها للحب. تلك هي الحروف التي تثري كتاب حياتي.
 
اليوم أشعر بسكينة فوق العادة لأنني مؤمنة بنعمة الحياة مهما طالت أو قصرت. موقنة أنا بأن كل ما يأتي به يوم جديد هو فرصة للتعبير عن الود والمحبة كاعتراف بأن المحبة دواء يشفي القلوب والنفوس.
 
إن قرأت هذه السطور اجلس وبيدك ورقة وقلم ودوِّن أسماء عشرة أشخاص تركوا أثرا على صفحات كتاب الحياة.
 
ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد. اتصل بأصدقائك وعبر عن محبتك لأن الفرصة قد لا تأتي مرة أخرى.

نقلا عن الشرق الاوسط

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع