لولا لعبة كرة القدم، لما كان هناك صلة مطلقا بين قرية ماندو النيبالية والعاصمة القطرية الدوحة.
فمن الصعب أن يتصور المرء وجود اختلاف أكبر من ذلك الاختلاف بين هذه القرية الصغيرة المعزولة بالقرب من سفوح جبال الهيمالايا، وبين الأبراج الشاهقة من الزجاج والصلب بهذه العاصمة الصحراوية.
وبالرغم من ذلك، حينما سافر راجندرا لاما إلى قطر للعمل في تشييد مطار، ضمن الاستعدادات لكأس العالم 2022، كان هذا العامل النيبالي يسلك طريقا ممهدا بشكل جيد يسلكه مئات النيباليين يوميا.
كذلك فإن الطريقة التي انتهت بها رحلته كانت شائعة جدا.. فقد تلقت زوجته مانجو رسالة تفيد بأنه توفي بسكتة قلبية. وراجندرا، الذي كان يبلغ من العمر 29 عاما، هو واحد من الكثيرين من العمال المهاجرين من جنوب آسيا الذين لقوا حتفهم وهم يساعدون هذه الدولة الخليجية الصغيرة لكي تستضيف بطولة كأس العالم.
ارتفاع الحرارة
"كان بصحة جيدة حينما رحل"، حسبما قالت زوجة راجندرا وهي تذرف الدموع وتعرض لي صورة لها ولزوجها معا.
ومن أجل الحصول على هذه الوظيفة، كان يلزم إصدار شهادة طبية. بالتالي إذا كان يعاني من أي مرض "لكان الطيب أعاده" إلى نيبال، بحسب مانجو.
الأوضاع في قرية راجندرا متواضعة للغاية
وأشارت الزوجة إلى أن راجندرا كان يشكو بعد فترة قصيرة من وصوله إلى قطر من أنه يحصل على "طعام فاسد" ومن أن "طول ساعات العمل في الطقس الحار". وهي الشكاوى نفسها التي يرددها عمال نيباليون وهنود وغيرهم ممن يعملون في مشاريع تشييد في قطر حيث تتخطى عادة درجة الحرارة 50 درجة مئوية.
وكان عقد عمل راجندرا ينص على وجوب عمله 48 ساعة أسبوعيا، وهو وقت طويل بحسب المعايير الغربية. لكن مانجو تقول إن زوجها كان في الغالب يعمل حتى فترات أطول من ذلك وبصورة متواصلة.
ويتوافق هذا أيضا مع روايات عمال مهاجرين آخرين يعملون في المشاريع المتصلة بكأس العالم في قطر.
بدوره عمل بير باهادور دونغ - جار راجندرا - في مشروع المطار الجديد في قطر. لكنه عاد إلى بلده بعد انتهاء عقده، مؤكدا أنه لن يعود مطلقا بعد أن عانى من الأوضاع نفسها.
وقال دونغ "كنا نصاب كثيرا بالإعياء ويجب علينا بعدها إنفاق مرتبنا على العلاج الطبي."
"بدلا من الموت في قطر، من الأفضل أن نموت هنا في نيبال"، بحسب دونغ.
مستقبل جديد؟
تعتقد مانجو أن ظروف العمل القاسية هي التي أودت بحياة زوجها، لكنها غالبا لن تتأكد من هذا.
شهادة وفاة زوجها من سجلات السلطات القطرية توضح أن سبب الوفاة ببساطة هو "سكتة قلبية مفاجئة".
وحينما توفي، كان راجندرا قد قضى تسعة أشهر في قطر في وظيفة كان يأمل هو وزوجته أن تحمل معها مستقبلا جديدا لابنتهما بيميتا (3 سنوات).
تتوافد أعداد غفيرة يوميا على مكتب التوظيف الخارجي
كان راجندرا يرسل إلى زوجته نحو 25 ألف روبية نيبالية كل ثلاثة أشهر.
ويعادل هذا بالكاد 80 دولارا شهريا، لكن هذا مبلغ كبير جدا في قرية ماندو. فكل شخص هنا يعيش على ما تنبته الأرض، حيث لا يوجد عمل آخر.
لكن طموحات العائلة أصبحت الآن حتى أكثر قتامة.
وحينما وصلنا إلى القرية أول مرة، في رحلة استغرقت ساعة من أقرب الطرق المؤدية إليها، كانت مانجو تطحن الذرة بعصا خشبية ثقيلة.
أما بيميتا فكانت تراقب مع والدي زوجها الراحل الطاعنين في السن.
لكن النيباليين مازالوا يتوجهون إلى قطر بالرغم من القصص المروعة القادمة من هناك.
ويتدفق العمال الراغبون في الهجرة إلى قطر بشكل يومي إلى مكتب التوظيف الخارجي الحكومي في العاصمة كاتماندو.
ويصل إلى المكتب نحو عشرة آلاف شخص أسبوعيا، يتوجه العديد منهم إلى قطر.
ويقول عامل بناء عمل في قطر سابقا "لا يوجد لدي بديل آخر، أريد أن أوفر الغذاء لأبنائي وأعلمهم. لا يوجد عمل هنا".
الشباب في أنحاء البلاد يغادرون بلداتهم وقراهم التي أصبحت "موطنا لكبار السن"، بحسب نيتشال باندي، المحلل المقيم في كاتماندو.
ونيبال واحدة من أفقر دول العالم، حيث يقل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عن 700 دولار.
وتعتمد البلاد على تحويلات العمال من الخارج وعائدات السياحة للوفاء بالتزاماتها.
وبنفس المعيار، فإن قطر هي أغنى دولة في العالم حيث تزيد حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عن مثيلها في نيبال 140 مرة.
يسعى كثير من النيباليين للذهاب إلى قطر بالرغم من القصص عن ظروف العمل القاسية
ويقول معارضون إن قطر بإمكانها توفير أجور وأوضاع أفضل بكثير للعمال الذين تعتمد عليهم لتعويض نقص العاملين من مواطنيها.
"سجن مفتوح"
وتؤكد حكومة نيبال أنها "تدافع عن" مواطنيها العاملين في الخارج.
وقال بوذي باهادور خادخا، المتحدث باسم وزارة العمل، إن "على قطر احترام حقوقهم (العمال) التي تنص عليها منظمة العمل الدولية."
وقالت مانجو زوجة العامل الذي توفي في قطر "أنا لست متعلمة.. (لذا) لا يمكنني أن أحصل على وظيفة. لا أدري ماذا سأفعل."
"أتمنى لو أنني لم أسمع مطلقا عن هذا المكان، قطر".
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.