الأقباط متحدون - جولة في ضباب الوطن
أخر تحديث ٠٩:٢٢ | الاثنين ١٨ نوفمبر ٢٠١٣ | هاتور ١٧٣٠ ش ٩ | العدد ٣٠١٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

جولة في ضباب الوطن

كمال غبريال
كمال غبريال
ربما كان مستطلع الحاضر وليس فقط المستقبل المصري القريب أو البعيد، كمن يبحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة، فمنذ الخامس والعشرين من يناير 2011، ولا يتكرر على الألسن أكثر من سؤال: "هي مصر رايحة على فين؟"، لكن أكبر الظن أن هذا السؤال الآن أبعد من أن تكون له لدى أي منا إجابة على درجة مقبولة من اليقين، أكثر من أي مرحلة سابقة. يرجع هذا فيما نعتقد إلى عاملين لا يقل أحدهما خطورة في تأثيره على الآخر.
 
أولهما تعدد وتشابك العناصر المتصارعة على الساحة، والتباعد الكبير في الرؤى والتوجهات بينها، والذي يصل في كثير من الحالات إلى درجة التضاد التام بين. وحالة السيولة في موازين القوى، مع دخول غير مسبوق لملايين المصريين في المعادلة السياسية، هؤلاء الذين نوصفهم بالأقباط و"حزب الكنبة"، بل وأيضاً حزب من كانوا "تحت الكنبة". بالإضافة إلى ملايين الشباب الذي عرفناه لاهياً، ويسعى الآن ليحسب "ثائراً".
 
العامل الثاني هو الظن الذي له ما يؤيده من شواهد الواقع، أن هناك قوى تعمل تحت السطح على توجيه مسيرة البلاد، وهي الأكثر تمكناً من حيث قدرة التأثير والتحكم ووضوح الرؤى، من تلك التي تشغل الجميع بصيحاتها وفعالياتها الصاخبة فوق الأرض. وتبدو الأخيرة والحالة هذه كأنها تلهو، أو وفق القول الذي شاع عن الرئيس الأسبق/ حسني مبارك، "خليهم يتسلوا"!!. وهكذا نجد في بعض الأحيان وكأن مصر تسير في مسار لولبي، نجد فيه تارة ما يفزعنا، وتارة أخرى نرصد ما يعيد إلينا الأمل.
 
فما يبدو على السطح، غالبية شعبية تنتمي لثورة 30 يونيو، تطالب باستبعاد الإخوان من الحياة السياسية المصرية، وحظر كافة تنظيماتها العلنية والسرية، سياسية كانت أم غير سياسية، مقابل أقلية تنتمي أو تتعاطف مع الإخوان، والتي تحاول جاهدة الآن الظهور بمظهر القادر على التواجد القوي بالساحة، بما تقوم به من فعاليات، تتدرج من التظاهرات إلى الممارسات الإرهابية الصريحة. وبين هؤلاء وأولئك نجد السلفيين، يبدون وكأنهم يلعبون لعبة مزدوجة، يتحالفون سياسياً مع فريق 30 يونيو وخارطة الطريق، التي استبعدت الإخوان، ويتحالفون في نفس الوقت مع الإخوان في رؤاهم الدينية/ السياسية، وكأنهم يقومون بدور المندوب لهم أو المتحدث باسمهم، في الحوارات واللجان التي تسعى لتفعيل خارطة الطريق. وعلى هوامش هذه القوى الأساسية، نجد بعض من ينتحلون توصيف "الثورية" أو "اليسارية" أو "الليبرالية"، يتخذون مواقف "بين بين"، ويغازلهم الجميع أحياناً، ويلعنونهم أحياناً أخرى. ولاشك أن لهؤلاء بعض من التأثير، لكن ما يبدو حتى الآن أن تأثيرهم هامشي. ومن غير الواضح إن كنا سنشهد في المستقبل تنامي قوة هذا الفريق، أم سيتفرق ويتبدد، عبر توزع تشيعه ما بين مختلف القبائل القوية.
أما عما يمكن بقليل من العناء والحصافة رصده تحت السطح، فيدلنا عليه أمران. أولهما ما نشهده مثلاً من سطوة للسلفيين في لجنة الخمسين لتعديل الدستور، رغم تمثيلهم بفرد واحد، مقابل تسعة وأربعين ممن يفترض تمثيلهم للقوى المدنية. وما يتسرب من اللجان الفرعية المتخصصة، من أن الآراء المتباينة حول أي مادة خلافية، كثيراً ما ترجح أغلبيتها الرؤى المدنية، ثم تأتي الصياغة النهائية التي تعرض للتصويت، تعكس الرؤية السلفية بوضوح أحياناً، وبالتواء يؤدي لنفس ما يستهدفه السلفيون في أحيان أخرى. أيضاً نرصد محاولات ما يسمى مصالحة مع الإخوان، تقوم بها نوعية معينة من الشخصيات، المحسوبة فكرياً على جماعة الإخوان المسلمين. ويظهر جلياً أن محاولاتها تأتي بناء عن "ضوء أخضر"، أو حتى بإيعاز ممن يمسكون الآن فعلياً بزمام الأمور بالبلاد. رغم هذا نجد أن الملاحقة الأمنية والقضائية لكوادر الإخوان بكافة مستوياتها القيادية، تتم بجدية وبمعدلات متسارعة، بما يشير إلى أن محاولات المصالحة هذه، ليست أكثر من ضباب يتم نشره، إعماء لعيون داخلية وخارجية، عن النية لتجريد جماعة الإخوان المسلمين من قوتها التنظيمة وقدرتها على الحشد، بحيث تتحول في النهاية إلى مجرد لافتة محظورة للتنظيم القوي الذي كان.
 
إن صح هذا التصور الأخير وقيض له التحقق، فإن هذا يضعنا أمام احتمالين لمستقبل السلفيين، يتوقف ترجيح أحدهما على الآخر، على نوايا وفكر الممسكين بمقاليد الأمور. أولهما أن يتبوأ السلفيون مكان الإخوان في عصر مبارك. فلا يكونوا شركاء في السلطة، وإنما شركاء ذوي مكانة في توجيه مسيرة البلاد، اقتراباً من "الدولة الدينية". أو بتعبير آخر، تفعيلاً لمقولة "دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية". والتعبيران في شرعنا يؤديان لنفس النتيجة، وإن حدث هذا بدرجات متعددة من العمق والشمول، وفق ما تسمح به الأحوال. الاحتمال الثاني أن يضمر الممسكون بمقاليد الأمور للسلفيين مصير "الثور الثالث ذي اللون الأحمر"، الذي انتبه بعد فوات الأوان، أنه قد "أُكِلَ يوم أُكِلَ الثور الأبيض". بمعنى أن الاحتفاء الآن بالسلفيين ورؤاهم، هو احتفاء مؤقت، ريثما يتم القضاء النهائي على قوة الإخوان المسلمين، ليأتي الدور على السلفيين، الأقل مقدرة على الحشد الجماهيري، والأقل رغبة تاريخياً في المشاركة السياسية، بل والذين أنفقوا ما مضى من العمر أتباعاً أو خدماً في بلاط جهاز أمن الدولة أيام مبارك.
 
يتبقى أن نذكر مع هذا أو رغم هذا، أنه بعد انهيار جماعة الإخوان، القوة السياسية الجماهيرية الأيديولوجية المنظمة الوحيدة في مصر، بجانب ضعف واهتزاز أداء معظم أجهزة الدولة، فإن مصر قد تكون بسبيلها للاقتراب أكثر وأكثر من توفر شروط الفوضى الخلاقة. ورغم الثمن الباهظ الذي قد يكون على الشعب المصري دفعه، فإن نظرية "الانتظام الذاتي"، المعروفة في وجهها السياسي والاجتماعي بالفوضى الخلاقة، قد تكون هي الأمل في حدوث تغييرات حقيقية جذرية شاملة، ولا ينبغي أن ننسى أنه في زمن الثوارت، لا ينبغي علينا الاكتفاء بحساب ما هو موجود بالساحة بالفعل، ولكن علينا انتظار المفاجآت التي قد تحملها إلينا الأيام القادمة. ولابد لنا أن نعود إلى هذا السيناريو في مقاربة أخرى.

نقلاً عن إيلاف

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع