تأليف: تيم لاهاي
ترجمة: د. استيفن فوزي
عرض: ميرفت عياد

يبدأ سفر أيوب الصديق ببركة الله له في سنوات حياته الأولى لذلك كان من الطبيعي أن لا يواجه أيوب مشكلة مع الاكتئاب في هذه الأيام التي يسير فيها كل شيء على خير ما يرام، ولكن فجأة تغير كل هذا فحُرقت بهائمه ومات أولاده وملأت القروح جسده، وبالرغم من أن أيوب لم يدرك أن الله يجربه ليظهر أمانته النقية إلا أنه لم يخطئ أثناء مصيبته حتى عندما شجعته زوجته بان يستسلم للمحنة فاقدًا رجاءه في الله قائلة: "أنت متمسك بعد بكمالك، بارك الله ومت" (أي 2 : 9)، فكان رد فعله على عكس ما توقعت فقد وبخها قائلاً: "تتكلمين كلامًا كأحدى الجاهلات.. أخير نقبل من عند الله والشر لا نقبل" (أي 2 : 10)، فكانت تلك الكلمات الإيجابية التي تمثل قمة الإيمان والرجاء قد جعلته أعظم الصابرين في العالم.
ولكن لكل إنسان نقطة ضعف حتى أيوب، وذلك عندما اجتمع إليه أصدقاءه ليجعلوه يعترف بخطيته التي سببت له كل تلك المصائب كان ذلك بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، وبعدما جلس أيوب على الأرض صامتًا لعدة أيام بدأ يتكلم وتكشف كلماته عن الاكتئاب الذي أصابه. وهذا يوضح أن هذا الرجل العظيم قد أصيب بالاكتئاب بسبب نفس الاتجاه الفكري الخاطئ الذي يسبب الاكتئاب في أيامنا هذه ألا وهو الرثاء للنفس والتذمر، ولكن عندما اعترف بخطيته جعله هذا الاعتراف يحصل على الغفران وانتعشت روحه وازداد إيمانه بالله حتى قبل أن تتحسن ظروفه، ونتيجة لهذا باركه الله ووعده بأن يرد له أضعاف ما كان عنده.
هكذا يوضح الكاتب تيم لاهاي في كتابه "كيف تتغلب علي متاعبك النفسية وتقهر الاكتئاب" أن كل إنسان معرض للإصابة بالاكتئاب إن آجلاً أو عاجلاً، ويكون الاكتئاب عند غالبية الناس مجرد خبرة عابرة يفاجئهم عندما تسوء ظروف الحياة في الوقت الذي تكون فيه حرارتهم الروحية فاترة وعادة ينتهي الاكتئاب في وقت محدد، ولكن هناك كثير من الناس تعودوا على التذمر والرثاء للنفس منذ الصغر، واتخذوا من الاكتئاب أسلوب حياة، ومن ثم ترسخت في داخلهم طريقه للتفكير تحتاج إلى التغير.

أعظم قائد في العالم.. أُصيب بالاكتئاب
ويشير "تيم لاهاي" في كتابه إلى أن الفحص الدقيق للكتاب المقدس يكشف لنا أن بعضًا من أعظم خدام الله قد صادفتهم مشاكل عويصة مع الاكتئاب، ومن أمثال هؤلاء موسى النبى الذي قاد ثلاثة ملايين يهودي متذمر ليخرجوا من مصر واستمر معهم أربعين سنة في البرية، وهذا النبي الذي يعد أعظم قائد في تاريخ البشرية أصابه الاكتئاب حتى أنه طلب من الله قائلاً: "اقتلني قتلاً إن وجدت نعمة في عينيك" وهذا الطلب يدل على أن خطية الرثاء للنفس كانت عادة مستحكمة فيه والمراجعة الدقيقة لحياته توضح أن له مشكلة خطيرة أيضًا مع الغضب، إن وضع الخطيتين معًا جنبًا إلى جنب وهما رثاء النفس والغضب يؤدي إلى نتيجة حتمية وهي الاكتئاب، ولكن الله سامح موسى على رثائه لنفسه واكتئابه وظل يستخدمه لمدة 38 سنة، وهذا يوضح حقيقة هامة وهي أن الشخص الذي لديه قابلية للاكتئاب يمكن أن يستخدمه الله إن تاب عن أسلوب تفكيره الخاطئ.
يُعدّ إيليا أعظم رجل في العهد القديم بعد موسى النبي، فقد كان يمتلك قوة معجزية لشفاء المرضى وإقامة الموتى، وهو الذي منع المطر لمدة ثلاثة سنوات، كما أنزل نارًا من السماء، وبالرغم من أنه كان رجلاً عظيمًا إلا أنه عرف الهزيمة أمام الاكتئاب، ففى إحدى المواقف أصبح يائسًا جدًا لدرجة أنه طلب الموت لنفسه (1مل19:4)، قد اكتئب إيليا لسبب واحد هو أنه انهمك في الرثاء للنفس حيث كان يفكر أنه هو الشخص الوحيد الأمين الباقي بعد أن نقض بنى اسرائيل العهد وقتلوا الأنبياء بالسيف.
ومن هذا يتضح لنا أن البعض يصاب بالاكتئاب أكثر من غيرهم وفقًا لمدى الانهماك في الرثاء للنفس أو الإشفاق على الذات ومن هنا يجب أن نرسخ حقيقة مهمة وهي أن الاكتئاب لا ينتج عن كيميائية الجسم أو مضايقات الآخرين أو الضغوط النفسية وإنما ينتج عن اتجاهنا الفكري إزاء هذه الضغوط التي تدعو إلى الاكتئاب، فإن موقف الشخص من نفسه له تأثير عميق على موقفه تجاه الله وأسرته وأصدقائه ومستقبله وأشياء أخرى كثيرة من حياته.

الاكتئاب والوسائل الدفاعية
يوضح تيم لاهاي في كتابه أن الاكتئاب الشديد يبدأ بالإحباط ثم ينمو إلى الكآبة التي تصل إلى اليأس, إذا لم تتغير طريقة تفكير الشخص وهذا قد يؤدي إلى الانتحار إذا لم يعالج الاكتئاب. وللاكتئاب أعراض جسدية عديدة منها اضطراب النوم, التبلد والخمول, فقدان الشهية للطعام, فقدان الدافع الجنسي, الإهمال في المظهر. وله أيضًا أعراض نفسية مثل عدم اهتمام الشخص بنفسه وبالآخرين وعدائه لهم, الحزن الشديد, حدة الطبع والثورة, القلق والخوف بسبب الشعور بالوحدة واليأس.
ويجب علينا عندما نتبين أعراض الاكتئاب ألا نلجأ إلى الوسائل الدفاعية التي تسبب سلوكًا خاطئًا مثل تغيير علاقة الشخص بالآخرين, النظرة النرجسية أو الرجعية للأمور, بل يجب أن نتخذ وسائل إيجابية لكي نمنع حدوث الاكتئاب فإن التعبير عن مشاعر الضيق يعمقها بينما رفض التعبير عنها يقللها.

الإحباط والإهانة.. أحد أسباب الاكتئاب
ويشير تيم لاهاي في كتابه إلى أنه يجب على الشخص أن يعي أسباب الاكتئاب حتى لا يغرق فيه، ومن أهم أسبابه:
* الإحباط بسبب الإهانة أو الرفض من المحبوب.
* عدم تقدير الذات المبالغ فيه بسبب التطلعات غير الواقعية.
* المرض والضعف الذي يؤدي إلي الرثاء بالنفس.
* الإجهاد العقلي الشديد الذي يتبعه عدم التركيز مما يسبب ضيقًا وإحباطًا.
* عدم وجود هدف في الحياة.
* الحسد والتذمر بسبب المقارنات غير العادلة بين إحدى نقاط ضعفك ونقطة قوة في شخص آخر يكون له نقاط ضعف ولكنك تجهلها.

ويؤكد الكاتب على أنه لا يوجد شيء يسبب الاكتئاب أسرع وأعمق من الرثاء للنفس ورغبة الشخص في نوال العطف والتبرير الكاذب وإلقاء المسئولية على الآخرين. كما أن الذي يحكم العقل هو التخيل وأينما سار الخيال سار العقل الواعي والباطن فالشخص ذو الخيال الهدام يصور نفسه علي أنه عاجز مرفوض مما يثبط آماله أما الشخص ذو الخيال البناء فيستخدم خياله لرفع الرؤية القاصرة عن النفس والتي تعوق التقدم والإنجاز.

كيف نساعد المكتئبين؟
ويذكر تيم لاهاي في كتابه أن الأشخاص المكتئبين يحتاجون إلى المعونة ممن حولهم علي الرغم من سلوكهم الخاطئ وعصبيتهم وغضبهم الذي يصد أصدقاءهم ولكن يجب تقديم يد المساعدة لهم، وذلك عن طريق:
* أن تكون بجانبه عندما يحتاج إليك مهما كان رد فعله معاكسًا لوجودك.
* لا تشاركه ولا تدينه علي رثائه لنفسه.
* قدم له الأمل والتشجيع بلطف ودون مجادلة.
* اجعله يفكر بشيء آخر بجانب نفسه واشركه في أي نشاط جسدي لأن هذا يساعده على الصفاء والهدوء.
* ساعده لكي يتحمل مسئولياته الطبيعية بالتدريج.
* لا تكن مبتهجًا بزيادة لأن الشخص المكتئب يتضايق جدًا من الشخص المبتهج كما يقول الحكيم في سفر الأمثال "كنزع الثوب في يوم البرد كخل على نطرون من يغني أغاني لقلب كئيب" (أم 25 : 20).
* قدم له كلمة الله وبعض الكتب التي تفيده، لا لا يوجد شيء يريح الشخص المكتئب أكثر من استماعه إلى وعود الله ولسوء الحظ فإن الاكتئاب يجعل الشخص حانقًا على الله ومن ثم يرفض الحل الوحيد لمشكلته النفسية.
* اقض معه بعض الوقت حتى تطمئنه أن هناك شخص يحبه بالحقيقة.
* صلي معه بروح الشكر على الأمور التي فعلها الله في حياته والتي يقدر أن يعملها معه مستقبلاً.

الانتصار على الاكتئاب.. غير مستحيل
ويقترح "تيم لاهاي" في كتابه العديد من الخطوات التي تساعد على الانتصار على الاكتئاب وهي أن يقبل الإنسان نفسه كخليقة لله كما هو، أن يعترف بخطاياه ويتأكد من غفران الله له، أن يكون إيجابيًا في حياته متصلاً بقوة الله العجيبة متوقعًا دائمًا النجاح، أن يتجنب الذين يشكون باستمرار والمتذمرين والمنتقدين، وأن يتجنب تقليدهم لأن السلبية والتشاؤم والتذمر والانتقاد من الأمراض المعدية التي تُصيب الإنسان لذلك احرص على أن يكون حوارك وفكرك إيجابيين في كل الأوقات، كما يجب أن يسامح الشخص أولئك الذين يخطئون إليه لأن روح عدم الغفران تضر الإنسان روحيًا وفكريًا ونفسيًا وجسديًا، حيث أن المرارة المترسبة في عقله تدمر علاقته بالله. مؤكدًا على أن من يرغب في القضاء على الاكتئاب وشفاء النفس منه يجب أن يقوم بخدمة الله عن طريق مساعدة الآخرين، حيث أن أعظم مجازاة يختبرها الإنسان في الحياة تأتي من خدمة الناس لأن هذا يجبرك على أن تفكر في شخص آخر بجانب نفسك، إذا كنت ترغب حقًا في أن تحيا حياة خالية من الاكتئاب توقف عن ادخار حياتك بل انفقها من أجل الآخرين، واشكر الله في كل شيء لأن هذا ضمانًا مطلقًا ضد الاكتئاب النفسي.

ساعد أولادك على تجنب الاكتئاب
يفزع كثير من الآباء من ميل أطفالهم للاكتئاب الذي يبدأ في سن مبكر، حيث يلجأ الطفل المكتئب إلى الانطواء ويصبح منعزلاً بعيدًا عن الأنشطة الاجتماعية، وهو بذلك يعطى رسالة غير مباشرة لوالديه بأنه مصاب بالاكتئاب الذي يعجز الآباء عن اكتشافه، ولتجنب هذا يقدم "تيم لاهاي" العديد من النقاط التي تساعد الأولاد على تجنب الاكتئاب أو كقائمة بالاحتياجات الخاصة للأطفال ومنها الحب والحنان، وهو احتياج يضاهي الاحتياج الجسدى للطعام، احتياجه للقبول خاصة من أقرب الناس إليه، احتياجه إلى الشعور بالحب بين الوالدين وذلك لتنمية الإحساس بالأمان والحب لدى الطفل، تجنب الوالدين الغضب في المنزل لأن الطفل يشعر أنه سبب هذا الغضب ومثل هذا ينتج عنه طفل ممتعض يفتقر للأمان، كما يجب ان يقوم الوالدين بتأديب الطفل وعدم التساهل معه بصورة مفرطه لأن هذا ينشئ أطفال غير مؤدبين، ولكن مع الثبات على المبدأ، يجب على الوالدين أن يكونوا معتدلين لأن غالبية الأولاد يريدون أن تُتاح لهم فرصة التعبير عن أنفسهم والنقاش لأن هذا يشعرهم بالراحة، ويجب أن يلاحظ الوالدين طريقة تفكير الطفل وأن يكتشف علامات السلبية أو الروح الانهزامية لاستبدالها بالثقة بالنفس، كما أن أفضل وسيلة لتعليم أي طفل هي أن يجد في والديه القدوة الحسنة، فإذا شاهد الطفل والديه منغمسين في السلبية وصغر النفس والرثاء للنفس فإنهم سيقلدونهم، أما إذا أظهر الوالدين أفعالاً تدعو إلى الانتصار على الاكتئاب سيقلد الاطفال هذه العادات الحسنة.