وداع عام... وتوديع إنســان
بقلم: د. ميشيل فهمي
(( قد جاهدتَ الجهادَ الحسِن أكملتْ السَعْيّ حَفَظت الإيمان. وأخيرًا قد وُضع لي إكليل البر الذي يَهِبَهُ لي في ذلك اليــــوم الرب الديّــــان العـــادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضـًا )) ثيموثاوس الثانية (4: 7، 8).
اختـارت السمــاء التوقيت الحسن – كعادتها دائمًا – لِتُرَنـِـم بكل صِدق ...، نفس وروح ابن من أبنائهــا بالكلمــات المقدسة لهذه الآيــات الأقدس، وكان هذا التوقيت هو توقيت الميــلاد للمخلص والفادي يسوع المسيح، وكانت النفس والروح هي للابن الإنســـان عدلي أبادير يوســف.
فَفَرِحـــت السمــاء وحزنــت الأرض
فَرِحت السماء لانضمام بَــار من أبرارهــا، وابن من أبنائهــا...، إليها، وحزنت الأرض لفقدانها ســاعي من أكبر وأنشط سُعاتِهــا لعمل الخــير والصــلاح، على قدر طاقته وأكثر من طاقته.
وحَزِنت الأرض لفقدانها إنســانًا من أكثر نشطائها في استثمـار وَزِنَاتِــه التي أعطاها له رب المجــد.
وفرحت السماء لأنه سينـال ما وُعِد به، فاستحــق أن ينــال فعلاً ما جاء بقول السيد المسيح (( نَعِمًا أيها العبد الصالِــح. كُنت أمينًا علي القليل والآن أُقيمك علي الكثير. أدخل إلى فـرح ســيدك )) (متى23:25) ففرحت السماء بدخوله لهذا الفرح.
وفرحت السماء لاســتقبالها هذا المُستثمر الحسن لِوَزَتاتِـــه لينعــم بالمكافآت السمائية الموعودة وليدخل إلى فرح ســيده وينعم بشرف مشاركته المائــدة والنعيم الأبــدي.
وحزِنت الأرض لأنها فقدت صَرحا كامِـلاً، بل في الحقيقــة مؤسســة مُتكامِــلة من العطــاء لم يكن ساعيًا إلى عمل الخير فقط .... بل كان هو الخــير نفســه، عاطِيــًا مِعطــاءً بكل رفاهة حِـس وصِدق وإحساس باحتياج المحتـاج، ولن أستطيع ولن يستطيع من عرفوا هذا الصَرح من العطــاء أن يزيدوا في هذا المجال .... مجال الخـير والعطــاء، حيث كان يُطبِــق بكل حـزم وصرامــة، قول الإنجيل المقدس (( وأما أنتَ فمتى صنعتَ صدقة فلا تعرِّف شِمالك ما تفعل يمينك ..)) متى (3:6).
وفَرِحـت السمــاء باحتضانها هذا الصَــرح العَطّــاء الِمعطــاء لَتُنعِمَــه في فردوســها لاســـتحقاقه ذلك الفردوس لينعــم جَــزاء عطائه.
حزنت الأرض لِفقدانها صوت من أصوات الحـق ..، ومُجاهِـدًا من مُجاهــدي المبــادىء، وعاملاً من أخلص العاملين لِرفع الظُلــم والاضطهــاد عن شــعبه المصــري القبطـي الأرثوذكسي، باذلاً في سبيل ذلك العمـر والجَهـد والمــال والصحــة في سبيل قولــه الحق جَهــرًا وبأعلي صــوت مهما أوجع وآلــم ذلك الصوت ســامعيه.
وبعيدًا عن فَــرِح الســماء وحُزْن الأرض، فإن الإنسان عدلي أبادير يوســف لَيُعْتَبر من أكبر مُسّــطِري أهـم الصفحــات المشرفة في كتــاب التـاريخ المصــري والقبطــي.
قول الحق عند عدلي أبادير الإنسان كان لا يخشي فيه لومــة لائــمٍ، بل كان كل ما يخشــاه...، أن لا يقول الحق والصدق مهما كلفه ذلك، إنسان دافع عن الحريــة ... وفي سبيل ذلك فقد هو، بالسجن حريتــه.
بقلب الأســد وشــجاعته خاطب الرؤســاء والملــلوك وكبار الشخصيات مُدافعًا عن أهله وشــعبه القبطي المصــري، مُتصــارعًا في ذلك مع المرض الخطـير، وصــارع وصَــرع كل مهاجمات عدو الخير له ولأعماله، ومقاومــًا كل ضعفات السن، ومترفعــًا ورافعًا هامته على صغائر وصِغَــار مُعاديه ...، وبــوداعة العظمــاء ومحبــة الأطفــال الأبريــاء، وحِكمــة وخــبرة الشيوخ المحنكين، عاش وعايش أهله وعشيرته المشاركين حياته والمحيطين به، في صــلابة الجبابــرة وصــلادة الصخــر ناضــل وكافــح في سبيل قضيته القبطية داخل مصــر لوقف اضطهاد الأقباط بمصر، وأول من كشف وفضح زيف الوهابية وخطورتها على الأمـة العربية كلها.
لن يكفي تدبيج ملايين الكلمات عن حياة وســيرة الإنسان عدلي أبادير ...لكن يكفي القول إنه فعــلاً كان شــمعة مُضيئــة في حيــاة الأقبــاط، وســيظل فنــارًا فِكريـًـا هاديــًا لكل من يتبعــونه، وإن كان اتبــاع نفس خطوات مسيرته وســيرته أصعب من الصعب على الكثيرين.
هو إنسان أعطاه الله من وَسَـعٍ، فكان أمينًا على هذا العطاء..، فشــارك إخوته في الــرب هذا العطــاء .. وبنفس الروح العَطَــاءة، لم يبخــل على الكنيسة الأم وعشرات الكنائس والأديــرة من أمانتــه على ما أعطاه الـرب له .... أعرف وأعلم عِلم اليقين أنه كــان.. - وكم لم يُطاوع القلم برغبة مُقَاوِمة من العقل أن لا يكتب كلمة كــان هذه - لكن هذا بالنسبة للفاني من الجسد، لكن بالانتقال للسمــاء لا توجد كلمة كان بعد، بل بقــاء وحيــاة أبديــة....، كان لا يسـمح بمثل هذه الأخبـار أو الكلمات تُقال عنه، لكن بفنــاء الجسد وبقــاء الأعمـال...، صارت هذه الأعمال والسيرة ملك للبشرية والإنسانية لتُصبح القــدوة الحســنة التي يُحتذى بهــا.
برغــم شــخصية عدلي أباديــر ونجاحاته في مجال الاقتصــاد والأعمــال...، لكنه عاش وعايش حيــاة الاتضــاع، وابتعــد تمامــًا عن الفرديــة وحُب الأنّــا، فرحــل تاركــًا صرحــًا قويــًا وغطــاءً ســميكًا لحمايــة كل أعمــاله ... بحيث انتقل هو بالجسد مُنفــذًا، وبقـــي بالــروح مُشــرفًا ..، وهاديــًا ..، ومٌصَلِيــًا من أجل نجــاح أعمــال:
(( مؤسســة الأقبــاط لحــقوق الإنســان ))
فعـلاً كان يؤمن بالعمل المؤسسي، فرحل وترك هذا العملاق الكبير، تلك المؤسسة التي ضمنها مؤسسة "الأقبــاط متحــدون". قاطعــًا خـط الرجعة على أي عمل فردي تَطَلُعــي علي هواة ومحترفي الصياح والعجيج بلا طحين.
نِياحــًا لروحه الطاهرة، التي سَتُكَمِل مسيرته الأرضية بالجسد، بالصلوت السمائية التي سيرفعها عنا وعن اضطهاد شعبه أمام رب المجد، وهو في أحضان الآباء والقديسين الأطهار.
وبقدر كل أعماله وبعيدًا عن فــرِح الســماء وحُزْن الأرض، فإن الإنسان عدلي أبادير يوســف لَيُعْتَبر من أكبر مُسّــطِري أهـم الصفحــات في تـاريخ المصــري والقبطــي.
بقدر ما بذله من ماله وجهاده وبذلــه وعطــائه .. يكون مقدار العزاء لأسرته العائلية ولأسرة الذين شرفوا بالعمل معه، وللأسرة الكبيرة من محبيه وأصدقائه وعارفيه، وللشعب القبطي قاطبة .. وأخيرًا وأولاً للكنيسة التي خدمها.
وَدّع هذا الإنســان عــامًا وحيــاة ...واستقبل حيــاة مــدى الأعـــوام
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :