الأقباط متحدون - الوشم .. عبادة الأصنام التى تحولت الى موضة
أخر تحديث ٠٩:٢٣ | الخميس ١٤ نوفمبر ٢٠١٣ | هاتور ١٧٣٠ ش ٥ | العدد ٣٠١٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

الوشم .. عبادة الأصنام التى تحولت الى موضة

الوشم .. عبادة الأصنام التى تحولت الى موضة
الوشم .. عبادة الأصنام التى تحولت الى موضة

 تحول الوشم في أيامنا هذه إلى أيقونة موضة. كان الأشخاص الذين يحملون وشمًا على أجسادهم، في الأزمنة الماضية، يُعتبرون خطرين أو تابعين للمافيا. ولكن رغم منع الدين للوشم على جسد الإنسان، تحول هذا الموضوع إلى عادة يومية ومقولة اجتماعية وسياسية

 
وأصبح من الصعب اليوم عدم أخذ انطباع عن موضة الوشم في التيّار المركزي الاجتماعي: رموز موضة، لاعبو كرة قدم، رياضيون متميّزون، مشاهير، جنود في جيوش مختلفة، سياسيون، نساء، بالغون وأبناء الشبيبة معتادون على القدوم على فترات متقاربة إلى معاهد الوشم ووشم صور، رسومات، مخططات، أحرف وتشكيلة من الأعمال الفنية.
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني
سجّلوا الآن!
 
غير أن الوشم لم يكن يحظى بسمعة طيبة في كافة الأزمنة. فمن الناحية العملية، تمنع كافة الأديان التوحيدية الوشم على الجسم، وهي تعزو هذه العادة القديمة إلى عبدة الأصنام، إفساد الجسم والتحدي لقوانين الباري الذي أمر الإنسان بإعادة جسمه كما أعطي له.
 
مصدر فن الوشم
يعود مصدر اسم الوشم إلى تاهيتي في بولينيزيا ومعناه "الإشارة". الوشم هو عملية يتم فيها الرسم على الجسم بواسطة مواد ملوّنة وحبر يتم إدخالها إلى الجلد بشكل دائم أو مؤقت.
 
ثمة شهادات لكتابات موشومة من حضارات قديمة. وتم في حفريات أجريت في أوروبا اكتشاف أدوات تعود إلى العصر الحجري المتأخر (بين 38،000 قبل الميلاد وحتى 10،000 قبل الميلاد) تم استخدامها على ما يبدو لصنع الوشم.
 
أول منع ظهر في كتب التاريخ كان في التوراة، يُمنع فيه الوشم: "لَا تَجْعَلُوا خَدْشًا فِي أَجْسَادِكُمْ مِنْ أَجْلِ نَفْسٍ مَيِّتَةٍ،‏ وَلَا تَجْعَلُوا فِيكُمْ عَلَامَةَ وَشْمٍ." (اللاويين، الإصحاح 19، الآية 28). يمكن أن نستخلص من منع التوراة لكتابة وشم أن صنع الوشم كان عادة سائدة لدى الشعوب التي حاولت التعبير عن ولائها للآلهة بواسطة الوشم.
 
وكانت هناك تقاليد عريقة من الوشم في اليابان القديمة. وكانت أول الكتابات عن ذلك هي مخطوطات من الصين، تتطرق إلى الوشم بشكل سلبي وترى فيه إشارة إلى الهمجية.‎ وقد أدى التأثير الصيني على اليابان إلى اليابانيين رأوا، في نهاية الأمر، في الوشم أمرًا سلبيًا، وفي مرحلة معينة بدؤوا باستخدام الوشم كوسيلة عقاب على أشنع الجرائم. تمت مقاطعة الشخص الموشوم من قبل عائلته وعاش على هامش المجتمع.
 
أصدرت الكنيسة الكاثوليكية أمرًا دينيا يمنع الوشم في العام 787 بعد الميلاد، ولكن من المعروف أن كافة الملوك الأنجلوسكسونيين اعتادوا على التزين بكتابات الوشم.
كتابات الوشم الفنية المؤقتة مقبولة في احتفالات الحناء في الشرق الأوسط، شمال إفريقية وآسيا.‎ من المعتاد في هذا الاحتفال رسم قوالب مركبة على اليدَين والرجلين بواسطة الحناء. ولكون طبقة الجلد في هذه المناطق (وخاصة لدى الرجال) سميكة بشكل خاص، يبقى اللون لفترة طويلة. على الرغم من أنه من المعتاد، في معظم الحالات، رسم مثل هذا الرسم على أيدي وأرجل العرائس فقط، إلّا أن هناك حالات في أماكن مثل بنغلادش، كشمير، والسودان يتوقعون فيها من العرسان التزين بالوشم قبل حفل الزواج. أما مكوّنات اللون فهي من مسحوق أوراق نبتة الحناء المخلوطة بسائل غامق مثل القهوة أو الشاي، عصير الليمون والسكر.‎ يكوّن الخليط مرهمًا يتم دهنه على الجلد. يكون لون الوشم حين يكون طازجا بلون بني مائل إلى الحمرة. مثل هذه الوشم يمكن أن يبقى على الجلد حتى أسبوعين على الأكثر، وعندها يتحول اللون إلى البرتقالي بالتدريج إلى أن يختفي.
 
في الإسلام أيضا، يعتبر التزين بالوشم خطيئة.. لا يوجد منع واضح في آيات القرآن لإفساد الجسم بواسطة الوشم، بل حسب الحديث الذي ينسب إلى النبي محمد فإن كل من يفسد جسده بواسطة الوشم يكون ملعونا، وكما ذُكر: حدثنا‎ ‎عثمان‎ ‎حدثنا‎ ‎جرير‎ ‎عن‎ ‎منصور‎ ‎عن‎ ‎إبراهيم‎ ‎عن‎ ‎علقمة‎ ‎قال‎ ‎عبد الله‎ ‎‎" ‎لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى مالي لا ألعن من لعن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله‎" ‎
لذلك من الصعب جدًا أن نرى مسلمين في الشرق الأوسط يتفاخرون بالوشوم الموجودة على أجسامهم لأن هذه العادة تعتبر مُحتقرة. لم يُذكر سبب منع وشم الجسم في الإسلام ولكن محللين إسلاميين كبارًا يقدرون أن السبب يعود إلى التغيير الذي يطرأ على الجسم، في خلق الله لجسم الإنسان.
 
من الواضح أن هناك مسلمين كثيرين في العام قرروا، على الرغم من ذلك، أن يشموا أنفسهم: في توثيق نادر أجرته شبكة العربية من العام 2007، وُجد في المملكة العربية السعودية بالذات أن هناك صناعة سرية للوشم. يُستشف من التحقيق أن النساء والرجال على حد سواء معتادون على القدوم إلى صانعي الوشم طالبين رسم صور وأشكال مختلفة على أجسادهم. خلافا للمجتمعات الأوروبية أو الآسيوية، يطلب الرجال في مجتمعات الشرق الأوسط، في معظم الأحيان، رسم إشارات الحالة والقوة على أجسامهم على شكل ثعابين وجماجم، وأما النساء فيفضلن تزيين أجسادهن بإشارة الحب، الفراشات، والزهور على أنواعها.
 
الوشم كتعبير اجتماعي - سياسي
 
إن قرار صنع الوشم يطرح أسئلة نفسية واجتماعية مثيرة للفضول، مثل: ما الذي يحدو بالإنسان إلى مثل هذا القرار الهام (نقش لا يُمحى عن الجسم)؟ لماذا يفضل هذه الرسمة بالذات على رسوم أخرى؟ ماذا يعلمنا الاختيار عن شخصيته؟ ما هي الجانرات الشعبية بشكل خاص بين أوساط السكان الموشومين؟
 
من غير المعروف وجود أبحاث نفسية علمية فحصت الإجابات عن هذه الأسئلة. ولكن يمكن محاولة اقتراح بعض التفسيرات التي يقبلها المنطق جزئيًا، وبالأساس حول السؤالَين: لماذا يقرر الناس أن يشموا أنفسهم، وما الذي يحاولون التعبير عنه بواسطة الوشم؟‎
رجل علماني على جسمه وشم بالقرب من حائط المبكى (Flash90/Neal Badache)
 
رجل علماني على جسمه وشم بالقرب من حائط المبكى (Flash90/Neal Badache)
 
كان الوشم يُستخدم في العالم القديم، من بين أمور أخرى، كوسيلة للحفاظ على التقاليد والهوية الجماعية. لقد روت الوشوم أعمالا بطولية، نجاحات في الصيد، انتصارات في المعركة، تنقلات وغيرها. كانت هناك قبائل استخدم فيها الوشم كوسيلة لإظهار الشرف والردع - مثل أزياء الجندي وأوسمته.‎
 
ثمة حالات معروفة كان هدف الوشم فيها خدمة صانعي الوشم وليس الموشومين - وبالأساس حين حاولوا إسناد وصمة عار بالإكراه على العبيد، اللصوص، المغتصِبين، ومستبعَدين آخرين.
 
يكون الوشم في العديد من الحالات تعبيرا عن الولاء القوي - للمحبوب/ة، لله، للدولة، وما شابه ذلك. الرسمة أو الرمز المطبوعان على الجسد بشكل دائم يقولان "أنا لك إلى الأبد".‎
 
إن الدافع إلى صنع الوشم، مثله مثل الدافع إلى شراء ثوب أو صنع تسريحة شعر أيًّا كانت، ينبع على ما يبدو أيضا من الميل الأساسي إلى التقليد (في العديد من المرات يكون ذلك في أعقاب المشاهير)، المنتشر بالأساس بين أوساط الشباب ومن ضغط اجتماعي تتم ممارسته عليهم ويؤدي بهم إلى تبني تصرف ما دون علاقة بذوقهم الشخصي.
 
في بعض الأحيان يصنع الإنسان وشمًا لنفسه لسبب معاكس للجماعية والتقليد، أي من الرغبة في إظهار الجرأة، الاستقلالية والاستثنائية، ونتيجة لذلك استقطاب الانتباه والحصول على اعتراف اجتماعي.
وشم المسيح (Religious Tattoo)
 
وشم المسيح (Religious Tattoo)
 
ثمة علماء نفس يعتبرون الوشم نوعًا من التمرد الشبابي. حسب ادعائهم، يلعب الجسم في فترة تعريف الهوية الذاتية وبلورة الجنسوية دورا هاما ومركزيا في حياة المراهق، ويشكل أساسًا للشعور بالقيمة والنظرة إلى الذات. كأن المراهق يعلن برسم الوشم على جسمه، "أنا سيد جسدي، وليس الأهل أو المعلمون الذين يكثرون من إصدار الأوامر لي". يجدر الذكر أنه قد تم في آداب الشعوب توثيق حضارات قبلية في الماضي (في الهند وفي التيبت مثلا)، حيث ساعد الوشم فيها على اجتياز فترة مليئة بالمشاكل في الحياة، مثل المراهقة والحمل. في هذا الحال، يصبح الوشم جزءا من احتفال اجتماعي بالبلوغ.‎
 
يشكل الوشم في حالات كثيرة نوعا من يافطة الهوية والانتماء أيضا - بالأساس بين مجموعات الرجال. فبواسطة رسم الوشم، يعبرون عن نوع من رباط الدم الذي يوحدهم، ويعبرون عن وفائهم للمجموعة وعن اعتزازهم بها. هناك حالات يكون الوشم فيها نوعا من تذكرة الدخول أو شهادة الحلال لطائفة أو مجموعة مقفلة. على سبيل المثال، بين أوساط وحدة نخب عسكرية، عصابات إجرام، وطوائف دينية. الرموز الدينية، مثل الصليب، الهلال، أو نجمة داوود مترشة بشكل خاص في ثقافة الوشم (فعلى سبيل المثال جرت العادة بين أوساط يهود الولايات المتحدة وشم أنفسهم برموز يهودية تعبيرًا انتمائهم الاجتماعي والديني). الوظيفة مزدوجة: الإشارة إلى الانتماء الديني وتعويذة من الحظ والحماية من عين الحسود.
 
إحدى اللحظات التاريخية الأكثر صعوبة في تاريخ الوشم بالإكراه كانت في أواخر الحرب العالمية الثانية، في معسكر الإبادة أوشفيتس، حيث أضيف إلى أسلوب الإشارة إلى السجناء بواسطة مثلثات قماشية ملونة على الملابس، أسلوب إشارة خاص بواسطة وشم رقم السجين على جسمه: السجين الذي وجُد أنه مؤهل للعمل وُضعت إشارة على ثيابه وجسمه عبر رقم. الأرقام التي حملها الناجون من النازية على أذرعهم اعتبرت طيلة سنوات ذاكرة مريرة من أوشفيتس، وهي إشارة أخرى من الإشارات المروّعة في الحكم النازي. يوجد في إسرائيل ناجون كثيرون ما زالوا يحملون على أجسامهم هذه الإشارة الصعبة. قرر شباب كثيرون مؤخرًا، وفي خطة اجتماعية استثنائية بشكل خاص، وشم الأرقام التي تم وشمها على أيدي أجدادهم وجداتهم، كتعبير عن التعاطف واستمرارية ذاكرة الكارثة. كثيرون من الموشومين الجدد تعرضوا بطبيعة الحال إلى الانتقاد وإلى أسئلة كثيرة عند اكتشاف العادة المتجددة، ولكن من ناحيتهم هذه العملية تعتبر مهمة للإلهام، للاعتزاز بحياة من انتصروا على الموت وتاريخ الموت في ألمانيا النازية: انتصار الحياة على الموت.
 
قد يُستخدم الوشم في حالات معينة كوسيلة اتصال للاحتجاج السياسي والاجتماعي - على الغالب لدى مجموعات هامشية، عنيفة، ومتطرفة - مثل الرسوم الجدارية، الشعارات الإعلانية، أو الكتابات على القمصان. على سبيل المثال، الشيوعيون يحبون بشكل خاص صورة الثوري الكوبي تشي جيفارا، والنازيون يحبون الصليب المعقوف.‎
 
سواء كان الوشم معدًا للزينة أو كتعبير اجتماعي، سياسي، أو موضوي، يبدو أن تزيين الجسم قد تحول في السنوات الأخيرة إلى موضوع يشغل الكثير من الناس ويثمر، إلى جانب النقاشات حوله، أرباحًا مالية جيدة.
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter