د.عبدالخالق حسين
لا شك أن السيد نوري المالكي أصبح اليوم من أكثر الشخصيات السياسية العراقية إثارة للجدل في كل ما يقوم به، ولعل زيارته الأخيرة لأمريكا كانت الأكثر إثارة للجدل العنيف بين السياسيين والكتاب. ففي رأي خصومه كل ما يفعله المالكي هو شر مطلق وتبذير لأموال الشعب!!.
يحكى أن ﺳﻔﻴﻨﺔ كانت تشق ﻋﺒﺎﺏ ﺍﻟﺒﺤﺮ وعلى متنها مائة بحار، 99 منهم من عشيرة واحدة، وواحد فقط من عشيرة معادية. فراح التسعة والتسعون بحاراً يدعون الله أن تغرق السفينة لكي يهلك هذا البحار. دائماً أتذكر هذه الحكاية وأقارنها بما يحصل لمن تضعه الأقدار رئيساً للحكومة العراقية، حيث يُلحِق خصومه أشد الأضرار بالشعب نكاية بهذا المسؤول.
يمكن التأكد من هذه الحقيقة بمراجعة سريعة لمواقف النواب البرلمانيين والعديد من الكتاب والإعلاميين. لقد رفض النواب في عدة مناسبات التصويت على قانون إعمار العراق، والكهرباء، وأي مشروع خدمي أو اقتصادي نافع للشعب، لاعتقادهم أن تمرير هذه القوانين يكون في صالح رئيس الوزراء نوري المالكي، تخدمه لأغراض انتخابية وتزيد من شعبيته، ولذلك يفضلون الإضرار بالشعب كله نكاية بالمالكي. وهكذا كل قانون في صالح الشعب لم يتم التصويت عليه إلا بعد أشهر من الصراعات والمعانات والتسويف والمماطلات والمقايضات... وفي المحصلة النهائية الشعب هو الذي يدفع الثمن.
ظاهرة إلحاق الأذى بالشعب بغضاً لرئيس الحكومة تجلت بأوضح أشكالها عند زيارة المالكي الأخيرة إلى واشنطن. فمن المعروف أن هذه الزيارة كانت بدعوة من الإدارة الأمريكية قبل عدة أشهر، وتم تأجيلها بطلب من المالكي إلى أن تحققت في يوم 29/10 2013. ولكن الخصوم لم يريدوا لهذه الزيارة أن تمر بسلام، لذا اثاروا حولها ضجيجاً عالياً للتقليل من أهميتها وما حققته من منافع للشعب العراقي وخاصة في مجال دحر الإرهاب. بدأت الحملة قبل الزيارة بأسابيع بمقالات لفخري كريم صاحب جريدة المدى، وجوقته، أدعو فيها أن الرئيس الأمريكي أوباما رفض لقاء المالكي في نيويورك بمناسبة اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة مما أدى إلى غضب المالكي ورفض السفر إلى نيويورك!!. طبعاً قصة مفبركة. ثم أذيعت أخبار زيارة المالكي إلى واشطن، وهنا راحوا يبحثون عما يخدمهم، فلم يحصلوا على شيء فراحوا يفبركون الأكاذيب، مرة أن المالكي هو الذي ألح على الزيارة، وأخرى أن الدعوة لم تكن من الرئيس أوباما، بل من جو بايدن نائب الرئيس، نسي هؤلاء أن القضية بروتكولية ليس غير، فالرئيس يوجه الدعوة لرؤساء الجمهوريات، أما نائب الرئيس الأمريكي فهو بمثابة رئيس الوزراء في النظام الأمريكي، وبالتالي هو الذي يوجه الدعوة إلى رؤساء الحكومات.
وأخيراً تمت الزيارة وشاهدنا اللقاءات الودية على شاشات التلفزة وترحيب المسؤولين الأمريكيين بالوفد العراقي بمن فيهم الرئيس أوباما، وكلها كانت ناجحة. ولكن الخصوم ركزوا هنا على رسالة رفعها خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بينهم جون مكين، في محتواها لا تختلف عما يردده رئيس الكتلة العراقية أياد علاوي وأمثاله في لقاءاتهم مع الإعلام مثل إدعائهم بتهميش الأقليات، وتفرد المالكي بالحكم ، وعلاقته بإيران...الخ، ويطالبون الرئيس أوباما أن يفرض بعض الشروط على المالكي مقابل الدعم الأمريكي له. وهذه المسألة جداً طبيعية في دولة مؤسسات ولوبيات مثل أمريكا، فبإمكان أية جهة شراء لوبيات وتسخير شركات العلاقات العامة بالمال. وحتى بعض المقالات السلبية التي نشرت في الصحافة الأمريكية ضد الزيارة، وكما قال جو بايدن، أن هذه الظاهرة نتاج الصراع الأمريكي- الأمريكي، وليس المقصود بها العراق أو السيد المالكي.
ثم تم اللقاء بين الوفدين العراقي برئاسة المالكي والأمريكي برئاسة أوباما، الذي استغرق أطول ما يسمح له من وقت في مثل هذه اللقاءات الرسمية، ولكن "جماعة الخير"، ولغاية في نفس يعقوب، ادعوا أن اللقاء كان مختصراً، وأن المالكي لم يرحب به مما اضطر إلى قطع زيارته قبل الموعد المحدد. وهذا أيضاً كذب في كذب، إذ كان قد خطط للزيارة أن تكون خمسة أيام من ضمنها يوم للذهاب ويوم للعودة، ولما أنجزوا كل ما يريدون عاد الوفد في وقته المحدد أيضاً. وقد بلغ بهم الحقد إلى حد ان راحوا يركزون في انتقادهم للمالكي عن لون بدلته، وعدد ابتساماته وأنه لا يعرف التحدث باللغة الإنكليزية، بل وحتى عن حركة يديه وغيرها من الهراء الفارغ الذي يدل على إفلاسهم الفكري والأخلاقي.
لم يكن هذا الموقف السلبي من بعض الجهات السياسية المعروفة بعدائها للمالكي وحكومته فحسب، بل وشمل حتى بعض المحسوبين على كتلة التحالف الوطني التي ينتمي إليها المالكي، مثل السيد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، والدكتور أحمد الجلبي رئيس حزب المؤتمر "الحزب الذي لا يعرف الناس عضوا آخر فيه غير رئيسه" على حد قول تقرير موقع المسلة(1). فالأول أصدر بياناً تهجم فيه على المالكي قال فيه: (إن المالكي ذهب إلى واشنطن "لاستجداء سلاح من أمريكا وأن زيارته كلفت ملايين الدولارات وأنه ذهب إلى واشنطن دون إذن من البرلمان". ورد بيان رئاسة الوزراء بأن "مثل هذه الزيارات تدخل في إطار مسؤولية رئيس الحكومة الذي لا يوجد مانع دستوري لها، كما أنها لا تحتاج إلى إذن من أحد." وأضاف البيان أن "العراق لم ولن يستجدي سلاحا من أية دولة... إنما يطلبه علنا للدفاع عن الشعب الذي استباحت دماءه وحرماته العصابات الارهابية." (2)
في الحقيقة إن بيان مقتدى الصدر يصب في صالح المالكي، فزعيم التيار الصدري كغيره من خصوم العراق الجديد، لا يريد أن يمتلك العراق أسلحة وأجهزة متطورة لمواجهة الإرهاب، ونحن نعرف أن أمريكا هي مصدر التكنولجيا في جميع المجالات، فإن لم نطلبها من أمريكا فكيف يمكن لقواتنا الأمنية مواجهة الإرهاب ودحره؟
أما الدكتور أحمد الجلبي فكتب على تغريدته أن زيارة المالكي كلفت 100 مليون دولار. ولا نعرف من أين حصل على هذه المعلومة. ربما ينبري أحدهم ليقول: ألم تسمع بويكيليكس؟ إذ صار مألوفاً لكل من يريد تمرير الأكاذيب فينسبها إلى ويكيليكس ليجعل من أكاذيبه حقائق ناصعة غير قابلة للدحض!!.
و رد السيد علي الموسوي، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء نوري المالكي على الجلبي قائلاً ان الكلفة الكلية لزيارة الوفد العراقي برئاسة رئيس الوزراء نوري المالكي الى واشنطن كانت 50 الف دولار فقط ، ... ". وأضاف الموسوي ان “حديث الجلبي يدل على الإفلاس وعدم دراية ونأسف لان يلجأ شخص كان يعتبر نفسه سياسيا مهما والآن هو نائب في البرلمان العراقي الى هذه الأكاذيب والمبالغة وخصوصا عندما يتحدث عن مبلغ 100 مليون دولار”.(3)
هل حقاً كانت الزيارة فاشلة؟
لا نريد أن نطيل في الرد على كل ما كتب عن هذه الزيارة من قبل الذين يرون النجاح فشلاً، فهذه خاصية عراقية بامتياز، فهم دائماً يعادون النجاح ويحاولون وضع العراقيل أمام أي إنسان يسعى لخير بلاده. فالغرض الرئيسي من الزيارة كان البحث في أهم الملفات: تسليح القوات العراقية بالأسلحة الحديثة، والتقنيات المتطورة لمحاربة الإرهاب، وتذكير واشنطن بالتزاماتها تجاه العراق في إطار الاتفاق الاستراتيجي، وبحث القضايا الإقليمية مثل القضية السورية، والنووي الإيراني."وتم البحث في جميع هذه الأمور، واستجابت الإدارة الأمريكية لكل طلبات الوفد العراقي، وصدر بيان ختامي بحقها(4).
وبشهادة الدكتور سعدون الدليمي، وزير الدفاع وكالة والعضو الأساسي في الوفد قال في لقاء في فضائية العراقية مساء الأربعاء 6 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أن الأمريكان استقبلوهم بكل حفاوة وحميمية، ومن علامات هذه الحميمية، أن اللقاء بين الوفدين: العراقي برئاسة المالكي، والأمريكي برئاسة أوباما كان المخطط له ساعة واحدة، دام 3 ساعات، وطرح كل شيء في هذا اللقاء. ندرج أدناه رابط لفيديو ينقل جزءً من هذا اللقاء. فهل هذه علامة من علامات الفشل؟
كذلك اللقاء المغلق بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء المالكي، كان مخططاً له لمدة 45 دقيقة، فدام 3 ساعات أيضاً، وهذا نادر في اللقاءات الرسمية. فهل هذا يدل على فشل الزيارة؟
وأخيرا، وكما قال الدكتور الدليمي، أن نائب الرئيس الأمريكي جو بايدين دعى الوفد العراقي إلى منزله لوجبة غذاء أو إفطار، وهذا أيضاً نادر جداً في الدول الغربية في تعامل المسؤولين مع الوفود الرسمية. فهل هذا دليل على الفشل وعدم الاحتفاء بالوفد العراقي؟
إضافة إلى لقاء الوفد مع وزير الدفاع جاك هاجل الذى دعا إلى عمل مشترك لدحر الإرهاب وزيادة التعاون والتنسيق لإلحاق الهزيمة بالقاعدة. كما واستضاف الجانب الأمريكي الوفد العراقي لزيارة معرض في البنتاغون لمشاهدة أرقى ما توصلت إليه أمريكا من تكنولوجياً المتطورة في جميع المجالات ومنها القضايا العسكرية، وفي محاربة الإرهاب، وقد استجابوا لكل طلبات العراقيين من أجهزة وأسلحة بما فهيا طائرات الهليكوبتر الأباتشي، أغلبها ستصل العراق في نهاية هذا الشهر ونهاية هذا العام، حسب ما صرح به الدكتور سعدون الدليمي للفضائية العراقية.
والجدير بالذكر وكما ذكرنا مراراُ أن هناك جهات في الداخل وحكومات في الخارج لا تريد الخير للعراق، فتعارض تسليح الجيش العراقي لإبقاء العراق ضعيفاً في مواجهة الإرهابيين، وليتهموا الحكومة العراقية بالضعف وعدم قدرته على حماية شعبه.
معلومة خطيرة أدلى بها الدكتور الدليمي للفضائية العراقية، أنه عندما تفاوضوا مع روسيا لشراء طائرات متطورة لا تبيعها روسيا للأجانب لأنها خاصة بالجيش الروسي، ومع ذلك وافقت حكومة الرئيس بوتين على بيعها للعراق. يقول أن حكومة عربية طلبت من روسيا عدم بيع العراق هذه الطائرات وأنها مستعدة لشرائها بضعف السعر الذي يدفعه العراق (ولم يذكر اسم هذه الدولة الحاقدة، ولكننا نعرف أنها إما السعودية أو قطر، فهما تمتلكان الأموال وتمولان الإرهاب في العراق وسوريا). فمتى يفهم العراقيون المخاطر التي تحيق بهم وما يخطط ضدهم؟
نعم لعلاقة استراتيجية متكافئة مع أمريكا(5)
مرة أخرى نذكِّر المسؤولين العراقيين، أن العراق يواجه حرب ابادة الجنس من قبل الإرهاب الدولي، لذلك فهو بأمس الحاجة إلى علاقة استراتيجية متكافئة مع الدولة العظمى، أمريكا، وبدون هذه العلاقة لا أمل للعراق في خلاصه من الإرهاب والتمزق والتشرذم، خاصة وأن الأمريكان هم الذين يلحون على هذه العلاقة وذلك لعلمهم بمستقبل العراق المشرق فيما إذا تم دحر الإرهاب ووحد العراقيون كلمتهم. فهناك مسؤولون عقلانيون في الإدارة الأمريكية يدركون هذه الحقيقة، ويعملون على هذا النهج، لأن أمريكا تتحمل مسؤولية أخلاقية لما يجري في العراق، إذ كما كتب السيد رايان كروكر، السفير الأميركي السابق في العراق قائلاً: "نحن مرتبطون بقوة بالنظام السياسي العراقي... لأننا ساعدنا في خلقه، ولدينا الآن فرصة لعلاقة جديدة تماما مع العراق وبحاجة للتعامل معه كحليف، وليس تركه لمصيره."
خلاصة القول، رغم كل ما قيل عن هذه الزيارة من قبل جوقة فخري كريم ومقتدى الصدر والبعثيين وحلفائهم من أقاويل وافتراءات وهذيانات كدليل على يأسهم وحقدهم على النجاح، نستنتج من كل ما تقدم، أن زيارة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي والوفد المرافق له إلى أمريكا كانت موفقة وناجحة، حققت كل الأغراض المرجوة منها لخدمة الشعب العراقي وعلى رأسها دحر الإرهاب، ولاقت ترحيباً سياسياً من قبل المسؤولين الأمريكان وعلى رأسهم الرئيس أوباما، كما هو واضح من هذا الفيديو، يرجى فتح الرابط: لقاء االمالكي - اوباما http://wh.gov/lW6SS