ليس مهما أن أكون فى شهرة لارى كنج ولن أكون، ولا فى ثراء الوليد بن طلال ولن أكون، ولا فى وسامة حسين فهمى ولن أكون، ولا فى أناقة مصمم الأزياء الفرنسى سمالتو ولن أكون، ولا فى خفة دم عادل إمام ولن أكون. المهم هو: هل أنا «مؤثر» أم «غير مؤثر»؟ والمقصود هنا بالتأثير أى القدرة على «النفاذ إلى عقول الناس» أو بعض الناس. والذين يملكون التأثير عادة هم الزعماء والساسة والشخصيات التى تملك «الكاريزما»، والكاريزما هى خلطة من قوة الشخصية مضافاً إليها الجاذبية وشىء آخر خفى ولا نعرف كنهه.. لعله هبة من السماء. هناك مثلاً عشرات الألوف من الشخصيات العامة لا تؤثر فى الناس مهما قالت ومهما بذلت من جهد. وفى علم نفس الإبداع يقال إن من يملك التأثير على الناس هو من «اعترف المجتمع بقيمته وقدره». لقد كنت أطرح على نفسى هذا السؤال «هل أنا مؤثر؟» فى محطة من محطات العمر، أحاول أن أقيس فيها حجم تأثيرى ولو بنسبة ضئيلة بعد قرابة أربعين عاماً وأكثر، أكتب وأحاور وأتكلم على الشاسات وأطبع الكتب وأخرج للناس عبر النت، صوت وصورة، كنت أتساءل: ما مقياس التأثير فى مجتمع مزاجه العام كالفصول الأربعة؟ هناك - مثلاً - مذيعة تليفزيون جميلة، ذلك الجمال الأنثوى المتعارف عليه ولكنها بسبب ضحالتها غير مؤثرة، هناك كاتب مفرط فى الكتابة ويدون الصفحات ولكنه غير مؤثر بالمرة، هناك رئيس حزب يتكلم بمناسبة وبدون مناسبة وربما يسقط من الإعياء، وثلث شخصيات التوك شو الليلى لا نستطيع أن «نصدقهم» مهما أطلوا علينا بانفعالات حسين رياض وصوت يوسف وهبى ودموع أمينة رزق، أن أعلى رتبة للشخص العام - رجلاً أو امرأة - أن نصدقه. وتحت كلمة نصدقه عشرة خطوط. إننا نصدق أم كلثوم وفيروز وحليم وأصالة وديانا حداد فى الغناء والشدو. ونصدق أحمد زكى ومحمود مرسى ويحيى الفخرانى - مد الله فى عمره - فى التمثيل، ونصدق يوسف إدريس وأحمد بهاء الدين ومصطفى محمود والأبنودى، حين يكتبون، إنهم ينفذون للعقول بلا عناء. ومن صفات الشخصية المؤثرة فى الناس، مصداقيتها، وبحجم المصداقية يكون حجم التأثير. والمصداقية هى: ١- ثبات القناعات. ٢- عدم التلون. ٣- الذوبان المطلق فى الوطنية ٤- المواقف الراسخة مهما كانت صادمة. ٥- لا آراء معلنة وأخرى سرية. ٦- تحمل تبعات الرؤى بنفس راضية وإيمان عميق. ٧- التحضر فى السلوك.
إن فى المجتمع أراجوزات تدعى الوطنية وأقزاماً يصعدون على أكتاف عمالقة يعرفهم الناس بجلاء، وليس بالضرورة أن يتمتع المؤثر فينا، بطلة الوجهاء وابتسامات الإعلانات، فقد كان فى حياتنا رئيس وزراء «ينطوى على نفسه»، ولكنه مؤثر - بفكره - فى اقتصاد بلد واسمه د. عاطف صدقى، وكان فى حياتنا وزير ثقافة يكره البروباجندا ولكنه كان مؤثراً بإنجازات ثقافية عاشت واسمه ثروة عكاشة، إن التأثير فى الناس يأتى بحرف زائد حرف حتى تتعانق الحروف وتصبح جملة مفيدة تدعو غالباً إلى التفكير والسلوك.
لماذا عاش فى الذاكرة جمال حمدان وسلامة موسى وسيد عويس، لأن أفكارهم تؤثر فينا جيلاً بعد جيل. أقوال تؤدى إلى «أفعال» وذلك هو جوهر التأثير. والعالم المتحضر يقيس القدرة على التأثير بدءاً من محاضرة لأستاذ جامعى فى مدرج إلى زعيم سياسى يخطب فى الناس، وهناك وسائل إلكترونية حديثة جداً تقيس نسبة التأثير رغم أنها قضية معنوية، إن شحذ الإرادة وتحريك السكون ومراجعة الأفكار وتغيير السلوك هى النتائج من وراء القدرة على النفاذ والتأثير. أنا لا أنكر تأثير «الدين» على الناس فى مجتمع متدين أصلاً قبل أن يأتى من وظفوه فى السياسة وحولوه إلى أداة تخدم مصالحهم، حتى كره الناس بعض «اللحى الآثمة». كان الشعراوى ببلاغته يؤثر فينا وهو يفسر القرآن. كان الباقورى يؤثر فينا بسماحته ووسطية إسلامه، كان مصطفى محمود يؤثر فينا بهذا المزيج الهائل من البساطة فى شرح العلم مع الإيمان، إن مهمة من يؤثر فى الناس «إقناعهم» وهى مهمة صعبة لأنها تتعلق بالمنطق فى مجتمع عاطفى حتى الثمالة، يهتف «يحيا» وربما بعد أسبوع يهتف «يسقط» لنفس الشخص. إن اختيار «المؤثرين» فى حياة الناس يساعد على رفعتها «الدولة» لأنهم يستخرجون أفضل ما فى البشر، حذار من رجل عام جاء بالصدفة أو بالإلحاح أو بالظروف، فهؤلاء لا تأثير لهم كالحمل الكاذب.
أما أنا، فلن أكف - بقية عمرى - عن الكتابة أو الإذاعة أو التحاور مع الناس وعن الناس، فالناس هم «المادة الخام» لكاتب أو محاور قرر أن تكوه حياة الناس خبزاً يومياً له!
نقلا عن المصرى اليوم