الأقباط متحدون - الفكاهة لا تعرف السخرية
أخر تحديث ٠٤:٠٠ | السبت ٩ نوفمبر ٢٠١٣ | بابه ١٧٣٠ ش ٣٠ | العدد ٣٣٠٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

الفكاهة لا تعرف السخرية

صوره تعبيريه
صوره تعبيريه

 أحيانا تقودنا اللغة إلى مشاكل نعاني منها زمنا طويلا، مثل تعبير «الكاتب الساخر»، وهو ترجمة غير صحيحة، وإن كانت سائدة لكلمة «satirist» الإنجليزية، المشتقة من كلمة «satire» التي لم نستقر على ترجمة صحيحة لها حتى الآن، وهو ما دعا قدامى السيناريست في مصر لتسميتها «الساتيرا».

فما هي هذه «الساتيرا» أو الـ«satire»؟
هي فرع من فروع الفكاهة أقرب إلى الهزلية «farce»، وهي تحتل مساحة زمنية أقل بكثير من المسرحية الكوميدية، وليست في حاجة إلى خشبة مسرح تقدم عليها، بل هي تتنكر دائما على هيئة مقال صحافي، يقوم بنفس الدور الذي تلعبه النكتة في حياتنا، هي تدفعك إلى الضحك أو على الأقل تنتزع منك ابتسامة، بما تكشفه لك من خطأ شائع في حياتك. هذا هو بالضبط دور الكاريكاتير أيضا، هو «ساتيرا» لم يستخدم القلم في كتابتها، بل الفرشاة وأدوات الرسم. إذا كنت من قرائي فلا بد أن تذكر ما نشرته عن الضيف اللطيف الذي زارني في غرفتي في المستشفى ثم تحاور معي. هو ليس مقالا بل «ساتيرا». هي مسرحية مكونة من مشهد واحد، غير أنك تستطيع الوصول بسهولة إلى الهدف منها، وهو أن هؤلاء الجهاديين الإرهابيين التكفيريين يمارسون نشاطهم بدافع من الرغبة في الموت، موتهم أو موت بقية خلق الله. وهي الرغبة الناتجة عن عجزهم الفاضح عن التعامل مع الحياة بكل ما تحفل به من جمال وخير وثراء. هذا هو المعنى الذي كان من الممكن أن يقوله الكاتب بشكل مباشر في مقال، ولكنه استخدم «الساتيرا» لكي ينقل إليك نفس الرسالة ولكن في إطار فني ممتع. عند هذه النقطة سأنتقل بك إلى مصطلح قديم قاله الشاعر والناقد الإنجليزي تي. إس. إليوت، وهو «المعادل الموضوعي» الذي كان كبار النقاد القدامى يتحدثون عنه كشرط أصيل للإبداع. أنت لا تنقل على خشبة المسرح الواقع كما هو، بل تبحث عن معادل موضوعي له.. أي تصنع عالما جديدا بملامح مختلفة عن الواقع لكي تنقل إلى الناس حقيقة هذا الواقع ذاته فلا يستطيعون تجاهلها أو الهرب منها. وفي كل هذه الأحوال، أنت لست بحاجة إلى أن تهين أحدا أو تسخر من أحد. اقرأ كل الحواديت والأساطير القديمة لتكتشف أنها جميعا التزمت بهذا الشرط في الإبداع لكي تستطيع الصمود على مر الزمن تنقل الحكمة والمتعة من جيل إلى جيل.
اسمح لي أن أشرح لك هذا المصطلح بطريق أبسط. أنت تحصل على شهادة من الخارج في تخصص معين، ولكنك عندما تعود إلى بلادك تتقدم إلى وزارة التعليم العالي طالبا معادلة شهادتك بشهادة محلية.. هي معادلة في الموضوع، والهدف منها هو المزيد من الوضوح في طبيعة الشهادة التي حصلت عليها. الواقع حولك هو الشهادة الأجنبية، والإبداع يطلب منك تقديم معادل لها.
إنني أكتب لشاب لا أعرفه، وكلي أمل في أن أساعده على أن يكون كاتبا كبيرا في حقلي الكوميديا والفكاهة.

نقلا عن الشرق الاوسط

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع