أرنست أرجانوس جبران
تكملة لما كُتبَ فى المقال السابق ، أقول إن الوقت أصبح مقصراً .. وقد سئم الكاتب والقارئ والمستمع من كثرة الكلام .. لأننا أصبحنا كما ندور فى ساقية .. ساقية أيام زمان .. والتى قد لا يعرفها أبناء هذا الجيل .. فيا إبنى ، الساقية هى عجلة كبيرة بجانب النهر تكون مثبتة عليها عدة أوانِ تُملأ بالماء وتفرغ ما ملأته على الأرض الزراعية من خلال قنوات خاصة للرى .. وهذه الساقية تدور بواسطة ثور مغلوب على أمره .. يدور ويدور .. حتى يخور .. أو حتى ولو أصابه الدوار .. لا معين .. وهكذا نحن .. إلا وللاسف الشديد سواقينا .. من نوع آخر حيث نسميها " ساقية جحا " التى تدور وتصب ماءها فى النهر مرة
أخرى.. هذه هى سواقينا التى تدور بأفكار تسيّرنا الى الخلف .. وعلى الرغم من أن جميع وسائل الإحباط المحيط بنا من كل جانب ، ألا أننا نمتلك الرجاء والعزيمة نحو التغيير نحو الأحسن .. فلابد وأن نكشف تلك الأفكار .. ونرفع عنها الأستار والبراقع السوداء والتى انتشرت فى هذا الزمان .. والذى هو بنفس لون تلك البراقع ..ويا فتاح يا عليم ..!! وإليكم هذا الخبر ..الذى يؤكد أمثال هذه الأفكار الإنتحارية .. هذا الخبر .. الذى آخرهُ "مِسْك" .. نعم مِسْك فى الإتجاه المعاكس ..يقول الخبر والذى جاء على صفحات الأقباط متحدون "أسامة عاطف 23 أكتوبر" " إنتحارى أفغانى حاول تفجير نفسه داخل سوق تجارى مكتظ بالنساء والأطفال وسط مدينة كابل . لكن تصدت له قوات الأمن والشرطة وأفشلت المحاولة قبل أن يضغط على زر التفجير و تم إبطال مفعول الحزام
الناسف فى الوقت المناسب . وعقب تفتيشه تفتيشاً دقيقاً عثروا على جسم معدنى سميك مصنوع من مادة التيتانيوم مقاوم للإنفجارات محيط بقضيبه الذكرى. وعندما سأله ضابط التحقيق عن سبب إحاطة قضيبه الذكرى بهذا الجسم المعدنى الصلب أجاب بأنه يريد أن يحافظ على قضيبه معافى سليماً من العيوب والإصابات حتى لا تواجهه مشاكل جنسية جسيمة عندما يهم بمضاجعة 72 حورية فى الجنة" إنتهى الخبر. وجاء دورى لأدلى بدلوى .. لا أدرى .. قلت فى نفسى .. من أين يأتى أصحاب تلك الأفكار بمثل هذه الأفكار "الجهنمية" والتى بالفعل تقودهم الى جهنم وبئس المصير .. بدأت بالبحث عن مادة التيتانيوم ، بالفعل المادة خفيفة الوزن وتقاوم درجات الحرارة الى 427 درجة مئوية .. ولكن لا أدرى ..أرجوكم فهمونى .. قد أكون جاهلاً فى مثل هذه الأمور "
السكسية " والتى توجد فى النصف الأسفل من الجسم .. هل بعد الإنفجار والإحتراق هل سيبقى العضو الذكرى لوحده مع ال 72 حورية ..!! .. هل انتحر فكر هذا الأفغانى قبل أن يقدم على الأنتحار الجسدى ..؟؟ أم أن بعض الشيوخ العظام قد قاموا بملء دماغة الأجوف بمثل هذه الأفكار الإنتحارية ..!!
ولكن المشكلة العويصة .. هذه الأفكار الإنتحارية قد تبدأ من مرحلة الطفولة .. وكما سرد لى الإبن مينا هذه القصة الحقيقية الواقعية والتى وقعت معه شخصياً أثناء وجودة بالقاهرة وكما جاءت عن لسانة– قال الإبن مينا :..
" إننى مازلت أذكر هذه الحادثة وعلى الرغم من مرور عشر سنوات تقريباً ومازال صدى كلمات ذلك الطفل تدوى فى أذنى .. عندما كان عمرى 11 أو 12 عاماً ، كنت بالقاهرة وذات يوم كنت أتناول بعضاً من الحلوى من "كيس" خاص بالحلوى أمام المنزل ، مرّ بى إبن جيراننا وكان عمره آنذاك خمس أو ست سنوات .. عزمتُ عليه بأن يأكل معى من الحلوى التى كانت بالكيس إلا أنه بادرنى برد غريب لم أعتد سمْعه :" أنا ماما قالتلى ما تخدتش حاجة من المسيحيين عشان بيكون فيها "ثِم" تماماً كما نطقها الطفل آنذاك وهو يعنى " سِم " يا للهول .. مرة أخرى أمثال هذه الأفكار والتعاليم التى تغرس فى نفوس الأطفال .. كيف يكون حالهم عندما يكبروا .. وأنا أقول لمثل هؤلاء الآباء أو الأمهات .. كيف يشعر ذاك الرجل والذى كان طفلاً عندما يكبر ويعرف أن والديه كانا يخدعانه بقولهما " إن الطعام الذى يقدمه المسيحيون للمسلمين يحتوى على سِم " ...
ومصداقاً لما قاله الإبن مينا ، قرأت فى "إيلاف" الألكترونية وبالعدد 4523 يوم الأربعاء 9 أكتوبر 2013" وتحت عنوان " فى مدارس باكستان .. الشهادة تتحقق بقتل المسيحيين " وكما كتب كاتب المقال "لم يعد خطاب الكراهية والحقد تجاه الأقليات الدينية فى باكستان يشكل ظاهرة غريبة بل على العكس من ذلك تماماً ، حيث أمسى " جهاداً " ضد من يعتبرون "خصوم الإسلام " حتى إن كتب المدارس الإبتدائية تعلم التلاميذ أن الشهادة تُنال بقتل المسيحيين ! . كشف تقرير أعدّه معهد بحوث الإعلام فى منطقة الشرق الأوسط النقاب عن قضية مثيرة تتحدث عن حقيقة إشتمال الكتب المدرسية فى باكستان على دروس تعلم التلاميذ أن قتل المسيحيين هدف لابد أن تعملوا من أجله ، وأنهم يجب أن يسعوا عبره إلى نيل الشهادة "
فأمثال هذا الإنتحار الفكرى أصبح لا يُعد ولا بُحصى .. بل أنه سيصبح سبباً جوهريا لنكسة أخلاقية وكارثة إجتماعية لا يحمد عقباها أبداً .. والتى ستصيب جذور المجتمع الإسلامى والذى سيؤثر على موقعها تجاه المجتمع العالمى ..
وجاء دور الدكتور محمد مرسى فى أحد فتاوى الأفكار الإنتحارية و التى وجب ذكرهاوهى "حكم المرتد" ..الدكتور محمد مرسى "رئيس مصر السابق .. والأسبق فى قِصَر فترة حُكمه ذات السنة الواحدة .." فى أحد لقاءآته التلفزيونية عندما سأله أحد المذيعين قائلاً .. ما هو حكم المرتد الذى ترك دينه الإسلامى ؟ .. فأفتى الدكتور محمد مرسى قائلاً .. إن المرتد طالما أنه لم يجاهر بإيمانه .. أى إن كان إيمانه بينه وبين ربه لا يُقام عليه الحد .. ولكنه إن كان يجاهر بإيمانه ، أصبح خطراً على المجتمع .. وهنا يقام عليه حد الردة .. وبالطبع ينص حد الردة فى الإسلام "مَن بدّل دينهُ فاقتلوه" .. سبحان الله .. هل هذا منطق يا سيادة الرئيس الأسبق .. وأى منطق !!.. وأنا أقول لكم يا سيادة الرئيس الأسبق لست وحدك .. والعلامة الإسلامى المعاصر يوسف القرضاوى .. أكد على هذا فى صفحته الأليكترونية "القرضاوى" وتحت عنوان "خطورة الردة وعقوبة المرتد".
وأحد الأفكار المنتحرة ، هى فتوى الشيخ مرجان سالم الجوهرى وهو أحد الجماعات الجهادية القادم من باكستان و افغانستان والذى شارك فى هدم تمثال بوذا هناك .. و ها هو ينادى بهدم تمثالى أبى الهول والإهرامات تطبيقاً لأحكام الشريعة الإسلامية .. قائلاً ربما تعامل الفراعنة مع الجن فى بناء الإهرامات وأبى الهول .. وبمناسبة أبى الهول .. أقول "يا للهول" وكما يقولها الفنان الراحل يوسف بك وهبة ..نعم .. ويا لهول ما نسمع ونقرأ كل يوم .. ولكن بحمد الله قد فشلت خطط الأخوان المسلمين فى مصر .. وليأت الشيخ مرجان لهدم الاهرامات بنفسه .. ولعله .. يستطيع مس راس أبى الهول بإصبعة ..
وهكذا تتوالى الأفكار الهدامة التى تهدم الأوطان .. والتى لا نعرف لها سبباً .. حيث أصبحت المسألة "خلطبيطة" .. نعم أصبح كل واحد منا "حسان" أو الفنان القدير محمود عبد العزيز" بطل فيلم "خلطبيطة" القدير .. وكما كانت شخصية "حسان" الرجل البسيط الذى كان يحب الزهور وصيد السمك .. أصبح بين ليلة وضحاها .. أحد ضحايا الأنظمة البوليسية للدولة و التى بدأت تطارده دون أى ذنب اقترفه .. وهكذا يكون مصير كل مسيحى .. يكون مطارداً من كل متأسلم متعصب .. تماماً مثل ذلك ال "حسان".. نعم ..هم لهم مطلق الحرية فيما يفعلون و ما يريدون أن يفعلوه بالمسيحيين .. لأنهم يعتبرون المسيحيين مواطنين من الدرجة الثانية .. كنائسهم تحرق وتهدم .. ومنازلهم تدمر ومتاجرهم تسرق .. وبناتهم تختطف .. ولكن .. نحمد الله .. لنا رب .. وهو بقدرته وبمعجزاته .. أزاح هذا الكابوس الذى كبس على الصدور مدة عام واحد .. والحمد لله .. الذى جاء بشخص خلوق فى شخصية القائد الأول السيد عبد الفتاح السيسى .. والذى وقف وبكل شجاعة الى جانب أغلبية الشعب المصرى ..
ومن هنا أناشده أن يكمل جميله بأن يلتفت الى أقباط الصعيد .. نعم المشوار طويل .. وخارطة الطريق ، طريقها طويل .. ولكن يجب وضع الأولويات .. حيث التصرف بسرعة وبكل حكمة .. نعم .. لابد من إعادة النظر فى الأنظمة التعليمية .. من البداية .. إبتداء من المناهج التعليمية للأطفال .. لأن الأطفال هم الذين سيكونون اللبنة الأساسية لمجتمع الغد .. فإذا لم يكن الأساس مبنياً على أساس سليم " فباطل هو تعب البنائين " .. والشئ الآخر هو التعليم .. ثم التعليم .. لمحاربة الجهل .. ولا أدرى ماذا أقول .. وطوال السنوات الماضية وكما يقول المثل البلدى " نقوم من نقرة نقع فى حفرة " وهنا وجب علىّ أن أتمتع
بخيالى الخصب لكيما أتأمل قليلاً ماذا لو حدثت المعجزة والتى تكون بقدر معجزة إبعاد الرئيس مرسى عن الكرسى فى خلال سنة فقط .. !!.. و جال بخاطرى .. ماذا لو كان رئيس الجمهورية المصرية مسيحياً وعندما أقول مسيحياً .. أعنى مسيحياٍ صادقا .. نعم ، إصدقونى القول أنا أعلم أن الشرع الإسلامى يحرم أن تكون الرئاسة فى يد " ذمى " .. ولكن .. ماذا لو قمتم بهذه التجربة مرة واحدة .. وأقول مرة واحدة .. لأنها لم تحدث عبر التاريخ .. أى قبل 1400 عاماً .. أود أن أسأل .. مرة أخرى .. ماذا يكون حال مصر ، لو أصبح رئيس مصر مسيحياً ؟ .. !! .. رئيس مصرى يحب كل إنسان ولا يفرق بين مواطن مسيحى أو مواطن مسلم .. وهكذا سيعم السلام والرخاء فى البلاد .. نعم كل شئ أساسه المحبة سيباركه الله .. هذا هو عمل "المحبة" .. ولكن و للأسف الشديد تختلف مسألة " المحبة أو الحب " عند التفسير لدى الإخوة المسلمين .. و الدليل على هذا ما شاهدته فى اللقاء التلفزيونى "سى بى سى" فى وجود ابينا الورع والمجاهر دائماً فى قول الحق مفصلاً إياه بكل استقامة .. القس فلوباتير جميل حيث كان الحديث يدور عن " الحب أو المحبة" واستمعت الى رأى الشيخ د.ياسر برهامى فى مداخلته عبر الهاتف والذى قال " لا أستطيع أن أحب المسيحى فى الله " .. وكان رد أبينا فلوباتير .. أنا أحبك .. أنا أحبك .. واسمحوا لى .. أن أتوقف عند هذه النقطة الهامة لأقول إن المحبة هى أساس التعامل .. وهذا هو "مربط الفرس" لأن هذه النقطة الهامة هى التى تفرق بين تلك الأفكار الإنتحارية التى تهدم والأفكار المسيحية التى تبنى .. ونحن لابد أن نعيش ونتعايش مع الأفكار والمبادئ المسيحية التى تحب حتى الأعداء .. المسيحية التى تقبل لطم الخدود .. ولكن ليس من قبيل الجبن أو الخنوع وإنما من مصدر قوة الإيمان .. نعم ..
وهنا تذكرت وفى أحد عظات أسقفنا الجليل نيافة الأنبا يوسف ، أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية .. قد تحدث عن موضوع الإنسان المسيحى .. تلميذ المسيح .. الذى يخدم ويحب كل الناس .. الذى يكون بمثابة النور الذى يشع بنوره ليضئ للآخرين .. فالإنسان المسيحى لابد و أن ينكر ذاته و يحب الآخر .. أن يحمل صليبه ويتبع المسيح .. وحمل الصليب معناه تحمل الآلام .. لابد أيضاً أن يترك الأمور الدنيوية .. الأمور المادية ، مثل محبة المال ..الخ .. أيضاً أن يقوم بعمل "حساب التكلفة قبل اتخاذ القرار ".. ووصف الإنجيل المسيحيين ب "ملح الأرض" .. و كما جاء فى الأصحاح الخامس من إنجيل متى " أنتم ملح الأرض ، ولكن إن فسد الملح ، فبماذا يُملح؟ لا يصلح بعد لشئ ، إلا لأن يُطرح خارجاً ويُداس من الناس " .. وهنا وجب أن نعرف خصائص
وفوائد الملح وعلاقته بالإنسان المسيحى .. أولاً ، كان الرومان يدفعون الأجور بالملح فى العهد القديم .. والملح له خاصية حفظ الأشياء .. وهكذا يكون المسيحى الحفاظ وحماية الآخرين بإيمانه و بصلواته التى تصل الى قلب الله .. الملح له خاصية التنقية .. وهكذا المسيحى يمكنه تنقية الأجواء التى حوله .. الملح يجعل طعم الطعاممستساغاً .. وهكذا المسيحى وجوده فى أى مجلس ، يكون سبب فرح للآخرين .. الملح له خاصية أخرى وهى إذا أكله الإنسان يحتاج الى شربة ماء .. وهكذا المسيحى يجعل الآخرين جوعى وعطشى لمعرفة المسيح الذى هو سبب الرجاء الذى فينا .. ولكن إن فقد الملح ملوحته .. عندما يتلوث بالأتربة والأوساخ .. وهكذا المسيحى الذى يتلوث بأمور العالم .. يصبح غير نافع بل سيصبح عثرة للآخرين ..وويل لمن تأتى بواسطته العثرات .. سيكون حسابه عسيراً مع الله الديان العادل .. وهكذا يجب علينا نحن كمسيحيين أن نعمل جدياً بنشر مناخ المحبة العامر بالأعمال الطيبة .. حيث نساعد الآخرين بكل طاقاتنا .. ونعمل بقول الكتاب فى رسالة يعقوب والاصحاح الرابع "فمَن يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل ، فذلك خطية له" .. وهكذا تكون كنائسنا بيوتاً صالحة وصلواتنا تكون مقبولة لأنها لا تكون "كما لقوم عادة" .. فإن لم يشعر المصلى بالفرق بين وقت دخوله الكنيسة وخروجه من حيث الإمتلاء الروحى ، لاصبحنا كطبل يطن وكصنج يرن .. غير عاملين .. وهنا ستكون أفكارنا .. كأفكار العالم .. نعم .. إن لم نصل الى ملء القامة فى المسيحية ، فلا يمكن تدمير تلك الأفكار الإنتحارية ..إلا بالأفكار المسيحية العاملة .. التى تحب كل الناس ..وكما قال السيد المسيح .. "أنتم ملح الأرض" .." أنتم نور العالم " فليتنا نكون بالفعل ملحاً للأرض .. وبالفعل ، نكون نوراً للعالم ..
وأخيراً .. يا أخى المسلم الحبيب .. أحبب أخاك المسيحى ..واجتث من داخلك أمثال تلك الأفكار الإنتحارية .. وأنت يا أخى المسيحى .. علّم أخاك المسلم كيف تكون المحبة الفعلية .. المحبة بالفعل وليس باللسان .. كما علمنا إياها السيد المسيح .. لأن " الله محبة " ... لأنه هكذا تبنى النفوس و الأوطان .. فى كل زمان و مكان ...
اللّهُم اشهد .. انى قد بلغت .. والرب يبارك حياتكم ...