هتف آلاف الإيرانيين «الموت لأميركا»، أمس، إحياء لذكرى اقتحام السفارة الأميركية في طهران عام 1979، في وقت يحاول فيه الرئيس المعتدل حسن روحاني تهدئة التوتر مع واشنطن وتسوية الخلاف النووي مع الغرب. وبعد أن وردت تقارير تؤكد سعي حكومة الرئيس الإيراني الجديد إلى إزالة اللافتات وسط طهران التي تحمل شعار «الموت لأميركا»، عاد الشعار بقوة أمس.
والتظاهر خارج المجمع السابق للسفارة الأميركية يعتبر من الطقوس السنوية، لكنه يكتسب أهمية أكبر العام الحالي بوصفه مقياسا لمدى معارضة المحافظين المتشددين لمبادرات روحاني الدبلوماسية تجاه الغرب بعد ثمانية أعوام شهدت تصاعدا في المواجهة مع الغرب في عهد سلفه محمود أحمدي نجاد. وبدأت إيران محادثات مهمة مع القوى العالمية لإيجاد حل سلمي للمواجهة بشأن برنامجها النووي، وحاز روحاني دعما مهما من الزعيم الأعلى علي خامنئي لتوجهه الإصلاحي.
لكن هذا لم يمنع أعدادا كبيرة من المتظاهرين من التجمع حول مبنى السفارة الذي تصفه الصحف المحلية بـ«وكر الجواسيس»، حاملين لافتات مناهضة للولايات المتحدة، وملوحين بالأعلام، هاتفين «الموت لأميركا». وبدأ الحصار عام 1979 باقتحام نشطاء من الطلبة السفارة واحتجاز 52 من موظفيها لمدة 444 يوما. ولم تستأنف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ ذلك الحين.
وبعد 34 عاما من العداء المتبادل رحب إيرانيون كثيرون بالمحادثة الهاتفية القصيرة بين روحاني والرئيس الأميركي باراك أوباما، عقب اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، غير أن الجماعات المتشددة أبدت تشككا.
وكان من اللافت أن سعيد جليلي، كبير المفاوضين النوويين سابقا، هو الذي قاد الخطابات أمام مقر السفارة الأميركية السابقة، وهو صاحب الموقف المتشدد للمحتشدين. وقال «قبل 34 عاما كشفت أمتنا الحقائق للعالم، وأن السفارات الأميركية مقرات للتجسس ونسج المؤامرات». ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية عن جليلي قوله «أظهر الاستيلاء على وكر الجواسيس للعالم أن الثورة تمضي في المسار السليم».
وقام المتظاهرون بإحراق أعلام أميركية وإسرائيلية، أمس، بينما رفع آخرون مجسمات لأجهزة طرد مركزي تستخدم لتخصيب اليورانيوم، في إشارة إلى «صمود الأمة أمام العقوبات»، كما كتب على إحدى اللافتات. وبات مبنى السفارة الأميركية السابق مركزا ثقافيا يديره الباسيج، ويضم متحفا يعرض «الجرائم» الأميركية بحق إيران ورفعت شعارات مثل {تسقط أمريكا} و {الموت لأميركا}.
وعد جليلي، المفاوض النووي المتشدد السابق والمرشح المحافظ إلى الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) الماضي، أن «شعار الموت لأميركا ليس موجها إلى الشعب الأميركي، بل إلى الحكومة الأميركية التي تقمع الشعوب الأخرى».
وأضاف «لقد قلنا للعالم قبل 34 عاما إن السفارة الأميركية كانت مكانا للتجسس والتآمر (...) واليوم حتى أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة وصلوا إلى الاستنتاج نفسه»، في إشارة إلى عمليات التنصت الأميركية الأخيرة في سائر أرجاء العالم. كذلك أكد جليلي، الذي انتقد لرفضه تقديم أي تنازل مع القوى الكبرى فيما كان يتولى مهمة التفاوض بشأن البرنامج النووي، دعمه أيضا للحكومة وفريق المفاوضين الجديد للدفاع عن «حقوق إيران» في المجال النووي «في وجه عدوانية الأعداء».
واكتفى روحاني بوضع عبارة بسيطة عن عدم الكراهية على صفحته على موقع «تويتر» مساء أمس، قائلا «الشعب الإيراني لم يكره أبدا أي شعب آخر، بما في ذلك الشعب الأميركي»، مضيفا «ما أثار قلقنا وما زال يقلقنا هو السياسات العدائية التي ندينها». لكن كانت لهجة المرشد الأعلى الإسلامي آية الله علي خامنئي أكثر تشددا، إذ قال على صفحته الخاصة على الموقع نفسه «قبل 30 عاما وصف شبابنا السفارة الأميركية في بلادهم بأنها وكر للجواسيس، واليوم السفارات الأميركية في الدول الحليفة القريبة لأميركا تسمى بوكر الجواسيس».
وأضاف «الشباب الإيراني يتقدم 30 عاما على روزنامة التاريخ»، في إشارة إلى التسريبات خلال الأشهر الماضية حول تجسس الولايات المتحدة على الملايين من مواطني دول حليفة مثل فرنسا وإسبانيا، بالإضافة إلى التنصت على مكالمات هاتفية لقادة دول حليفة مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وأول من أمس كان خامنئي قد عبر عن مساندته القوية للمفاوضين الإيرانيين، في تحذير على ما يبدو للمتشددين من اتهام روحاني بتقديم تنازلات لعدو قديم. وقال خامنئي في كلمته «لا ينبغي لأحد أن يتهم مفاوضينا بالتفريط. مهمتهم صعبة ويجب ألا يقوم أحد بإضعاف مسؤول منهمك في عمله». ويسعى روحاني للتوصل لاتفاق نووي مع القوى الكبرى يضمن تخفيف العقوبات المفروضة على إيران بسبب شكوك باستغلالها برنامجها للطاقة النووية لإنتاج قنبلة نووية، وتنفي إيران ذلك.
ورصدت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إيرنا» الاحتفالات، ونشرت صورا عدة لإيرانيين يحملون شعار «الموت لأميركا» ويهتفون ضد الولايات المتحدة. وتم التركيز على قضية التجسس الأميركي في الكثير من الشعارات الإيرانية، ولتجسيد هذه الفضيحة تظهر لافتة بعنوان «خيانة الشيطان» المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تحمل بيدها هاتفا جوالا.
ولم يظهر روحاني في الاحتفالات وسط طهران أمس، لكن أربعة من المسؤولين رفيعي المستوى من حكومته شاركوا في المسيرات، يتصدرهم نائب الرئيس محمد شريعتمداري، بالإضافة إلى وزير التعليم علي أصغر فاني، ووزير الصحة حسن هاشمي، ووزير تكنولوجيا المعلومات فراجي دانا.
وتزامنت الاحتفالات الإيرانية أمس مع استجواب البرلمان الإيراني لوزیر الخارجیة محمد جواد ظریف حول المفاوضات النووية وانفتاح حكومة روحاني على الأميركيين. ونقلت وكالة «إيرنا» عن ظريف قوله «لم یتم تقدیم أی تنازل فی السیاسة الخارجیة، وإن وزارة الخارجیة تتابع سیاسة النظام، والدبلوماسیة التی اعتمدتها فی المفاوضات كانت صحیحة». وأضافت أن «القرار بشأن تشكيل مجموعة الصداقة البرلمانیة الإیرانیة - الأميركية یقع علی عاتق مجلس الشورى الإسلامی».
وردا على سؤال حول شعار «الموت لأميركا» وتأثیره علی نتائج المفاوضات النوویة، قال ظريف إن هذه المفاوضات لم تجر مع المسؤولين الأميركيين، بل مع مجموعة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا. وقال ظریف إن «أعداء الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة باتوا فی عزلة الیوم، وإن إیران تمكنت من أداء دورها علی الساحة الدولیة بأفضل شكل ممكن ومن دون تقدیم أي تنازلات».