الأقباط متحدون - مصر.. ربما
أخر تحديث ٢١:٠٦ | السبت ٢ نوفمبر ٢٠١٣ | بابه ١٧٣٠ ش ٢٣ | العدد ٣٣٠٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

مصر.. ربما

صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه

 بالطبع أنا أعرف كل الأسئلة من نوع: مصر إلى أين؟ أما السؤال الذي أدهشني حقا فهو: مصر.. أين؟ وكان لا بد أن أرد عليه بسؤال أشد، فكان: مصر.. ربما؟ وفي كل الأحوال الأسئلة من هذا النوع تتعامل مع مصر بوصفها مركبة فضائية سابحة في الفضاء تنتظر من يشير عليها بخريطة طريق. غير أنه لا بد من الاعتراف بأن السائل بكل هذا النوع من الأسئلة لا يشعر بالطمأنينة، للطرق التي تتبعها، ويرى بأنها لا توصل لشيء. ولما كانت الدنيا تعبر عن نفسها من خلال مشاهد يقوم بها بشر، فإنه بدراسة هذه المشاهد يمكن التعرف على حقيقة الأمراض التي تمر بهذا المجتمع. إنها مشاهد ليست خاصة بالبشر، بل بالبشرية، ليست خاصة بأصحابها بل تمتد لتصبح سقفا للمجتمع ككل.

 
بعد عدة كلمات شبه غاضبة بين رئيس التحرير وعضو مهم في مجلس التحرير، خرج رئيس التحرير إلى صالة المحررين، التي كانت مكتظة بالمحررين، وقال بصوت قوى: أيها السادة الزملاء.. تعرفون بالطبع أنني أقود معركة ضارية ضد تدخل الإدارة في التحرير، لأنها تمثل تعديا سافرا على جهود العاملين وشرف الصحافة. أما الآن فدعوني أقرر أمامكم بوضوح أنني لن أسمح لأصحاب رؤوس الأموال المصرية أن يفسدوا هذه الصحيفة التي أتشرف برئاسة التحرير فيها.. اهتفوا معي: تسقط رؤوس الأموال المستبدة.. يسقط أعضاء مجلس الإدارة.. تحيا الصحافة المصرية حرة.. يسقط أي حد عاوز يضايقنا في شغلنا.
 
مشكلة المشاريع التي قام بها رجال الأعمال في مجال الميديا، أنه كان من المستحيل عليهم الوصول إلى أعداد من العاملين، يؤمنون باقتصاد السوق، ولذلك كان من الطبيعي والمخيف أيضا أن يكون معظمهم من المؤمنين بحتمية الحل الاشتراكي، غير أنهم عملوا جميعا في إطار الحرفة لتقديم صحافة جيدة، ولكنك بالطبع ستجد أنهم بشكل عام يتخذون موقفا ضد ما يسمى برجال الأعمال، وهم على استعداد في أي لحظة للهجوم على أصحاب رؤوس الأموال وخاصة هؤلاء الذين يعملون عندهم. هكذا يعبر المشهد الذي عرضته للتو ليس عن رئيس تحرير بعينه بل عن طائفة بأكملها تشعر بالرعب من التحول إلى الاقتصاد الحر في مصر وترى فيه نهايتها. في الثقافة الاشتراكية ترحب بأن تموت من أجل الزعيم، غير أنك في الاقتصاد الحر تكره أن يصارحك صاحب الجريدة بأنك مخطئ؛ لأنك تقوم - مثلا - بتعيين عشرات الناس، بينما الجريدة ليست في حاجة إليهم. أي كلمات خشنة من أصحاب رؤوس الأموال ستوقظ بداخلك حتما شعورك القديم بأنك تخوض معركة ضد الأوغاد مصاصي دماء الأحرار والثوار والصحافيين الأبرار.
 
هذه ليست ثقافة جماعة من البشر، بل هي ثقافة مرحلة ترفض الانسحاب في عناد. وبذلك يكون السؤال هو: ماذا بوسع مصر أن تفعل بهذا النوع من الثقافة العامة.. إلى أين يستطيع أي شعب أن يصل بهذا النوع من الأفكار في هذه المرحلة من التاريخ.
 
هكذا يكون السؤال الواجب توجيهه إلى أنفسنا هو: من يستطيع في مصر تغيير أفكار ساعدته طويلا على الوجود والشهرة واللمعان؟
 
الشرق الاوسط

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter