الأقباط متحدون - الكنيسة والسياسة
أخر تحديث ٠٣:٢٨ | الجمعة ١ نوفمبر ٢٠١٣ | بابه ١٧٣٠ ش ٢٢ | العدد ٣٢٩٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

الكنيسة والسياسة


بقلم : جرجس جودة جرجس

   كثيرا ما اسمع على شاشات التلفزيون والصحف تصريحات الكثيرون تطالب الكنيسة القبطية بالبعد عن السياسة  ، وتصيبنى الدهشة انه لم يتصادف ولو مرة واحدة  أن تطوّع  أحدهم بتقديم مثال واحد على  ممارسة (تـدخـّـل) الكنيسة للسياسة ، والحقيقة كان هذا الموضوع موضع اهتمامى منذ عقود وفى عام 1965 بدأت فى تأليف كتيب عن هذا الموضوع ، وخلال  رحلة البحث والدراسة ، تم إعتقالى بتهمة معادة النظام الناصرى ، وتم مصادرة كل ما يتعلق بهذا الكتيب أو الكتاب  ، كما صودر أيضا نسخة من دراسة لبعض المشكلات الموجودة فى الدولة وكيفية حل تلك المشكلات (النسخة الأصلية ارسلت الى السيد الرئيس جمال عبدالناصر) .


   جريدة وطــنى 11 / 12 / 1966   


    وقد تناولت فى كتاب  " السادات والأقبـــاط "  الذى نشر فى سبتمبر 1981 هذا الموضوع أيضا  ، حيث تمكّن جهاز المخابرات العامة المصرى بترويج اشاعة بأن ما حدث من قرارات سبتمبر 1981 الذى إتخذها الرئيس انور السادات ، سببها هو عمل(إشتغال) البابا شنودة بالسياسة  ، وفى هذا يقول الرئيس الأسبق محمد انور السادات فى حديثه عن اجهزة الدولة ، حيث يذكر فى كتابه البحث عن الذات صفحة 236  " وكان عندهم جهاز اشاعات يفتخرون بكفاءته ، إذ كانوا يقولون انه بإستطاعتهم ان يطلقوا الاشاعة من القاهرة فتشيع فى جميع انحاء البلاد ثم تعود اليهم فى زمن قياسى ، وهو تكتيك معروف فى روسيا بما يسمونه مراكز التهييج  "  . وهكذا استطاع الرئيس السادات تهييج جزء من  الرأى العام  ومع تكرار تلك الأكذوبة بدون ضابط وبلا حدود ، وترديدها نهارا وليلا ، صدّقها الناس وكأنها حقيقة  . وتذكر مجلة المستقبل التى تصدر فى باريس فى عددها 170 الصادر فى 24 أيار 1980  " فحكاية أن الأقباط كانوا يريدون اقامة جمهورية مستقلة فى اسيوط نكتة كبيرة فى شوارع القاهرة ومقاهيها  " .  ويستطرد  المقال فيقول " ... وهذه المرة  يرى المراقبون ان السادات يتبع نفس الأسلوب . فهو يهاجم الأقباط بشدة ويتهمهم بكل التهم ، كما لم يفعل أى حكم فى تاريخ مصر ، وذلك استعدادا فى الواقع لضرب الجماعات الاسلامية  " .

 

     
 وقد ساعد على ذلك عدة عوامل :
 1 - محبى الاساقفة الخمسة الذين عينهم الرئيس السادات ، حيث أراد هؤلاء المحبين درأ التهمة عن الاساقف الخمسة فى قبولهم تعيين السادات لهم ومخالفتهم بهذا قوانين الكنيسة بطريقة فاضحة ومخجلة ، فقد تولّى هؤلاء المحبين  تأكيد  بل وترويج اشاعة الرئيس السادات داخل الكنائس وخارجها  .
2 - أحد الأباء الرهبان بوادى النطرون ، تصدّر موقف معاد لقداسة البابا شنودة الثالث ، وموقف معضّد ومدعّم للرئيس السادات ، ولم يتوانى ذلك الأب الراهب من شن هجوم صارخ على قداسة البابا شنودة ، وقد عاونه عدد لا بأس من الأراخنة الأقباط  .  
       تذكر مجلة النيوزويك بتاريخ  4 ديسمبر 1972  " أن إحد عشر كنيسة قد احرقت فى السنة الاولى من حكم السادات  " ، وتذكر أيضا مجلة النيوزويك بتاريخ 14 ابريل 1980  حتى الكنيسة القبطية والتى هى فى غاية المسالمة ، فانها موضع هجوم واعتداء المشاغبين المسلمين "  ، وتقول مجلة النيوزويك بتاريخ 4  ديسمبر 1972 بأن حكومة الرئيس السادات اتهمت الولايات المتحدة  بأنها وراء الفتنة الطائفية " ، وتقول جريدة لوس انجلوس تايم بتاريخ 29 سبتمبر 1977 بأن الرئيس السادات يلقى باللائمة على الاتحاد السوفييتى بأنها وراء الفتنة الطائفية ، وتمر سنوات ، وينسى الرئيس السادات بأنه قد اتهم الولايات المتحدة عام 1972 ، واتهم الاتحاد السوفيتى عام 1977 ، فيجرؤ فى 14 مايو 1980 ليتهم قداسة البابا شنودة الثالث بإثارة الفتنة الطائفية . وأراد  الرئيس السادات تبرير قرارات سبتمبر 1981 فراح يؤكد ويكرر ان قرارات سبتمبر قد جاءت نتيجة اشتغال قداسة البابا بالسياسة ، وقد وجد الرئيس السادات من يعاونه فى ذلك من بعض العلمانيين الاقباط ، اضف الى ذلك ان بعض العلمانيين الاقباط الذين ارادوا دخول المعترك السياسى وجدوا ان قيام الكنيسة فى الدفاع عن  آلام  وهموم الاقباط  بمثابة حاجز وعائق لهم من ........ المعترك السياسى .
   بالطبع أتمنى ان يدخل الاقباط فى زخم الحراك السياسى ، أقول ذلك من جهة الوطن ، ولأجل الوطن ، وهذا لن يمنع بأى حال تبنى هموم الأقباط ،  وإن كان لدى تحفّظ ليس بقليل ، فخبرات الماضى تعطى مؤشرات غير مرضية ، ولدى من القصص  ليس بقليل ، التى تظهر مواقف غير مشرّفة لبعض العلمانيين 
المثال الاول :    كنا  نسير معا فى شارع سعد زغلول  بالأسكندرية ، نتجاذب  اطراف الحديث ، وتتطرّق  حديثنا بطريقة عابرة عن معاناة الأقباط  ، وكان هذا احساسه ، ومضت سنوات ، وغادرت أنا وطنى الحبيب الى الولايات المتحدة ، وأتى الرئيس السادات الى سدة الحكم ، وإزدادت أحوال الاقباط سوءا وتكررت الإعتداءات عليهم على مرأى ومسمّع من رجال السلطة ،  وأيضا ازداد الرئيس السادات صمتا تجاه تلك الإعتداءات ، ربما   لإرضاء الاسلاميين أو ربما .......  ، وصمت الرئيس  هذا  قد إضطرنى بل ارغمنى الى ......    ، ولم  يكن ذلك بالأمر السهل أو اليسير ، ولنا حديث آخر حول هذا الموضوع ، وإنما أود ان اعود الى ذلك الرجل الذى تحدثت عنه فى هذه المقدمة ، فلم تمض بضعة سنوات حتى أرسله الرئيس السادات الى الولايات المتحدة ليعمل بطريقة أو بأخرى لإسكات النشطاء الأقباط ، وقبل مجيئه أطلقنا حملة مكثفة لمقاطعته ليعود من حيث أتى دون أن يقابله أحد ، ويكون ذلك رسالة واضحة للرئيس السادات ، وكنا نخشى ان  يقوم الكهنة بمقابلته ، وكانت ضغوطنا قوية وحازمة ورسالة واضحة للجميع إن من يقابله سيكون ذلك موافقة ضمنية على بقاء قداسة البابا شنودة الثالث تحت الإقامة الجبرية بالدير ، ولهذا خشى كل الأباء الكهنة من الالتقاء به ماعدا كاهن الكنيسة القبطية بشيكاجو (فى ذلك الوقت) ، كما استضافه أيضا  إحد المحامين الأقباط بمكتبه بلوس أنجلوس والذى كان على علاقة حميمة بالسفارة المصرية بواشنطن ، عاد ذلك الرجل الى (الذى اصبح محسوبا على الاقباط )  القاهرة ، فقد كان هو الوزير القبطى فى ذلك الوقت  . وقت آلمنى انه بعد مماته لم يترك سوى ذكريات سيئة لدرجة انه كان من الصعب ايجاد كاهن ليصلى على جثمانه لما قام به من إساءة  للأقباط وللكنيسة ، لنطلب من الرب المغفرة له  .

المثال الثانى :   فى الثمانينيات عندما اراد الرئيس السادات تعديل مادة فى الدستور تمهيدا لتطبيق الشريعة الاسلامية وفى جلسة الاقتراع  بمجلس الشعب ، انسحب العضو ابراهيم شكرى وبقية اعضاء حزب العمل  إحتجاجا على التعديل ، بينما بقى الاعضاء الاقباط بمجلس الشعب ، بقيوا (ماعدا نائب قبطى واحد)  ( ليكون تصويتهم بنعم ) ووقف النائب البرت برسوم سلامة ليلقى  كلمة النواب الأقباط بالموافقة على التعديل  . وقد كان عدد الاعضاء الاقباط الذين  صوّتوا  بنعم  تسعة اعضاء .

                                                                                            
فهل يترك امر الدفاع عن هموم الاقباط للعلمانيين فقط ، ليحدث ما  قد حدث فعلا فى جلسة مجلس الشعب الخاصة بتعديل الدستور ، لا شك ان هناك مئات الآلاف من الاقباط لن يبخلوا  بحياتهم للدفاع عن  آلام  وهموم الاقباط  ، ولكن من الملاحظ انه منذ الانقلاب العسكرى فى 23 من يوليو 1952  ان السلطات الحاكمة كانت وما تزال تزج فى الواجهة برجالها من الاقباط  وتضعهم فى الصدارة، كى تضمن ولائهم لها ، ولهذا  فانه من الحكمة ان يقوم النشطاء الاقباط  بالدفاع عن هموم الاقباط ، على انه فى نفس الوقت على الكنيسة ان لا تتخلى عن مسئوليتها  كأم  ان تدافع بنيها ، كأى أم  تدفع ألأذى بعيدا عن اولادها .
المثال الثالث : 
 مقدّمة
  اعود الى عام  1978 حيث تم اعتداء على الاقباط من سلسلة آلاف الاعتداءات عليهم  ،  وكان الاعتداء هذه المرة  على اقباط قرية التوفيقية مركز سمالوط   ، ولم  يحدث هذا الاعتداء على مرأى ومسمع  من رجال الأمن فحسب ، وإنما  بتعضيد ودعم منهم ، وانتهى الاعتداء بإستشهاد القمص غبريال عبدالمتجلى ، الذى قتل وهو داخل بيته  ، واصيبت زوجته  بعاهة مستديمة نتيجة تعرضها للضرب اثناء شروعهم لقتلها ، وقتلت ايضا سيدة عمرها 80 عاما  وهى حنينة ناشد قلينى ولم تشفع عندهم شيخوختها ، كما انهم وجدوا طفلا عمره 11 عاما  اثناء عودته للقرية فقاموا بذبحه وهو الشهيد بدارى نجيب رفلة ، ومما يدعوا للخزى ، ان الرائد وجيه احمد انور  اثبت فى المحضر ان هناك مصابا اسمه بدارى نجيب رفلة به اصابات خطيرة بالرأس ونقل الى المستشفى ، أمّا  وكيل النيابة فلم يكن دوره أقل خزيا  من الرائد وجيه  ، ولذلك  قام  بالتغطيه على كل الالأخطاء والمخالافات القانونية .
    كان على الرائد وجيه      أن يجد مخرجا  آمنا كغطاء للمخالفات التى اقترفها  ، بألاضافة ان السيد وكيل النيابة لم تكن مخالفاته بأقل من مخالفات الرائد وجيه ، ولذلك  ذهب (توجه) الرائد وجيه الى بيوت الأقباط ومن وجده منهم اقتاده الى مقر الشرطة وقد اكتفى بإعتقال 35 قبطيا ، وإتماما للسيناريو فإن وكيل النيابة قام بمنع المحامى الاستاذ سلامة ناشد من  حضور التحقيقات ، بل أمر احد ضباط الشرطة بطرده من سراى النيابة ، ورفض الاستجابة لطلبات المحامين ومنهم نقيب المحامين بالمنيا الاستاذ وديع داود لحضور التحقيق والاطلاع على التحقيقات  . وتم مساومة نيافة الأسقف اذا اراد الافراج عن الاقباط المعتقلين فعليه ان يوقّع  على محضر صلح عن كل الاعتداءات على القرية من قتل وذبح ونهب وسلب لدرجة ان قوات الشرطة الموجودة بالقرية تستولى على مواشى المسيحيين وتذبحها وتأكل بعضها ، وتبيع الباقى امام اصحابها ، ووقع الاسقف محضر صلح  وتم الافراج الـ  35 قبطى المقبوض عليهم بدون تهمة ، وكانت هذه أول سابقة يقبض فيها على اقباط  من اجل المساومة عليهم وإستخدامهم  كرهينة .
  المثال:
    فى لقاء  للبابا شنودة الثالث مع رئيس الوزراء وأثناء  عرض لتلك الاعتداءات وتواطئ السلطة الأمنية ، والسلطة القضائية (ممثلة فى وكيل النيابة) وكان لدى البابا شنودة العديد من المؤاخذات حول الاعتداءات وموقف اجهزة الدولة منها ، وكان هذا اجود واقوى موقف ومثال وصورة واضحة لتلك الاعتداءات ، وعندما وجد السيد رئيس الوزراء نفسه فى حرج  ومأزق صعب الخروج منه ، هنا جاء من ينقذه ، لقد جاء احد الاقباط  والذى يحتل مركزا نائبا لرئيس الوزراء   (فى ذلك الوقت)  ، اقتحم ذلك القبطى  الغرفة (دون احترام للبروتوكول) اقتحم الغرفة مندفعا وبصوت مرتفع موجها حديثه لقداسة البابا  " شوف .. شوف ياقداسة البابا  ابونا انطونيوس بيعمل ايه فى لوس انجلوس.. شوف ايه اللى بيعمله "  ، ولم يكن الذى يفعله ابونا انطونيوس ذو أهمية لذلك القبطى وإنما كان هذا الرجل  معدا وجاهزا للقيام بذلك الدور  وقت الحاجة ، لكى يغلق الموضوع الذى يتحدث فيه قداسة البابا ، ويبدأ الحديث فى موضوع آخر ،  وهذا ما قد تم فعلا  ، بل اكثر من ذلك انه وضع قداسة البابا فى موقف المدافع ، والذى كان يفعله ابونا انطونيوس هو الاحتجاج على الاعتداءات التى يئن الاقباط تحتها ، وتغيّر الوضع 180 درجة ، لأن قداسة البابا لن يدافع عن ابونا انطونيوس لأن قداسته لم يحبّذ اطلاقا ما يقوم به الاقباط فى الخارج ، وكم من المرات هوجم قداسته منهم ، ومنى انا  أيضا على سبيل المثال .  ومنذ دقائق قليلة كان قداسته هو صاحب الحق وهو الذى يعرض الاتهامات  ، وفجأة الآن عليه ان يعتذر .   هذا ما قام به هذا العلمانى القبطى ، وربما قائل ان ليس كل الأقباط كهذا الرجل .  بالتأكيد لا ،  ولكن الذين تسمح لهم الدولة بالظهور على الساحة هم من تلك العينة  .
  قبل ان نؤكد او ننفى عمل (اشتغال) الكنيسة بالسياسة علينا ان نعرف (ندرك)  ما  هو الاشتغال بالسياسة ، حينئذا يسهل علينا معرفة الحقيقة بكل وضوح ودون التباس ،
  سمات العمل السياسى :
      1- تأسيس حزب سياسى .
      2- العمل على قلب نظام الحكم  .
     3 - العمل  (محاولة ) تغيير نظام الحكم المعمول به فى البلاد .
     4 - محاولة تغيير النظام الاقتصادى للدولة .
    5 - العمل على إقالة وزارة وتعيين أخرى .
    6 - الضغط على الحكومة لتغيير علاقتها مع دولة أخرى سواء بالقطع او بالاقامة .

  هل يستطيع  أحد ان يأتى ولو بمثال واحد ( واقعة واحدة  )  تبرهن على ممارسة أى من الأمور أعلاه . قضى قداسة البابا شنودة الثالث ما يزيد  عن اربعون عاما  ، فهل يستطيع أحد  ممن يكيلون الاتهامات للجميع ان يقــدّم  ولو مثال واحد من ان قداسته  قد مارس  - ولو مرة واحدة -  إحد الأمور المذكورة أعلاه  .
   ولنذهب الى حبرية قداسة البابا كيرلس السادس ، لنكرر السؤال نفسه ، هل هناك من قريب أو بعيد ما يشير  أن قداسة البابا كيرلس  قد مارس إحد تلك  الأمور المذكورة أعلاه ، هل يستطيع أحد ان يمد يده فى جعبته المملؤة بكل انواع الاتهامات الزائفة ليأتى بدليل ولو باهت ، وأن ............
   ولنذهب  الى حبرية قداسة البابا يوساب الثانى ، لنكرر السؤال نفسه ، ونحن على يقين انه لا احد على الاطلاق يستطيع ان يجئ ولو بحدث واحد ، أو واقعة واحدة
  ولعلنا نستطيع ان نلقى بالعديد من التساؤلات :
1- هل طلبت الكنيسة  بأن يعيّن احد الاساقفة  رئيسا للوزراء ، او رئيسا لمجلس النواب ، او وزيرا للخارجية .
2 - هل حاولت الكنيسة ان تفرض رأيها على  سلطات الدولة لإبرام معاهدة  أو معارضة إبرامها مع دولة ما  .
3 - هل حاولت الكنيسة  ، أو حتى  أى جمعية دينية مسيحية بإنشاء حزب سياسى وتسميته بالجناح السياسى للجمعية .
4 -  هل حدث فى اى كنيسة .. فى أى مدينة .. بأى محافظة ،أن وقف الكاهن ليرهب المصلين  على مواقفهم السياسية ويعدهم بالجنة ، ويتوعدهم  بالنار اذا خالفوا اوامره ، متى استخدم المنبر فى الكنيسة للدعاية السياسية ، او لشحن والدفع بالمصلين للخروج من الكنيسة بعد نهاية الصلاة  للإعتداء على الأبرياء وترويع المواطنين ، وهل استخدم  منبر الكنيسة لتهديد شركائنا فى الوطن .              
5 -  هل دفعت الكنيسة بألاقباط  لحصار مدينة الانتاج الاعلامى ، أو محاصرة المحكمة الدستورية  ، او احتشد الاف الاقباط امام المحاكم اثناء نظر المحكمة قضية شاب مسيحى قد اتهم ظلما ، وهم يصرخون بهتافات صاخبة .. عدائية .. مليئة بالتهديد والوعيد اذا اتت الاحكام بما لا يشتهون ، مما قد دفع ببعض القضاة بالحكم بما يريده الغوغائيون  بحجة ان ذلك سيهدئهم  ويمتص غضبهم لتفادى ما قد يقدم عليه اولئك المحتشدين لو نفّذوا تهديداتهم . وطبعا ان الأقباط لم يقوموا بذلك المشهد ، وإنما ذلك المشهد تكرر فعلا فى كل مرة اتهم فيها شاب  قبطى بتهمة ازدراء الأديان ، وحتى الطفلين القبطيين نبيل نادى رزق  ذو العاشرة من العمر ، ومينا نادى فرج والتاسعة من العمر ، لم يسلما من حشود المتظاهرين امام مركز الشرطة ،  وكذلك امام سراى النيابة . وأكرر  السؤال مرة أخرى ، هل يقوم الاقباط
                                                                    
                                     الطفل نبيل نادى رزق                                              الطفل مينا نادى فرج

         وكى ندرك ما هية الإشتغال بالسياسة علينا ان نستعرض بعض المواقف العملية  على ارض الواقع  ،  وهنا  أفتّش فى أوراقى المبعثرة ،  لأجد  مقالا للأستاذ عبد العظيم رمضان  بعنوان " الدين فى الصراع السياسى " قد نشر فى احد المجلات الاسبوعية ، لذلك لجأت الى المصدر الرئيسى للمقال وهو كتاب للدكتور عبدالعظيم رمضان  بعنوان  "  الصراع بين الوفد والعرش  " ، والذى سأقتبس منه الكثير ، ففى صفحة 86   " فى تلك الأثناء كانت القوى الرجعية تستغل الدين - كعادتها - لضرب القوى الوطنية الديموقراطية .... دون أن تبالى بتأثير ذلك على الوحدة الوطنية . وكانت هذه القوى تتمثل فى الأزهر والقصر وأحزاب الأقلية  "  .  ثم يستطرد الدكتور رمضان  فيقول  " ..... وكان هذا التحول قد تم بعمل من أعمال المهارة السياسة للملك فؤاد ، الذى ادرك أهمية استغلال الدين فى الصراع السياسى بينه وبين الوفد "  . وفى صفحة 88  يذكر  " ومنذ ذلك الحين دخل الأزهر فى الصراع الحزبى واللعبة السياسية بين القصر والوفد . وفقد استقلاله فى العمل السياسى  . وصار تابعا للقصر  ...... ولذلك عندما أصدر الشيخ على عبدالرازق كتابه " الإسلام وأصول الحكم "                             
 
       الشيخ على عبدالرازق
الذى أعلن فيه أن " الإسلام برئ من نظام الخلافة " . وأن الخلافة قد شلّت كل تطور فى شكل الحكومة عند المسلمين نحو النظم الحرة . وخصوصا بسبب العسف الذى انزله بعض الخلفاء بتقدم العلوم السياسية والاجتماعية  وقرر الازهر طرده ن زمرة العلماء " . 
            
 
  الكنيسة هى أم لأولادها  ، لا ولن تستطع تغمض عينيها عمّا يحدث لبنيها وبناتها ، فهل اذا احتجت أم عمّا يحدث لأولادها وعما يتعرضون له  من أذى ومن اعتداءات ومن اتهامات مزورة  ، فهل تتهم تلك الأم  بأنها تشتغل بالسياسة ، فهل يعقل ان تلتزم الأم الصمت وهى ترى اولادها يتعرضون للقتل والخطف والسجن ، والآن فى زمن الإخوان يتعرضون لإعتداء من نوع جديد وهو التهجير القسرى الذى يأتى بعد إعتداء آخر وهو إزدراء الأديان ، إذاً اتهام تلك الأم بأنها تشتغل بالسياسة هو من قبيل الترهيب والترويع لإسكات تلك الأم ، ولا يمكن اطلاقا  كتم صراخ أم ترى ترى ما ترى يحدث لأولادها ، وإذ لم يعرف الاسلاميون ذلك فعليهم ان يذهبوا الى اى حظيرة وليلاحظوا كيف تنتفض الأم اذا أحست بأن صغارها يتعرضون للخطر ، فما بالكم بالأم البشرية ، وبالأكثر الكنيسة التى تتألم من أجل انسان جائع أو حزين فما بالكم كم وكم يكون ألمها من اجل بنيها الذين يتعرضون لكل انواع الإرهاب والتى يجد مرتكبيها فتوى دينية لها فى قاموسهم الإرهابى  ، والأسوأ ان فى كل هذه الإعتداءات ، أن تقف سلطات الدولة حامية لكل تلك الإعتداءات ، بل الأسوأ من الأسوأ  ان تتهم الكنيسة بأنها تشتغل بالسياسة اذا احتجت على تلك الإعتداءات ، واحتجاج الكنيسة دائما يكون لدى سلطات الدولة ،
وأستعير عبارة قالها مصطفى أمين فى كتابه سنة ثالثة سجن ، وإن كانت ليست على الدرجة الكافية التى تتلاءم مع ما يجرى فى مصر الآن فى زمن الإخوان وهى
"    المظالم التى اراها حولى تجعلنى أشعر بالعجز من هولها ومن كثرتها كيف يمكن انصاف كل هؤلاء المظلومين ؟ . هذه ليست مهمة فرد بل هو واجب شعبى . المظالم فى بلادنا  تراكمت فوق بعضها البعض حتى أصبح الظلم هو القاعدة والعدل هو الاستثناء ! " .  
    وتذكر مجلة المسقبل فى عددها رقم  170 بتاريخ  24 أيار 1980  " وكان السادات هو أول من أوصى بتكوين جماعات اسلامية مسلحة فى الجامعات سنة 1972 ليضرب بها الناصريين واليساريين والمعارضين بوجه عام. ولكن هذه الجماعات تكاثرت فى هذا الجو . وخرجت عن الاطار المرسوم لها . وكان لابد أن يأتى يوم تنقلب فيه على الحكومة ، وصارت هذه الجماعات أشباحا قوتها ظاهره ، ولكن جذورها غير معروفة . وبالتالى صارت هى الخطر الأكبر عليه . خصوصا بعد ضبط  مستودعات أسلحة وذخيرة لها فى مختلف انحاء القطر . ولذلك فهو فى خطابه ، بعد ان قصره على مهاجمة الأقباط ، أعلن حل كل الجماعات الدينية ، وتحريم كل الخطب السياسية فى الكنائس والمساجد . وهو يعرف طبعا  أن الخطب السياسية  تلقى فى المساجد فقط  "  .      ويبقى السؤال حائرا وتائها فى صحراء الثقافة ......... حيث يغيب المنطق ، والعقل يعيش فى محنة .
      ويبقى السؤال حائرا وتائها فى صحراء الثقافة ......... حيث يغيب المنطق ، والعقل يبقى فى محنة مزمنة !    هل العلمانيين هم الذين يجب أن يدافعوا عن الأقباط أم الكنيسة ؟؟ !! .

   والإجابة تتأرجح شمالا وجنوبا ، مرة تذهب الى أقصى الجنوب وأخرى تذهب الى أقصى الشمال ، فإذا كان موقف القبطى العلمانى متواطئ حبذنا حينها ان تدافع الكنيسة عن أولادها ،وإذاوجدنا موقف إحد رجال الكنيسة هزيل ، قفذنا من مقاعدنا ، ثائرين صارخين " عودوا الى صوامعكم والى كنائسكم .. وإتركوا الأمر لنا ... أتركوا السياسة لأهلها" .                                                                                                                    هل دفاع الأب عن أبنائه يعتبر اشتغال بالسياسة !! ، وهل صراخ وعويل الأم على ابنتها المختطفة يعتبر سياسة!! .
والذين يهاجمون الكنيسة هم بعض الأقباط الذين لم تسمح لهم الظروف بأن يظهروا على السطح . وإلاّ لو أرادوا ان يعملوا  فليعملوا .. فما الذى يمنعهم أن يعملوا ...بعيدا ... بعيدا عن الكنيسة .. فى حرية تامة ... وليس تحت وصاية أحد إلاّ ضمائرهم ، وأيضا كى لا يسببوا حرجا للكنيسة ، والأهم انهم يستطيعون  ان يقولوا  ما قد تحرج الكنيسة عن قوله .
  أقول عن تجربة وعن واقع ، ففى سبعينيات القرن الماضى كان من العسير ان تحدّث قبطى عن حقوق الأقباط ، لقد كانت حرب شرسة بين جيشين احدهما يتكوّن من فرد واحد والجيش الآخر يتكوّن من الأقباط فى جنوب كاليفورنيا (لم يختلف الوضع فى بقية الولايات المتحدة) ، وأتذكّر (زوجتى وأنا) كنا فى اجازتنا الصيفية وإلتقينا بصديق ومعه شخص آخر ومعهما زوجيتهما وكان الشخص الآخر لديه رسالة من أخيه(قس بروتستانتى) الذى أتى مؤخرا من القاهرة، وحمّله رسالة غير شخصية لى مفادها ان السلطات المصرية مستاءة جدا مما نقوم به فى الولايات المتحدة ، وإن ما نقوم به هو إساة الى الله ، وقال  لى صديقى " إنتم حطتيتوم ربنا على الرف وعاوزين تجيبوا انتم حق الأقباط .. سيبوا ربنا .. ربنا يجيب حقنا " ، نظرت الية وقلت له " يافلان .. لو إفترضنا .. ان شخصا ما أخذ عنوة منك محفظة نقودك الآن  .. هل ستنظرالى السماء وتقول يارب قول للراجل ده يرجعلى المحفظة ؟ .. أم ستتصل بالبوليس ؟ " وأجابنى على الفور " طبعا هاأتصل بالبوليس" !! قلت له "أليس هذا ما نفعله نحن "، أى الإتصال بالمحافل الدولية .
  ولولا معونة الله ،ما كان ممكنا إطلاقا تغيير هذه العقلية وتلك الثقافة ، وأسوق مثل آخر ، ، وإن كان واحدا من مئات الأمثلة ،وهو عندما شرعت فى تأسيس الهيئة القبطية الامريكية بكاليفورنيا قمت بلقاءات فردية كثيرة لإختيار أفضل الأشخاص ، فقمت بزيارة صديق عزيز متدين صعيدى من ابو قرقاص ، وعندما تناقشت معه بادرنى بالقول " يجب لمّا أشوف مسلم أحبّ (أقبّل) على إيده " ، وفى دهشة سألته " لماذا ؟ " ، وهذه هى الإجابة التى ذكرها  " لمّا المسلم يضطهدنى سآخد إكليل ، إذ أنه هو السبب فى كونى أخذت إكليل " .

   كانت الحرب من كل الجهات... من الأقباط  ، ومن قلة من الأقباط الذين هم فى حضن السفارة ، وبالتأكيد من رجال الكنيسة ، كان هجوم رجال الكنيسة شرسا ، وكان صمودنا نحن أقوى ، وأتذكّر ان نائب رئيس الهيئة القبطية  بجنوب كاليفورنيا  جورج عزيز سعدالله (نيّح الله نفسه) ان قال لى " جرجس .. مفيش فايدة .. رجال الكنيسة ضدنا على طول الخط  .." ، قلت له إنتظر .. انه سيأتى اليوم الذى سيتكلمون مثلنا " ، ومرت سنوات وبدأ بعض الأباء يتكلمون مثلنا  وإن كان ليس على الدرجة الكافية .
لقد كانت حرب مستمرة فى الخفاء والعلن ، وأتذكّر أنه(جورج وأنا)  كان لنا لقاء مغلق مع إحد الأباء الأساقفة بدأ متأخرا فى المساء وإستمر حتى الواحدة صباحا " وأثناء حوارنا الهادئ  معه قلت له " نحن نريد أبونا الراهب ..... .... (اسمه فى الرهبنة) بمعنى اننا نريد شخصيتة ومواقفه قبل ان يصبح أسقفا(نيّح الله نفسه) ، وإستطردت قائلا " أخشى ياسيدنا أن يذكرك التاريخ بالخيانة  " ، فقال فى هدوء " أنا لا يهمنى التاريخ .. انا يهمنى ضميرى " .
   كانت حرب قاسية فى صراعى مع الكثير من الأباء الكهنة والعديد من الأباء الأساقفة ، ولكن هذا لم يمنع ان يكون هناك محبة متبادلة مع الأباء الكهنة ، لقد كان صراعنا معا على مواقف ولم يكن أبدا صراعا شخصى ، لقد كان الرئيس رونالد ريجان فى حرب تكاد تكون يومية و تبادل كلمات جارحه مع تب أونيل رئيس الأغلبية بالكونجرس ، وفى المساء كانا يجلسان معا فى احد البارات يحتسون شيئا ويتسامرون .
ومرت سنوات والآن الاقباط يتكلمون بلغتنا ليس فى الخارج فحسب بل فى مصر أيضا .انه ليس هناك مستحيل ، لقد كنت أدرك ذلك، لأنه ليس الغارس شيئا ولا الساقى شيئا وإنما الله الذى ينمّى.

إذاً ماذا يمنع العلمانيين ان يعملوا من اجل هموم وآلام الأقباط ، لماذا  يريد بعض العلمانيين تحجيم دور الكنيسة ، أنه أمر فى منتهى الخطورة ، فبدلا من تقوية دور الكنيسة ، يريدون عن حسن نية او سوءها تقزيم دورها .
    لقد حطّم عبدالناصر كل القيادات والشخصيات القبطية البارزة ، وحتى الآن صعب ظهورهم من جديد ، وإن لم يكن مستحيلا ،انه يجب علينا ان نصعد ونعلوا كعلمانيين والكنيسة ورجالها فوق اعناقنا ، وليس ان نصعد متسلقين انقاض الكنيسة والقفز فوق أبائها كى نعلوا ونرتفع .
   إذا ضاع او إختفى دور الكنيسة فمن الصعب إعادته ، فى ذلك الوقت سيكون أنين فى كل بيت قبطى ، والعلمانيين فى تلك الآونة سيكونون فى أحضان الحكومة وهى خبيرة فى إستقطابهم ، وذوى الضمائر الحيّة التى لا يمكن شرائها  بأى ثمن يمكن استبعادهم بطريقة او بأخرى .
   أتذّكّر القمص باسيليوس اسحق كاهن كنيسة الملاك ميخائيل بغربال بالأسكندرية  قال " ايه اللى يقدروا يعملوه مع كاهن .. هييقولوا علىّ شيوعى .. هيقولوا باخد مخدرات لا دى ولا دى ها تنفع . وقد كان فيما سبق قد استدعاه الصاغ صلاح سالم(عضومجلس قيادة الثورة) وهدده بتعليقه على مشنقة فى ميدان المنشية .
   ربما أكون قد أخذتك بعيدا عن موضوعنا وسؤالنا وهو من الذى يجب ان يدافع عن حقوق الأقباط ؟؟... العلمانيين أم الإكليروس !! أرجوا اراء وتعليقات القراء للإجابة عن هذا السؤال .
     وحتى نلتقى فى مقالنا القادم الذى سأستعرض مواقف كثيرة لكثير من العلمانيين وأيضا مواقف كثيرة لكثير من رجال الإكليروس ، أترككم فى رعاية الله وعنايته ، بارك الله مصـر وشعبها .


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع