السيناريست جرجس ثروت 
 
بانورما شهداء مصرليست فكرة أوسبق صحفي حتى يدعى البعض أنه أول من فكر فيها لأن أغلب المصريين قد يكونوا حلموا بذات الحلم يوم نشرت صورالشهداء وهم يسقطون بالشوارع , ودمائهم تسيل وهى ساخنة ومع سخونة المشهد تمنى كال واحد منا أن ينتقم لدماء هؤلاء الذين خرجوا للشوارع عنا ,  لدراسية خاصتهم , ولكن كما جرت العادة يملئ القلوب الحماس وتلتهب النفوس بالغيرة ساعة وقوع الحدث وسرعان ما تبرد هذه المشاعر , حتى جاءت اللحظة التي أراد فيها الفنان المصري أن يجسد هذه الملحمة البشرية في التضحية لأنه لا يوجد شعب على الأرض باركه الرب غير هذا الشعب ولا تجد نظيره بين سكان الكرة الأرضية قاطبة من يضحى بنفسه من أجل تراب بلده كهذا الشعب , أراد الفنان المصري شبابه بشيوخه أن يصنعوا تاريخ هذه الأمة المصرية من خلال جداريات تتزين وتتشرف بصور هؤلاء الملائكة التي لم تكن الأرض تستحقهم .
 
روى لي صديق إ.م مهندس مدني في الثلاثينيات من العمر , وهو من شباب التحرير وكان مشاركاً وشاهداً على أحداث ينايرعن أحد الشهداء وهويدخل الميدان على راس فرقته وكأنه في ليلة عرسه وسط أصدقائه وهم يزفوه إلى السماء , لم ينظر حوله لرصاصات تغدر به , وكان ينادى بأعلى الصوت : خلاص من النهاردة خلاص .. دي بلدنا أوع أنت وهو !!! لم يكن يدرى هذا الشاب إنه سيتركها ويرحل بهذه السرعة , وكان يتصور نفسه ملكاً على عرشه سيحكم وسيشارك في الحكم , ولم يكمل هذه الكلمات حتى سقط مدرجاً في دمائه وسط صيحات أصدقائه الذين لم يصدقوا أن هذا النشاط وهذه الشعلة تسقطها قطعة رخيصة من معدن تمسى رصاصة اخترقت قلبه النابض بالحب والعشق للحياة , نعم الشهداء عشقوا الحياة أكثر منا , نعم أحبوها أكثر لأنه لولا عشق الشهيد للحياة لما كان يريد أن يجعله جنة , لما حلم بالأفضل ونزل للتحرير بالتغير لو لم يكن كذلك لصار واحداً منا يكتفي بأن يكتب أو ينظر , أو حتى من شرفة منزله يهتف ولكن لا تهون عليه روحه أن يضحى بها .
 
هكذا أحب المصريون الحياة حتى الخلود وصنع أجدادهم الأواني التي سيستخدمونها والزينة وكل شئ بعد البعث , وكانوا أول شعوب الأرض إيماناً بالخلود والحساب كما تصوره جداريات وبانورما الفن المصري القديم , قيل عن حبة الحنطة إن لم تسقط في الأرض وتمت تبقى وحدها بلا حياة , ولكن إذا سقطت تأتى بثمر كثير , هكذا الشهيد لو كان شخصاً عادياً لبقى وحده وربما عاش من العمر حتى شبع أياماً ولكن لن يسمع به أحداً , ولكن بمجرد سقوطه دمائه تذكيه ليكون أميراً على قلوب الملايين , وكلنا نتذكر حتى بسمتهم أثناء الرحيل , إنهم شهداء مصر البانورما الحقيقية الحية حتى وان رحلوا يبقوا في قلوبنا إلى الأبد , وقد جاء الوقت لكي نحتفل بهم في هذه البانورما التي تجسد في جدارية عملاقة كل ملامح شبابنا الطاهر الذي قدم ذاته عنا لنحصد نحن مكاسب وحريات لم تكن غير بالدم , ستجول هذه الجدارية العالم لكي يصل الصوت للمسكون كلها أن المصريين قاموا بالثورة ضد الظلم حالمين بالعيش والحرية والعدالة وهم مستمرون في ثورتهم حتى تعود مصر لما كانت عليه من مكانة .
 
البانورما ملك للشعب المصري كله وبالحرى اسر هؤلاء الشهداء الذين نالوا شرف أن يقدموا لمصر أغلى ما عندهم وهو نور أبصارهم وفلذات أكبادهم , وهى أقل القليل الذي يقدمه الفنان المصري والشباب والرجال والفتيات والنساء القائمين على العمل لكي يرى كل أب فقد أبنه أو أم مكلومة صورة شهيده الغالي ويقول : مش خسارة في مصر , فقدتك بالدنيا شاباً  لتكون عريساً هناك في المجد في الخلود !!! قد يعزيه هذا عن غيابه أو غيابها وعندما يكتب للبانورما النجاح وتحقق اى مكاسب مادية يكون لأسرالشهداء النصيب والحظ الأوفر حتى تعوض البعض القليل لغياب من كان يعول , البانورما هي عرس جماعي لأولئك الشهداء كما هم أيضاً هناك في السماء , وسيخلد اسمهم أيضاً وليس فقط صورهم في مجلد يضم ويتشرف بأسمى وأغلى الأسماء وقبل أن تطلق أسمائهم على الميادين نكون قد حفرناها في قلوبنا كما سطروها هم بالدم أيضاً .
 
 البانورما لن تترك اسماً واحداً يسقط سهواً كمان أن دم كل شهيد منهم لم يسقط سهواً في حادث سيارة أو موت خطأ بل عنوة كان سقوطهم حتى وان تعددت الأسباب فمنهم من كان بشرفة منزله وأطلقوا عليه النار , ستصل الفكرة والذكرى الغالية لكل الأرض بكل اسم غالى في كل القطر , ولن تنجح بدون كل مصري ومصرية يشارك فيها بالعضوية وبالفكرلأنه ببساطة لا يوجد في كل مصرمدينة أوقرية لم تقدم شهيداً على الأقل , شهيد كان يطلب حقه بصورة سلمية وبصدورعارية حتى نميز الغث من السمين في معنى ومدلول هذه الكلمة , شباب طاهر برئي غير مسيس ولا يتبع أحداً وخرج بدافع من ضميره , وبرغبة صادقة في حياة أفضل من أجله وأولاده ومستقبله , البانورما لا تحتاج لدعوة من احد لعضويتها بل تحتاج لطاقة الشباب وجهد كل مصري يبحث عن حق الشهيد ويحبه من القلب , لأن شعار هذه البانورما هو حب الشهداء وحقهم الذي يجب أن يعود مهما طالت الأيام لأن دمهم يصرخ من الأرض إلى الساكن في السماء لكي ينتقم لدمائهم من الساكنين على الأرض .