بقلم: منير بشاى
تقول احصائيات نشرت حديثا فى أمريكا ان عدد الأمريكيين من أصل عربى يبلغ تقريبا 5.3 مليون نسمة، نسبة اللبنانيين منهم 40% والسوريين 12.3% والمصريين 12% والفلسطينيين 6%. وغالبية العرب فى أمريكا مسيحيون بنسبة 63% بينما تبلغ نسبة المسلمين 24%.
كما تقول الاحصائيات ان العرب الأمريكيين يجلسون على قمة سلم التعليم والثراء فى امريكا بالمقارنة ببقية افراد الشعب الأمريكى. وهى ظاهرة تختلف عن ما تعودت افلام هوليوود تصويره عن شخصية العربى كالساذج والغبى والذى يتسم بالكسل ويميل الى العنف ويوصم بالارهاب.
61% من عرب أمريكا يحملون شهادات جامعية مقابل 30% من بقية الشعب الأمريكى. ومتوسط مرتب العربى الأمريكى فى العام 54 الف دولار مقابل 43 الف دولار متوسط المرتب لبقية الشعب الأمريكى.
وتقول الاحصائيات ايضا ان 57% من العرب فى أمريكا يمتلكون منازلا خاصة يعيشون فيها بينما النسبة بين بقية الشعب الأمريكى فى هذا الأمر تبلغ 43% فقط.
ولكن السؤال المحيّر: اذا كان العرب قد حققوا هذا القدر الكبير من النجاح فى أمريكا فلماذا فشلوا فى تحقيق مثيله فى بلادهم؟ لماذا يكسب العربى فى أمريكا فى المتوسط 54 الف دولار سنويا بينما يكسب فى مصر اقل من الف دولار؟ وللاجابة على هذا التساؤلات هذه بعض الأسباب:
لعل اهم اسباب تفوق العرب فى أمريكا هى أنهم وجدوا انفسهم يعيشون فى مجتمع لا يعانى من وصمة االتعصب الدينى. فغالبية العرب الأمريكيين من المسيحيين وجدوا فى امريكا مجتمعا يحميهم وينصفهم ويضمن حقوقهم، وليس كما كان يحدث لهم فى بلادهم. كما ان الأقلية المسلمة لا تحس بأى نوع من التمييز لسبب انها لا تدين بدين الغالبية. غالبية الامريكيين يدينون بالمسيحية ولكن لا أحد يطلق على امريكا اسم دولة مسيحية، والدستور الأمريكى لا ينص على ان مبادىء الدين المسيحى هو المصدر الرئيسى للتشريع.. لا أحد يسألك عن دينك عندما تتقدم لوظيفة وجيرانك لا يهمهم ديانتك. المهم هو التزامك كمواطن ومقدرتك على أداء عملك وحرصك على احترام حقوق الآخرين.
ومن الاسباب الهامة فى تفوق العرب الأمريكيين ان امريكا اعطتهم فرصة تعليم متميز يختلف عن ما فى بلادهم. فى أمريكا يبنى التعليم على شحذ الامخاخ وتحدى العقول بالنقد العلمى وتطبيقاته العملية لحل مشكلات العصر. أما فى مدارسنا العربية فالتعليم هو الحفظ عن ظهر قلب لكلام نظرى قد لا يفهمونه ولا يعرفون فائدته فى الحياة. والنجاح والرسوب عندنا يبنى على مقدرة الطالب القاء ما حفظه فى ورقة الامتحان. ثم يخرج محاولا ان ينسى ما تلقنه طالما انتقل الى الصف الذى يليه.
أيضا من اسباب تقدم العرب فى امريكا وجودهم فى مجتمع يحترم حقوق الاخرين بنفس القدر الذى يحترم حقوقه. تعود الأمريكى ان يأخذ مكانه فى الطابور وينتظر دوره ولا يتعدى غيره. وايضا تعلم ان النظافة من الايمان فعلا وليس قولا فلا يلقى القمامة فى الشارع بل يعتبر الاماكن العامة مثل بيته. كما تعلم ان يحترم ملكية الآخرين فلا يقطف وردة أعجبته فى حديقة جاره دون اذن. لقد وجد العرب فى امريكا انفسهم فى مجتمع يقدس العمل ويعتبره بالفعل عبادة. فالموظف لا يتأخر دقيقة عن موعده ولا ينصرف دقيقة قبل موعده. والوظائف الكبرى فى امريكا مسئولية وليست "منظرة". فالرئيس فى امريكا ليس سيد القوم ولكن خادمهم فيطلق عليه Public Servant او خادم عمومى.
كما ان العرب تعلموا فى المجتمع الجديد عادات لم يعرفوها فى مجتمعاتهم العربية. على رأس هذه احترام المواعيد، ففى امريكا اذا وعدت ان تزور شخصا لا تاتى له ساعة متأخرا فهذا يعتبر سرقة لوقته. واذا وعد موظف مواطنا ان طلبه سيكون جاهزا فى يوم معين فعليه ان يوفى بوعده والا فلن يستمر فى وظيفته طويلا. واذا قالوا لك ان الاتوبيس سيمر على المحطة القريبة منك فى موعد معين ولكنك اكتشفت انه تأخر عن الموعد فالاحتمال الأكبر ان ساعتك هى الغير مضبوطة.
ومن اسباب النجاح الوجود فى نظام اقتصادى يشجع المواهب ويجازى الابتكار ويكافئ العمل الشاق. صحيح ان من يكسب كثيرا يدفع ضرائب اكثر ولكن هذه هى العدالة الاجتماعية التى يفهمها ويحترمها الناس فى امريكا. فمن العدل ان يساهم الغنى بقدر اكبر فى الضرائب التى تؤول لخدمة الفقراء، فهو مدين لهم لانه لولا المستهلكين من الفقراء ما استطاع انسان ان يصبح غنيا.
والمجتمع الأمريكى ليس خاليا من العيوب، ولكن ميزته انه يحاول اصلاح عيوبه. فالبلد الذى منذ فترة غير بعيدة كان يسمح بالعبودية استطاع عن طريق الممارسة الديمقراطية ن يضع رجلا اسودا فى مقعد الرئاسة. وان كان البعض لا يتفق مع آرائه السياسية بغض النظر عن خلفيته الإثنية.
ومع ذلك فامريكا ليست الجنة. فهناك من لا يملكون المواهب او الامكانيات لينافسوا ويحصلوا على الوظائف المرموقة او المرتبات المرتفعة. ولكن حتى هؤلاء تضمن لهم الدولة حدا ادنى من الحياة خاصة اذا كان لهم اطفالا. وفى نفس الوقت تعمل لهم البرامج لاعادة تأهيلهم لتحسين اوضاعهم.
من يظنون ان العرب قد نجحوا فى أمريكا لأنهم عباقرة، عليهم ان لا بنسوا ان عددا من هؤلاء العباقرة كان دخلهم فى بلادهم 2% أو أقل من نسبة دخلهم فى امريكا. ولكن هذا قد تغير بعد ان جاءوا الى أمريكا ووجدوا فرصتهم فظهرت عبقريتهم وتم مكافأتها طبقا لما يستحقون.
ولا ينبغى ان ننسى المناخ العام الذى ساعد أمريكا على هذا. ذلك المناخ الذى لو حرمت منه أمريكا لصارت مثل بلادنا وأسوأ. والذى لو توفر لبلادنا لصارت مثل أمريكا وأعظم. وهو المناخ الذى نتمنى ان يسود مصر الجديدة، والذى عندما يمتزج بالعراقة المصرية يمكن ان تصبح مصر أعظم دولة فى الوجود. وعندها قد يهاجر احفادنا الى مصر كما كان يهاجر الى مصر الشوام والاتراك والارمن واليونانيين والايطاليين بحثا عن النجاح والمال الذى كان يحمل اسم مصر (مصارى).
Mounir.bishay@sbcglobal.net