بقلم: د.عبد الخالق حسين
قالوا: "الجنون فنون"، فهناك نوع من الجنون يسمى بجنون البقر(Mad cow disease) الذي أصاب في أوائل التسعينات من القرن الماضي نحو 180 ألف من أبقار بريطانيا، فقتلت الحكومة 4.4 مليون بقرة لاستئصال المرض. ومثيله في الإنسان يسمى بـ(C.J.D.) نسبة إلى العالم الألماني (Creutzfeldt–Jakob ) الذي اكتشف المرض. المهم أن هذا المرض أنتقل هذه الأيام إلى حكام السعودية الذين فقدوا صوابهم لأن أمريكا اتخذت مواقف عقلانية مغايرة لما يريدون. وظهر ذلك جلياً عندما وافقت أمريكا على المشروع الروسي بعدم شن الحرب على سوريا مقابل تدمير السلاح الكيمياوي السوري، وكذلك بروز علامات التقارب والانفراج في العلاقة بين إيران وأمريكا.
إن إلصاق صفة الجنون بحكام السعودية ليس مني، بل من مسؤول أممي كبير، حيث (كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية عن انتقاد حاد وجهه وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان – وهو دبلوماسي أمريكي سابق- للسلطات السعودية اتهمها فيه بالحقد، مؤكدًا أن المسؤولين السعوديين جن جنونهم عندما رأوا علامات التقارب بين اميركا وجمهورية ايران الإسلامية).(1)
فالمضحك المبكي أن تدعي السعودية أنها تناضل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا أو في أي بلد عربي آخر. فالنظام السعودي هو قروسطي قبلي متخلف إلى أقصى حد، والدولة كلها بما فيها من بشر وأرض وممتلكات وثروات تعتبر ملك العائلة الحاكمة، فهناك نحو 10 آلاف أمير يسيطرون على مقدرات البلاد والعباد. والسعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تسمى باسم العائلة الحاكمة، والمرأة التي تشكل 50% من الشعب محرومة من أبسط حقوقها الإنسانية بما فيها حق قيادة السيارة والتي تعتبر في النظام السعودي جريمة تعاقب عليها المرأة بالسجن.
والجدير بالذكر، أن للسعودية دور كبير ورئيسي في عدم استقرار دول الشرق الأوسط، وبالأخص الدول العربية. فلو أمعنا النظر في تاريخ الصراعات في المنطقة، وخاصة في نشر التطرف الإسلامي والإرهاب الوهابي وتفريخه وحضانته وتصديره إلى العالم لوجدنا أن وراء هذه الكوارث هو النظام السعودي. وفي هذا الخصوص نشرت مجلة (ميدل ايست مونيتر، عدد يونيو/ يوليو 2007) دراسة تحليليه للسفير الأمريكي السابق لدى كوستريكا ( كورتين وينزر) والمبعوث الخاص للشرق الأوسط في بداية عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، بعنوان "السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية السنية"، استهلها بالقول إنه على الرغم من النجاح الذي حققته الولايات المتحدة حتى الآن في تدمير البنية التحتية لتنظيم القاعدة وشبكاتها الإرهابية، إلا أن عملية "التفريخ الأيديولوجي" للقاعدة ما يزال مستمرا على المستوى العالمي وإن جهود أمريكا لمواجهتها تظل قاصرة لأن مركز دعمها الأيديولوجي والمالي هو السعودية التي تقيم فيها العائلة الملكية الموالية للغرب ولسنوات طويلة تحالفا مع الوهابية الإسلامية، كما تحرص على تمويل انتشار الوهابية الى بلدان العالم بما فيها الولايات المتحدة.
ويورد وينزر على لسان اليكسي اليكسيف إثناء جلسة الاستماع أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 يونيو 2003م بأن "السعودية أنفقت 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم"، وأنه يعتقد أن مستوى التمويل قد ارتفع في العامين الماضيين نظرا لارتفاع أسعار النفط . ويجري وينزر مقارنة بين هذا المستوى من الإنفاق بما أنفقه الحزب الشيوعي السوفيتي لنشر أيديولوجيته في العالم بين 1921 و1991م حيث لم يتجاوز الـ 7 بليون دولار. ويلاحظ وينزر جهود نشر الوهابية في عدد من بلدان جنوب شرق اسيا، وأفريقيا والدول الغربية من خلال بناء المساجد والمدارس الدينية والمشروعات الخيرية واستقطاب الشباب العاطل والمهاجرين في هذه البلدان.(1)
وهذه شهادة من أهلها، ولا ننسى أن 15 من 19 إرهابياً الذين نفذوا جريمة 11 سبتمبر 2001 في أمريكا هم من السعودية. وهذا ليس محض صدفة.
إن دور المملكة السعودية في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة هو أشبه بـدور جمهورية جنوب أفريقيا في عهد النظام العنصري ضد حركات التحرر في أفريقيا. لذلك أعتقد أنه لا تستقر الأوضاع في دول الشرق الأوسط وخاصة في الدول العربية إلا بتغيير النظام السعودي.
ومن علامات الجنون السعودي هو رفض السعودية مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي... حيث أشار المتحدث عن النظام لتبرير الموقف السعودي هذا إلى قضيتين؛ الأولى القضية الفلسطينية، والثانية الحالة السورية. وتناسى المتحدث التقارب الإيراني الأمريكي. في الحقيقة إن السعودية أرادت برفض المقعد في مجلس الأمن التعبير عن سخطها وغضبها على أمريكا لاتخاذ الأخيرة الموقف العقلاني الصحيح من إيران وسوريا. أما القضية الفلسطينية فهي آخر ما يشغل بال النظام السعودي الذي يعرف الجميع أنه أقرب إلى إسرائيل منها إلى الشعب الفلسطيني. فلو كانت السعودية حقاً مهتمة بمحنة الشعب الفلسطيني لرحبت بنيل عضوية المجلس لأنها ستوفر لها الفرصة للدفاع عن القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى بفعالية أكثر. لذا، فعذر السعودية أقبح من فعلها.
وهذا التبرير السخيف يذكرني بطريفة ذكرها طه حسين في سيرته الذاتية (الأيام)، (وأنا إذ أنقل من الذاكرة)، أنه عندما كان طالباً في الجامعة أضرب الطلاب في أحد الأيام لسبب ما. ولما جاء أستاذ الدرس اللاتيني وهو إيطالي ليلقي المحاضرة، وجد الطلاب مجتمعين خارج القاعة، فطلب منهم الدخول ليلقي عليهم الدرس، فرفضوا وقالوا له أنهم مضربون. فقال لهم ولكن بإضرابكم تضرون أنفسكم فتخسرون المحاضرة. وأضاف مازحاً، أنكم أشبه بذلك الرجل الذي تشاجر مع زوجته وأراد أن يغيضها فأخصى نفسه!!! وقال طه حسين: فضحكنا، ومن يومه كرهتُ الإضرابات الطلابية.
وهذا بالضبط ينطبق على السعودية في رد فعلها للانتقام من أمريكا برفضها لعضوية مجلس الأمن.
إن موقف السعودية من الربيع العربي منافق إلى آخر درجة، فمن جهة تدعم السعودية الأخوان المسلمين والتطرف الإسلامي في سوريا والعراق وفي نفس الوقت تناهضهم في مصر. والسبب هو أنها تريد إشغال العرب بالحروب الداخلية لتبعد عن نفسها ثورة الشعب السعودي عليها. ولكن معظم المحللين الغربيين يؤكدون أن الثورة الشعبية على النظام السعودي قادمة لا بد منها، وإنها فقط مسألة وقت: متى؟
إن التقارب الإيراني الأمريكي هو نتاج انتصار العقل والحكمة على جنون المحرضين على الحروب. فقد توصل الإيرانيون وبعد 34 سنة من ثورتهم الإسلامية، ورفع شعارات متطرفة صبيانية مثل الموت لأمريكا، ووصفها بـ(الشيطان الأكبر)، تأكدوا أن هذه السياسة سوف لن تجلب لهم غير العزلة والدمار الاقتصادي. فلحد الآن خسرت إيران نحو مائة مليار دولار بسبب الحصار، وفقدت عملتها أكثر من 35% من قيمتها. وكما تفيد التقارير، أن الرئيس الإيراني الدكتور حسن روحاني عاش لعدة سنوات في بريطانيا ونال من إحدى جامعاتها درجة الدكتوراه، وهو إنسان معتدل ومعجب بالديمقراطية البريطانية وثقافتها...الخ. وكذلك الرئيس الأمريكي أوباما يسعى من جانبه لتجنيب زج أمريكا في حرب أخرى في العالم، وبالأخص في الشرق الأوسط. وحتى دول الوحدة الأوربية تريد إطفاء بؤر التوتر في المنطقة والتفرغ لدحر الإرهاب الذي بات يهدد الجميع. ولكن هذه التحولات في المواقف لا يفهمها البدو السعوديون الذين أغرتهم الثروات النفطية فظنوا أن بإمكانهم إخضاع الدولة العظمى والوحدة الأوربية لإرادتهم وجر أمريكا لحرب جديدة ضد سوريا وإيران نيابة عنهم. ولما فشل السعوديون في جر أمريكا إلى ما يريدون جن جنونهم.
خلاصة القول، أن السعودية وقطر ومن لف لفهما هم على الجانب الخطأ من التاريخ، وحان الوقت لسقوط هذه الأنظمة كأوراق الخريف عندما تهب العاصفة. إن ما يجري في دول المنطقة من صراعات عاصفة عبارة عن المخاض العسير للتحولات الاجتماعية والسياسية الثورية وولادة الديمقراطية، والتخلص من التخلف المتراكم عبر قرون. إذ كما قال هيغل: "إن ولادة الأشياء العظيمة مصحوبة بألم".
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com