الثلاثاء ٢٩ اكتوبر ٢٠١٣ -
٠٠:
١٢ ص +02:00 EET
بقلم : فاروق عطية
الكواشف (إندكاتورز) في الكيمياء التحليلية هي مواد عضوية تستخدم عند المعايرة الكيميائية، ويتغير لونها عند نقطة التعادل (إند بوينت). كذلك كان الوضع مماثلا فيما حدث لفريقنا الوطني في المباراة التي هُزم فيها هزيمة تعتبر بكل المقاييس هزيمة كبيرة لم يتعرض لها فريقنا الوطني على مدى تاريخه، فقد كانت هذه الهزيمة القاسية كاشف (إندكانور) لما وصلنا له من تدهور ليس في الرياضة فحسب ولكن في كل المجالات، مما يحتاج منا التحليل الدقيق والتقييم الصحيح لوضع روشتة العلاج.
للأسف منذ ثلاث سنوات أي منذ بداية الخريف العربي ونحن نسير من سيئ إلى أسوأ، وبدلا من أن تكون ما أطلقنا عليها ثورات شاحذا لهِممنا حتى نسير قدما للأمام، أظهرت هذه الفورات الكاذبة أسوأ ما فينا من خصال. تركنا أعمالنا وأهملنا مصالحنا واهتممنا بالتظاهرات والاعتصامات وحرق المنشآت، وملأ البلطجية الشوارع والطرقات، وغاب الآمن والأمان، وأصبح الفرد منا غير آمن على نفسه أو بيته أو ممتلكاته، توقفت المصانع عن الإنتاج وتباطأت المحاكم في إحقاق الحق وتوقفت الشرطة عن أداء دورها فعّمّت الفوضى وافترش الباعة الجائلون والبلطجية الميادين وساد في كل مكان قطع الطرق وشلّ المواصلات. وكان التدهور ملحوظا ليس في الرياضة فقط بل في كل المجالات الفنية والثقافية والخدمية والاقتصادية والسياسية أيضا.
لقد لاحظنا جميعا مدى التدني والإسفاف في مسلسلات رمضان وتبعها ما أنتجته السينما المصرية من أفلام هابطة عرضت في عيد الأضحى منذ أيام، لتكشف أن الهزيمة الكروية في غانا أهون بكثير وأخف وطأة من هذا التدهور الفتى وانحطاطه. ولم تسلم الحياة الثقافية أيضا من الانحدار فكان نتاج الشعراء والكتاب والموسيقيين شعرا ونثرا وغناءً وتلحينا متدنيا ولا يليق بمكانة مصر الثقافية وريادتها، حتى مقدمي برامج التوك شو تدنت وهبطت لغتهم وامتلأت عباراتهم بالألفاظ الخادشة والسباب مما انعكس سلبا على سلوك المشاهدين في حياتهم اليومية.
أما في الخدمات العامة التي هي من واجب السلطة التنفيذية أي الحكومة فقد أصابها الوهن والإهمال أبضا، فقد صدمتتا الأخبار بانهيار جسر ترعة الصف الذي أدى لغرق العديد من الحقول والمنازل وضياع المزروعات ونفوق الطيور والماشية، والغريب أن يتزامن ذلك مع ليلة كارثة غانا، وتكرر ذلك في أماكن أخرى بمحافظات مختلفة. ولا ننسى الانقطاع الدائم للكهرباء في عامة المدن والقرى المصرية لتهرؤ وعدم صيانة محطات الكهرباء وشبكة التوزيع، وحوادث الطرق والقطارات المتكررة وهذا دليل دامغ على ما آلت إليه المرافق من تدهور بعد توقف الصيانة والإصلاح نتيجة توقف الحياة واستمرار الإضرابات والاعتصامات بلا داع منذ قيام فورات الخريف العربي حتى الآن.
نمت ليلتها كما نام كل مصري كان لديه الأمل في رفع علم مصر في كاس العالم بالبرازيل مهموما ومفروسا ومحبطا بعد أن ضاع الحلم وأصبح الأمل شاحبا بل في حاجة لمعجزة في زمن لا يعترف بالمعجزات، لأستيقظ على الحقيقة المُرة ألا وهي أن القضية لبست هي فشل الفريق الوطني لكرة القدم في غانا ولكنه فشل عام سربل حياتنا وحطم طموحاتنا، حقيقة نحاول أن نهرب منها أو نتجاهلها.
إذا كان النجاح له أب واحد فالفشل تتعدد أبوته فالكُل يحاول إلقاء اللوم على غيره مع أن الكل مقصر والكل مُلام والكل جانبهم التوفيق بل الكل تواكل وتباطأ ولم يؤد الدور المنوط به على أكمل وجه. البعض يضع المسؤولية علي كاهل حارس المرمى، والبعض يحمّلها على خط الدفاع، والبعض يلقيها على طاقم التدريب، والحقيقة هي أن المسؤولية جماعية ولا يتحملها فرد بعينه، وهذا بالضبط ما يحدث في جميع مجالاتنا فنحن دائما ما نحاول إلقاء اللوم والمسؤولية على شخص أو فئة أو جماعة مع أن الكل شركاء تماما كما هو الحال في أي لعبة جماعية، فافتقاد التجانس والتآلف بين لاعبي المنتخب جعلهم يظهرون كأقزام لا تكاد تحملهم أقدامهم أمام عمالقة غانا مما أوصلنا لهذه النكسة القاسية، وهو بالضبط ما ينطبق على حالنا ومسؤولينا ورؤسائنا الذين يبررون فشلهم بشتى الطرق ولا يعترفون بأنهم مخطئين وغير قادرين ولا يعترفون بأن الاستئثار بالحكم والتمكين والاستحواذ علي مفاصل الدولة وإلغاء الآخرين هو سبب ما نعبشه من نكبات، فالفشل هو نفس الفشل والإخفاق هو نفس الإخفاق. فمن المنطق الاعتراف أن الفشل في جميع المجالات بالقطع هو المؤدى للفشل الرياضي أيضا. فكيف تتآلف وتتجانس فرقنا الرياضية ونحن على مستوى الوطن منقسمين، تحاول أقلية ضالة التحكم في ألأغلبية بالتظاهرات والاعتصامات والإرهاب مستخدمة القتل والتفجير والذبح أسلوبا، متعللين بالشرعية للرجوع لسلطة فقدوها بجهلهم وغبائهم. ووصل التدني والانحطاط بهم أن يقفوا ضد وطنهم وفريق بلادهم، سافر العديد منهم إلي غانا ليس لمؤازرة فريقهم بل لتشجيع الفريق المنافس، فرحين ومهللين ومكبرين للهزيمة التي منى بها فريقهم، وحين بات معظم شعب مصر مقهورا بات أنصار المحظورة في نشوة وفرحة كـأنهم هم المنتصرون...!
إذا لم نتدارك الموقف بقرارات ثورية فورية حازمة قد نفاجأ بما هو أشد وأسوأ، قرارات سريعة تصب في مصلحة الوطن. فاليدي المرتعشة التي تتعامل بها حكومة الببلاوي لا تصلح في هذه الفترة الفارقة من عمر الوطن، التباطؤ والمواءمات الحزبية في تعديل دستور الإخوان المعيب لا تجدي، والدعاوي المتكررة للمصالحة فات أوانها، باختصار مصر في حاجة لحكومة قوية قادرة وقيادة حازمة ناجزة لوقف هذا النزيف المستمر في اقتصاديات الدولة وانهيار الخدمات العامة والانفلات الشعبي المستمر وضياع الوقت والمجهود في مظاهرات ومُهاترات واعتصامات. مصر لن تنهض بالمعونات المشروطة ولا المساعدات والهبات بالمن ولن تنهض إلا بجهد أبنائها وقوة سواعدهم. مصر الحضارة في حاجة ملحة لعودة السياحة التي لن تعود إلا بعودة الأمن والأمان للشارع المصري، وجذب المستثمرين الذي لن يعود إلا بعودة العمل وانضباطه، وكسب ثقة العالم فينا من جديد وهذا لن يتم بلا مجهود وتضحيات وقبل هذا وذاك نحن في حاجة لعودة الثقة بأنفسنا وذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
وفى النهاية خسارة مباراة وإن كانت قاسية فهي ليست نهاية العالم فالرياضة مكسب وخسارة، فلابد أن نتحلى بالروح الرياضية وألا نفقد الأمل مهما كان ضئيلا في مباراة العودة وإن كنت لا أطمع في المستحيل، على الأقل نكسب المباراة على أرضنا كنوع من رد الاعتبار وإعادة الثقة. فخسارتنا وإن كانت نتيجة للتدهور في كل أحوالنا، هي أيضا نتيجة مباشرة لعدم وجود نشاط كروي منتظم وافتقارنا للبرامج والخطط التدريبية والإعداد المنظم، عكس ما هو متاح للفريق الغاني الذي يشارك لاعبوه في مباريات الدوري الغاني المنتظم ومحترفوه يلعبون في أرقى الدوريات الأوروبية القوية. وعلي فريقتا الوطني أن يستعد ويبزل الجهد والعرق ولا ييأس، ولكل مجتهد نصيب
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع