بقلم: فاروق عطية
في المقال السابق سلّطت بقعة من الضوء على أقدم ثورة في التاريخ، وفي هذا المقال أحاول إيضاح التشابه بين الثورة القديمة وثورة 25 يناير الحديثة. هناك تشابه وتطابق بين ثورة أجدادنا المصريين القدماء على الفرعون العجوز بيبي الثاني وثورة 25 يناير على العجوز مبارك أيضا، كأن التاريخ يعيد نفسه أو هو تأكيد علمي على أن الجينات المصرية ثابتة لم ولن تتغير بمرور الزمن منذ الفراعنة وحتى الآن، وهذا ما بينته بردية فرعونية موجودة بمتحف تورين بهولندا برقم 344 وتخص «إيبو ور» أو «إيبو الحكيم» .
وهو من أصحاب الرؤي الإصلاحية في السلطة، تقص علينا أحداث الثورة الشعبية القديمة التي أشعلها أجدادنا لينهوا بها أطول فترة حكم في التاريخ، هي ثلاثة أضعاف فترة حكم مبارك، في سيناريو ثوري مشابه في أوجه كثيرة مع ثورة 25 يناير 2011. في نهاية حكم الأسرة السادسة في عام 2281 ق.م، قبل 4294 عاماً من الآن دخلت مصر في مرحلة انتقالية استمرت قرابة 150 عاما في أعقاب ثورة المصريين علي الفرعون العجوز بيبي الثاني وأطاحت بملكه الذي طال لأطول فترة في التاريخ.
نلاحظ كثير من التشابه بل التطابق بين ظروف ما قبل الثورة الفرعونية مع الظروف التي مرت بها مصر في عهد مبارك المخلوع، فقد سبق الثورة القديمة فساد ساد البلاد وسيطرة الأسرة الحاكمة على مقدرات العباد واستشري الفساد الحكومي من الوزراء حتى أمراء الأقاليم مما أدى إلى قيام الثورة التي أطاحت بالملك بيبي الثاني وتولي أحد أبناء الشعب حكم البلاد، وهو نفس ما كان وما حدث في عهد مبارك المخلوع.
قامت الثورة المصرية الفرعونية في أواخر القرن 23 ق.م بعد فترة حكم استمرت نحو 96 عاما، حيث تولى بيبي الثاني الحكم وعمره لا يتجاوز الست سنوات وامتد به الحكم حتى بلغ من العمر مائة عام، وهي أطول فترة حكم في تاريخ مصر الفرعونية، أيضا قد امتد حكم مبارك لثلاثين عاما وتعد فترة الحكم الأطول في العصر الحديث. ومن أبرز العوامل التي حركت الثورة الفرعونية كانت الحالة الاقتصادية المتردية، وأطلق عليها أنصار الطبقة الحاكمة في ذلك الوقت «ثورة الجياع» أو «ثورة الفقراء» كما ورد ذلك في البردية التي وثقت الثورة وصورتها على أنها «انقلاب اجتماعي».
في حين يرى الباحث الأثري «أحمد صالح» مدير أثار أبو سمبل ومعابد النوبة أنها ثورة حقيقية قامت في توقيت زمني واحد وشملت جميع البلاد وملأت الساحات والميادين تماما كما حدث في ثورة يناير. ولم يكن العامل الاقتصادي هو السبب الأوحد للثورة في كلتا الحالتين إنما السبب الرئيسي هو طول فترة الحكم التي قاربت القرن في عهد حكم بيبي الثاني والثلاثون عاما في عهد حكم مبارك. كما أن التشابه في عهدي بيبي الثاني ومبارك كبير جدا من حيث التدخلات العائلية في الحكم فقد وقع بيبي الثاني تحت وصاية أمه وخاله إضافة لسيطرة أمراء الأقاليم وعدم الولاء له وتحكمهم في مصائر البلاد والعباد.
كما وقع مبارك أيضا تحت ضغط التوريث من زوجته ليرث ابنه الحُكم مع زيادة سلطة الحزب الحاكم خاصة لجنة السياسات ورجال الأعمال الزين تحكموا في اقتصاديات البلاد. ويبدو التشابه جليا بين الثورتين، حين كفر المصريون بعد الثورتين بأصحاب السلطة الدينية ومن الفزاعات التي كانوا يرصدونها للمصريين، واكتشفوا أنهم من أصحاب المصالح والنفعيين ولا يهمهم إلا الثراء فقط بغض النظر عن الشعارات التي يرفعونها باسم الله.
وانقلب الفراعنة على الكهنة بعد أن تأكدوا أنهم استغلوا الدين للتقرب من الحكام وسيطروا على الشعب من خلال تقديم القرابين وتخويف الناس من العالم الآخر لذلك هاجم الثوار المقابر والمعابد مما يعنى أنهم هاجموا الفكر الديني المتطرف، وهذا ما فعله أحفادهم بالضبط بالتخلص من سيطرة الأحزاب الدينية الحاكمة وعلى رأسها الإخوان المسممين بثورة التصحيح "30 يونيو".
تصف البردية طريقة الثورة وهي سيناريو مطابق لثورة 25 يناير، حيث سيطر الشعب على أماكن محددة إبان الثورة مثل الأهرامات ومعابد الملوك والكنوز الموجودة بها، وهناك بعض الأقوال تؤكد أن الثوار اقتحموا قصر الملك وخطفوه، كذاك قام الثوار -حسب البردية -بمهاجمة مجالس القضاء وحرق مستندات القضايا وإلقائها في الطريق مؤكدين أن القضاء لم يكن نزيها في عهد بيبي الثاني. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل هاجموا المكاتب الحكومية التي يوجد فيها السجلات التي تضم مديونيات الشعب وقيمة الضرائب المفروضة على الشعب.
كما تزايد عدد قُطّاع الطرق والبلطجية أثناء الثورة لأن النظام انهار فجأة وبشكل غريب لدرجة أن الجثث كانت تلقى في الشوارع وفي نهر النيل حتى تحول لون مياه النيل للون الأحمر، ولجأ المصريون لحفر الآبار للحصول على مياه شرب نقية. لم تكن الثورة مُخططٌ لها بل كانت ثورة عفوية وانقلب الحال فجأة، ففي نفس التوقيت تقريبا خرج الثوار من الفنتين بأسوان مع الثوار في مدن الدلتا إلى الشوارع والساحات، أليس ذلك مطابقا لما حدث في 25 يناير؟
بعد الثورة الفرعونية ظهرت ظروف تشبه ما تمر به مصر حاليا من خلاف حول موعد الدستور والانتخابات، وحسب بردية «نفر نني» أو «نفر حو» الموجودة في متحف «بطرس برج» بروسيا وتدون أحوال الثورة على الفرعون العجوز، وتؤكد على أن الشعب يبحث عن الحاكم العادل الذي يحكم بالعدل «ماعت»، وتقول البردية أن الحاكم العادل سوف يأتي من الجنوب لأن الشمال تكدس فيه الاسيويون وشاعوا فيه فسادا، وقالت البردية إن الحاكم القادم اسمه «امين» وهو اسم الدلع لـ "امنمحات الأول". وهناك بردية أخري معروفة باسم تعاليم الملك «خيت ني» إلى ابنه ويقول له فيها: "الحاكم قد يتعرض للخطأ والصواب وأنه مثل البشر وأنه عليه إذا أخطأ أن يندم ويعلن عن خطأه"، وقال أيضاً "الحساب في العالم الآخر لا يعتمد على الحسب والنسب إنما على العمل الصالح ".
وهناك أيضا بعض الاختلافات بين الثورتين، فالثورة على بيبي الثاني قام بها شعب مصر المطحون دون أي تدخل أجنبي بينما الثورة علي مبارك كانت بتخطيط وتدبير أجنبي أوروأمريكى وتمويل خليجي وتنفيذ عملاء مدربين خارجيا. ونقطة أخرى نتمنى ألا تتشابه فيها الثورتين، فبعد الثورة الناجحة على بيبي الثاني مرت مصر بفترة ضعف ووهن انتقالية طويلة استمرت 150 عاما دامت حتى منتصف الأسرة الحادية عشر، في أعقاب الثورة ظهرت أربع أسرات تعرضت مصر فيها لحكم 70 حاكما وأن كانت المعلومات المتاحة عن هذه الفترة المضطربة قليلة للغاية، حيث سادت حرب أهلية في كل أقاليم مصر وتغيرت نظرة المصريين للحكم منادين بالحكم العادل "ماعت “بعيدا عن التمسح بالآلهة، وتمنياتنا ألا تطول الفترة الانتقالية الحالية وتسير خارطة الطريق في مسارها الطبيعي مفرزة دستورا عادلا تحقق العدل "ماعت" لكل المصريين.
قدمت البرديات روشتة لعلاج الوضع المتردي لما بعد الثورة، وهذه الوصفة تعد صالحة لمصر في وضعها الحالي. وتتلخص الروشتة في ثلاث نقاط.
النقطة الأولي هي الاتحاد ولم الشمل وعدم الانفصال بين الأقاليم لتعود مصر قوية. النقطة الثانية هي عودة العدل بأن يقوم الحاكم بإرساء دعائم ملكه بالعدل (ماعت) "الدستور حاليا". والنقطة الثالثة تتمثل في اختيار الحاكم العادل الذي يرعى مصالح شعبه ووطنه. كما فكر المصريون القدماء في مشروع قومي يوحد الشعب ويلتف حوله الجميع بعد حالة التدهور الاقتصادي التي تلت الثورة، ووجدوا أن الحل يكمن في نهر النيل "حابى" الذي زاد فيضانه في تلك الفترة العصيبة .
ووصل ارتفاع المياه به إلى 19 مترا مهددا البلاد بالغرق. فكان المشروع القومي المقترح هو تحويل مجري النيل إلى بحيرة قارون بالفيوم فقاموا بشق فناة تخرج من نهر النيل من أسيوط حتى الفيوم المعروف الآن باسم "بحر يوسف"، والهدف منها تصريف مياه الفيضان وتخزينه في البحيرة، وإقامة أراضِ زراعية بلغت 100 ألف فدان وتوزيعها على الفلاحين المعدمين. والمشروع يتشابه مع فكرة ممر التنمية المقترح من الدكتور فاروق الباز الذي يقسم الصحراء الغربية إلى قطاعات تنموية زراعية وسكنية.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع