الأمل قوتنا للمستقبل
بقلم: عزت بولس
منذ شهر تقريبًا في ذلك المكان وتحت عنوان"هل وصلنا لنهاية الطريق؟" حاولت من خلال طرح بعض التساؤلات على القراء أن أكتشف معهم آليات جديدة لعلاج الأسباب التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في زيادة حالة "الاحتقان الطائفي" المتزايدة وتيرتها بحدة داخل مصر، ويكتوي بنارها المواطنون المسيحيون وغيرهم من أتباع الأقليات الدينية والمذهبية الأخرى في مجتمع غالبيته مسلمين سُنة، وفي إطار ذلك البحث عن آليات جديدة للعمل لم أغفل أن أُشرك القاريء في تقييم أليات العمل القديمة والتي استنفذ بعضها دوره بالفعل.
حقيقةً دُهشتُ وسعدتُ معًا بمحتوى مشاركات البعض من قراء صفحتنا الإليكترونية المقيمين داخل مصر أو خارجها، تلك المشاركات التي وإن اختلفت في تحديد وسائل المعالجة والتقييم للوضع الحالي، إلا أنها جميعًا كانت معالجات يحدوها"الأمل" وبعيدة عن اليأس من الاستمرار في السعي لتحقيق"المواطنة" الكاملة لكل المصريين، مما أكد لي أن الطريق لمستقبل أفضل لوطننا المتعثر حاليًا لم ولن يكون مسدودًا أبدًًا.
كان هناك شبة إجماع من المشاركين على أن نقل المؤتمرات التي تتحدث عن انتهاك حقوق المسيحيين داخل مصر بدلاً من خارجها خطوة "غير مجدية" على الإطلاق، بل إن أحدهم وصف تلك الخطوة بأنها لن تكون إلا"ورطة وفخ" للقائمين عليها حيث الملاحقات الأمنية، ولهذا وخوفًا من"بطش" الداخل المصري ذهب هؤلاء إلى تأييد فكرة"تدويل" القضية القبطية وعرض تفاصيل الانتهاكات المؤسفة للأحداث الطائفية التي تشهدها مصر على المحاكم الدولية من خلال مؤسسة قانونية يتم تكليفها بمهمتها تلك بعد عمل"اكتتاب" عام لمن يرغب بالمشاركة ماديًا في التأسيس......أتفق مع رأي هؤلاء فيما يتعلق بعدم جدوي نقل تلك المؤتمرات الحقوقية الطابع داخل مصر ليقيني من سوء طبيعة العوائق التي ستفرضها الجهات الأمنية على المنظمين، إلا أنني في ذات الوقت لا أرى فائدة ملموسة تُجنى من عقد المزيد من المؤتمرات بالخارج.
فتلك الآلية أدت دورها على نحو جيد جدًا في الماضي غير البعيد، إلا أنها لم تعد تصلح الآن لأنه ووفق مفردات الوضع الحالي سترسخ فكرة"عزلة" المسيحيين واعتبار ما يتعرضون له من انتهاكات شأنًا خاصًا بهم ولا يندرج تحت هموم الإخفاق في تحقيق مفهوم "المواطنة" بمصر بشكل عام، لاقتصار تلك المؤتمرات عادة على مجموعة بعينها من الشخصيات العاملة بمجال العمل العام- يتناوبون فيما بينهم الحضور وترديد أوراق عمل معروف محاورها من كثرة التكرار- تحولت مع الوقت لـ "غرفة نجتر فيها أحزاننا" إن جاز التعبير، وعلى الرغم من أن تلك الغرف تحقق للمتحدثين من داخلها بعض الراحة عبر تفريغ شحنات الغضب والانفعال، إلا أنها الآن لن تضيف جديدًا للمتألمين من انهيار"المواطنة" داخل مصر، والذين من حقهم إعلان غضبهم كمواطنين ضد كل ما يُمارس ضدهم من تمييز ديني ينتهك بشكل صريح ومباشر ومتعمد حقوقهم، وإعلان الرفض ذلك مُتاح من خلاله برأيي استخدام كافة وسائل الاعتراض داخليًا وخارجيًا، ولعله بعد "تلويح" السيد عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية باللجوء للمحاكم الدولية وعرض ما سُمي بـ"أزمة المآذن سويسرا" يصمت للأبد من يصفون عن جهل بين من يلجأ للمؤسسات الدولية الحقوقية لعرض انتهاكات المواطنة بمصر بأنهم خائنون وعملاء.
أبدى كثيرون إعجابهم بالنشطاء من"أقباط المهجر" والذين أكدوا وفق ما جاء بمشاركتهم أن مصر لديها بالخارج أبناء ناجحون بمجالات مختلفة، إلا أن بعض المشاركات كانت بها كلمات مشحونة بـ"الأسى" من طبيعة الخلافات الموجودة بين هؤلاء"النشطاء"....وهنا لا أجد تعليقًا مناسبًا سوى التأكيد على أن تلك الخلافات-الساذجة الدوافع غالبًا- تُسعد الأطراف المروجة للاتهامات الخائبة عن "أقباط المهجر" والذين يقولون انظروا للمنادين بالحقوق يتنحارون فيما بينهم حول الزعامة والظهور الإعلامي!!
أما فكرة الكنيسة ومدى الموافقة على أن يكون لها دور بحياة المسيحي أبعد من حدود دورها الديني التقليدي، فهي فكرة انقسمت الآراء حولها لحساسيتها بشكل لم أتمكن من خلاله من تحديد اتجاه ما بين المشاركين، فالرافضون لأي دور غير ديني للكنيسة ورجالها يدعمون وجهه نظرهم تلك بأن السياسة يُستخدم بها أساليب لا تتفق مع ما يجب أن يكون عليه رجل الدين، فالسياسي يكذب بأحيان ويخدع بأحيانٍ أخرى، وكيف لرجل دين أن يقوم بكل ذلك ثم يقود أتباعه للصلاة والتقرب من الله؟!
أما المؤيدون لأن يكون للكنيسة مجموعة أدوار الديني واحد منها، فيستندون في رأيهم هذا إلى حركة"لاهوت التحرير" التي قضت كما يقولون على التناقض بين وسائل المطالبة بالحقوق والتمسك بالتعاليم الدينية، ويشير هؤلاء إلى أن المسيحيين بمصر عاشوا سنوات طويلة داخل جدران كنيستهم ومن ثم فإن الخروج للعالم يحتاج لدفعة قوية من رجال الكنيسة لهؤلاء الأبناء الخائفين....في تلك النقطة تحديدًا أجدني غير قادر على أن أكون مع أو ضد مشاركة الكنيسة في الحياة بأدوار غير تقليدية، لإيماني أن ذلك الأمر لا يمكن حسمه بحديه الأبيض والأسود، فالكنيسة لعبت أو لنكون أكثر دقة أُجبرت على لعب دور أبعد من حدود دورها الديني بحياة المسيحي بعد تراخي الدولة عن أداء ذلك الدور، ولايمكن الآن الدفع بها لرفع يدها مباشرة عن دعم أبنائها، وإنما يمكن تشجيعها على أن تساعدهم في تجربتهم نحو الاندماج الكامل بالحياة المصرية ودفع ثمن ذلك الاندماج وعبور مخاطره بعيدًا عن الاحتماء بالكنيسة الأم.
الإنترنت كأحد أهم أدوات ثورة الاتصالات في عالم اليوم عول عليه الكثير من القراء كوسيلة جيدة لتكوين رأي عام داخل مصر وخارجها، خاصة وأنه لا يخضع لذات المعايير والحسابات التي تقع تحت طائلتها وسائل الإعلام المرئية والمقروءة بمصر، ومن ثم قدرته على عرض الانتهاكات التي تقع بحق مختلف الأقليات الدينية وفي مقدمتهم المسيحيين....أتفق مع هؤلاء في جزء من طرحهم، فالإنترنت بالفعل نجح في إثارة موضوعات تم التعتيم عليها عقودًا من الزمان داخل مصر، بل ويمكنني القول إنه تفوق على الصحف الورقية في التأثير لدى شريحة كبيرة لا يُستهان بها، ولكن تظل وسائل الإعلام المرئية الأسرع والأقرب للمتلقي داخل مصر وخارجها، ولهذا أتساءل لماذا لا تتوسع القنوات التليفزيونية المسيحية في طبيعة مواد بثها الفضائي خارج إطار العقائد؟ فذلك التوسع لن يكون أمرًا سلبيًا باعتقادي، وإنما استغلال جيد لمساحة إعلامية تُملأ بأكاذيب على الجانب الآخر للفضائيات الحكومية أو التي يديرها مثيرو الفتن ضيقو الأفق مواطنو عقائدهم الدينية وليس مصر.
الأحزاب السياسية وصفتها جميع المشاركات بأنها ليست إلا "علب كارتونية" لا قيمة لها داخل الحياة السياسية المصرية، ولهذا هم يعتقدون بأنه لا داعي لأن يبذل القبطي المسيحي والمسلم أي مجهود داخلها...وتلك الرؤية أختلف معها بشكل كلي لأن الأوضاع التي نرفضها لكونها سيئة لا ينبغي أن نتركها، ونكتفي فقط بترديد ما يُقال عنها من سلبيات، فلندخل بقوة ونحاول التغيير، فذلك أكثر إيجابية ويمنحنا نتائج جيدة للمستقبل الذي نطمح جميعًا أن يكون لوطننا العزيز مصر، ولهذا وعن قناعة كاملة بأهمية أن يُشارك كل منا وفق توجهاته بالأحزاب السياسية الحالية، سوف نقوم من خلال صفحتنا"الأقباط متحدون" ومع بداية العام الجديد بالقيام بإعادة التعريف بكل البرامج الحزبية المصرية، وسنعرض كيفيات المشاركة داخل تلك الأحزاب، إضافة لمنظمات المجتمع المدني التي قد تُحفز أنشطتها شبابنا للخروج من دائرة اهتمامهم الصغيرة بأبناء عقيدتهم الدينية لدائرة أكبر وهي رعاية أبناء الوطن جميعًا.
الطريق للمستقبل الأفضل لن يكون بنقرة واحدة على "زر" المشاركة السياسية، نحن نحتاج للعمل داخل المجتمع في كافة المناحي دون كلل أو يأس حتى نصل لما نُريد أن نرى عليه وطننا.
في النهاية، لايفوتني أن أتقدم بخالص الشكر لكل من أرسل مشاركته عبر الإيميل، ولا أجد للختام أفضل من الكلمات التي أرسلها لنا صديق قديم وهي لـ" داج همرشلد أمين عام الأمم المتحدة السابق" والذي قال: "عندما يُستبدل انتعاش الصبح بإرهاق الظهيرة..وعندما ترتعش عضلات الساق من الجهد ويبدو الصعود بلا نهاية وعندما يبدو أن كل شي لا يسير كما كنت ترجو ....عندئذ يجب ألا تتوقف".
لقراءة مشاركة الأستاذ صبري الباجا أنقر هنا
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :