الأقباط متحدون - إصرار العراقيين على تدمير أنفسهم
أخر تحديث ٠٤:٣٣ | الاثنين ٢١ اكتوبر ٢٠١٣ | بابه ١٧٣٠ ش ١١ | العدد ٣٢٨٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

إصرار العراقيين على تدمير أنفسهم


بقلم: د.عبد الخالق حسين
قبل عامين نشرتُ مقالاً بعنوان (الاتفاق على تدمير العراق)(1)، وأردت هذه المرة استخدام نفس العنوان، ولكني رأيت أن هناك تطوراً نحو الأسوأ، وهو اصرار العراقيين بقيادة فلول البعث ومن يناصرهم بعلم أو بدونه، على مواصلة سياسة الانتحار الجماعي التي إن نجحت فسيكون فيها دمارهم جميعاً، أي وفق مبدأ شمشون الذي أصر على هدم المعبد على رأسه وأعدائه قائلاً: "عليَّ وعلى أعدائي يا رب .. وليكن من بعدي الطوفان". وهذا ما عزم عليه العراقيون.
 
يتوهم من يعتقد أن نوري المالكي، هو سبب الأزمة، وأن هذا الصراع سينتهي بمجرد إزاحته عن رئاسة الحكومة بشكل وآخر. فصراع العراقيين هو ليس مع المالكي كزعيم كتلة سياسية وينتمي إلى مذهب ديني وسياسي معين، بل هو العداء للديمقراطية، وعداء الكل ضد الكل، وحرب الكل على الكل، وما التركيز على المالكي دون غيره الآن إلا لأنه في عين العاصفة كرئيس للسلطة التنفيذية، وفي العراق من الوطنية أن تخاصم السلطة حتى وإن كانت منتخبه من قبل الأغلبية الشعبية والبرلمانية ومتمسكاً بالدستور ويعمل لصالح الشعب. 
 
فصراع العراقيين مع السلطة و فيما بينهم ليس جديداً، بل ضارب جذوره في عمق التاريخ، إذ قيل أن الإسكندر المقدوني عندما احتل وادي الرافدين في القرن الرابع قبل الميلاد، عانى كثيراً من شعبه، فقرر إبادته ونقل أناس من مناطق أخرى من العالم للسكن فيه ليغير طبيعة شعبه بتغيير سكانه. فاستشار أستاذه أرسطو الذي رد عليه أنه لو عمل ذلك، فبعد جيل أو جيلين سيعود الناس إلى نفس السلوك طالما عاشوا في نفس البيئة. كما وعزى الجاحظ صراع العراقيين مع السلطات إلى ذكائهم المفرط، على عكس أهل الشام الخانعين للحكام!!
 
على أي حال، إن صراع العراقيين فيما بينهم ومع السلطة هو نتاج عوامل تاريخية وجغرافية وسياسية، شاءت الظروف أن يتكون شعبه من مكونات مختلفة دينياً ومذهبياً وعرقياً ولغوياً، وهيمنة مكونة واحدة على السلطة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 وحتى سقوطها عام 2003 وفق ما يسمى بالاستبداد الشرقي. وهكذا نظام لا بد وأن يتبع سياسة "فرق تسد"، وإشاعة العداء بين مكوناته، وفرض الوحدة الوطنية الخادعة المزيفة بالقوة والقمع. لذلك ما أن سقط حكم القمع حتى وأزيح الغطاء عن الحقيقة المرة. 
 
لقد ذكرنا هذا الكلام مراراُ، ونعيده الآن لأن البعض يحاول أن يتخذ من الأسباب التاريخية مبرراً لمواصلة دكتاتوربة المكونة الواحدة على السلطة، ويعتبر اعتراضنا على هذا الاحتكار هو بدوافع طائفية. إذ كتب السيد خالد عبدالحميد العاني (على الأغلب الاسم مستعار) مقالاً بعنوان: (بكتابات الدكتور عبد الخالق حسين)، على موقع صوت العراق يوم 14/10/2013، مليء بالمغالطات والاتهامات الباطلة، جاء فيه: "لقد تعمد [عبدالخالق حسين] عدم الإشارة إلى الأسباب التاريخية والموضوعية لذلك الاحتكار السني للحكم". وهنا يعترف الكاتب أن كان هناك احتكار للحكم من قبل الطائفة السنية قبل 2003، ولكنه يتهمني بأني تعمدت عدم الإشارة إلى هذه الحقيقة، أي "الأسباب التاريخية"، فيضيف: "وفي هذا التعمد أيهام للقراء ودق للوتر الطائفي... كما وانه يعرف تماما ان لا ذنب للطائفة بكل ذلك وان الحسابات الدولية والسياسات الاستعمارية الخبيثة ...الخ" انتهى
 
يعرف متابعو كتاباتي أني أؤكد دائماً على الأسباب التاريخية، كما وأكدتُ أن السنة العرب هم وقعوا ضحية هذه "السياسات الاستعمارية الخبيثة"، إذ معظم الذين أصروا على السياسة الطائفية عند تأسيس الدولة العراقية كانوا من بقايا الأتراك والمماليك الذين استعرقوا واستعربوا، بل وتبنى قسم منهم ألقاباً عربية عريقة مثل (الهاشمي...الخ)، فتبنوا السياسة العثمانية التركية في عزل الشيعة وتهميشهم، والطعن بوطنيتهم وهم يشكلون نحو 60% من الشعب العراقي وأكثر من 80% من عرب العراق. والمؤسف أن عبرت هذه الحيلة على العرب السنة فسقطوا في الفخ الذي بسببه حرِّمَ الشعب العراقي من الاستقرار والتمتع بثرواته الهائلة وراح يدفع الثمن بالاقتتال الذي يهدد وجوده الآن.  
 
نحن لسنا ضد النقد وبالأخص نقد السلطة، لأن (النقد أساس التقدم) كما قال ماركس. ولكن يجب أن يكون النقد بناءً وهادفاً للإصلاح، إذ تقع على المثقف مسؤولية كبيرة في محاربة الزيف والكذب والتضليل، ويجب عليه نشر الوعي الصحيح بين أبناء الشعب. أما إذا لجأ الكاتب إلى الكذب، والكذب الصريح الذي لا يمكن تصديقه، فهذا عيب عليه ومردوده معكوس على سمعته. لذلك، فمشكلتنا أنه إذا قلنا لهذا الكاتب لا تكذب وإننا لا نصدق اتهاماتك لأنها غير صحيحة ومخالفة للعقل؟ أتهمك بالطائفية، فطالما يترأس السلطة التنفيذية رجل شيعي، وأنت لا تصدق الافتراءات والأكاذيب ضده فأنت طائفي. أما الشتائم الطائفية البذيئة التي يكيلها قادة الاعتصامات مثل العلواني، والبدراني، واللافي وغيرهم، فهي ليست طائفية في عرفهم، وإنما الاعتراض عليها هو موقف طائفي!! أليس هذا المنطق غريب وعجيب، خاصة إذا صدر من كتاب يدعون أنهم يساريون وعلمانيون، بل وحتى ليبراليون إلى حد النخاع!!
 
نسي هؤلاء السادة أن اللجوء إلى الكذب والافتراء على رئيس أو مسؤول سياسي كبير بدون أدلة كافية دليل على إفلاسهم الفكري والسياسي والأخلاقي، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر الأمثلة التالية:
 
1-  قرأنا حملة ضارية من مقالات هجومية مفادها أن حكومة نوري المالكي وافقت على جعل العراق مكباً للنفايات النووية لدول الوحدة الأوربية. وسبب هذه الحملة أن وزير العلوم والتكنولوجيا قدم طلباً إلى الوحدة الأوربية يستشيرهم في مساعدة الحكومة العراقية لبناء مكب للنفايات النووية الناتجة في العراق للأغراض السلمية، لأن ليس هناك دولة تحترم نفسها تقبل نفايات نووية من دولة أخرى، إذ يجب على كل دولة بناء مكب خاص في بلادها للتخلص من نفاياتها النووية. هذا ما قاله الوزير في مقابلة مع القناة الحرة - عراق. 
 
لكن هذه الاستشارة العلمية تحولت عند عدد من الكتاب إلى دعوة للدول الأوربية لجعل العراق مكباً لنفاياتها النووية، حيث  استغل هؤلاء هذا الخبر للتضليل فكتب أحدهم: (استياء دولي من موافقة العراق لبناء مكب نووي: جريمة من نوع جديد بحق العراق الحبيب. هؤلاء الانذال يودون بيع العراق وتلويثه لعشرات السنين قادمة قبل ان يتركوا الكرسي، انهم خونه بحق الشعب، استياء دولي من اتفاق العراق مع الاتحاد الاوربي لبناء مكب للنفايات النووية.) وشارك في هذه الحملة كتاب كنا نتوسم فيهم الصدق والوطنية، ويعتقدون أنهم كباراً وضحوا في سبيل العراق!!! وإذا ما عارضتهم ورفضت تصديقهم اتهموك بالطائفية!
 
2-  العراق هو البلد الوحيد الذي قدم عدد من البرلمانيين طلباً إلى الاتحاد الأوربي بعدم توقيع اتفاق تعاون مع بلدهم كي لا يعد دعما لرئيس الحكومة. فلو قام نواب في أي بلد آخر بهذا العمل لعد خيانة وطنية، ولكن في العراق يعتبر هذا السلوك من الأعمال الوطنية، ومن يعترض عليه فهو طائفي يدافع عن المالكي!! (2)
 
3-  كذلك قرأنا عن نواب عراقيين طالبوا المستثمرين الأجانب بعدم الاستثمار في العراق لأن العراق غير مستقر وسيخسرون أموالهم!. هذا العمل وفق جميع المقاييس خيانة وطنية ولكن في العراق هو عمل من صلب النضال الوطني والقومي والإسلامي، والاعتراض عليه موقف طائفي.
 
4-  تقرير بعنوان: (الناشطة الجنسيه تصل العراق في إكمال مهمتها) ورئيس الوزراء نوري المالكي بالذات سمحوا لعاهرة بولونية دخول العراق لمدة خمسة أيام مع الحرس الخاص بها وقد استحصلت تأشيرة الدخول من السفارة العراقية في القاهرة (صحيفة الزمان، وعدد من مواقع الانترنت). (راجع مقال محمد ضياء عيسى العقابي: من أتى بآنيا ليوسكا إلى بغداد؟)(3) 
طبعاً الخبر تلفيق من أوله إلى آخره، ولكن في عراق اليوم كل من يكذِّب هذه الفرية فهو طائفي!
 
5-  تسعى حكومة الاقليم الكردستاني لإيقاف صادرات العراق النفطية بمقدار 500000 برميل يومياً وذلك عن طريق الإيعاز لمقاتلي حزب العمال الكردستانيPKK  بتفجير الأنبوب النفطي إلى تركيا، ويتسبب في خسائر مالية تقدر بـ 16 مليار دولار سنوياً. وتستغل هذه الجريمة ليس فقط في إلحاق الضرر بالعراق مالياً، بل واستغلالها ضد الحكومة المركزية بتشويه الحقائق وذلك بتضخيم الخسائر إلى ثلاثة أضعاف بغية التحريض ضد الحكومة المركزية وإثارة النقمة عليها بتحميلها سبب هذه الخسائر والدكتور حسين الشهرستاني بالذات، (راجع تقرير صحيفة المدى: "التميمي: خسرنا 45 مليار دولار وازداد عجز الموازنة إلى الثلث بسبب تقديرات الشهرستاني".)
وإذا اعترضت على هذا التقرير اتهموك بالعنصرية والعداء لحكومة الاقليم. (راجع مقال الخبير النفطي الأستاذ حمزة الجواهري بعنوان: مستر5%) (4)
 
6- العراق هو البلد الوحيد الذي يقوم فيه نائب رئيس الجمهورية (طارق الهاشمي) استخدام وحدات من حمايته لأعمال إرهابية ضد الشعب ومؤسسات الدولة، وعندما يتم الكشف عنه يهرب إلى القسم الآخر من العراق (كردستان) ويواصل تحديه للحكومة المركزية وبدعم من حكومة الإقليم، ومن ثم يلجأ إلى تركيا ويتجول في أنحاء العالم حراً طليقاً يحرض ضد العراق مستمراً في تقديم نفسه نائباً لرئيس الجمهورية، بل ويستلم دعوة من الإتحاد الأوربي لتقديم خطاب عن "حقوق الإنسان"، نعم عن حقوق الإنسان، وهو الذي انتهك حقوق الإنسان في بلاده بأعماله الإرهابية، ومحكوم عليه بالإعدام وفق مادة 4 إرهاب لضلوعه بالإرهاب. لا تحصل هذه المهزلة إلا في العراق.
 
7- العراق هو البلد الوحيد الذي صوَّتَ وفده الرياضي ضد بلاده على قرار رؤساء الاتحادات الخليجية في المنامة، بنقل بطولة خليجي 22 الى جدة بدلاً من إقامتها في البصرة. لا شك أن هذه خيانة وطنية وفق جميع المعايير إلا في العراق فيعتبر عملاُ وطنياً وقومياً عظيماً يستحق الوفد عليه أعلى وسام الدولة. (5)
 
8- العراق هو البلد الوحيد الذي يقاطع فيه رئيس البرلمان (أسامة النجيفي) الجلسة الأولى للدورة الحالية بأمر من زعيم كتلته "العراقية"، ولم يعد إلا بعد أن اتصل به هاتفياً وزير خارجية بلد آخر (تركيا) وأمره بالعودة ومواصلة إدارة الجلسة؟ 
كما وحرض رئيس البرلمان في تلفزيون الحرة-عراق، ضباط ومراتب القوات المسلحة على عدم تنفيذ أوامر رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة. وكذلك يرفض رئيس البرلمان رفع الحصانة عن 17 برلمانياً لمواجهة القضاء لضلوعهم في الإرهاب. أليس هذا الموقف خيانة وطنية؟
 
9- العراق هو البلد الوحيد الذي يستطيع رئيس حكومة الإقليم أن يطالب الحكومة المركزية بسحب قواتها العسكرية من المناطق المتنازع عليها، لكي تحتلها قوات البيشمركة. وتعبير (المناطق المتنازع عليها) مصطلح جديد دخل القاموس السياسي العراقي، فحكومة الإقليم تتصرف وكأنها دولة مستقلة لا جزءً من العراق الفدرالي. 
 
10-  العراق هو البلد الوحيد الذي يستطيع محافظ أية محافظة مطالبة الحكومة المركزية بسحب قواتها العسكرية من المحافظة، كما طالب محافظ الموصل بذلك، والغرض كي يسهل للإرهابيين احتلال المنطقة وارتكاب جرائمهم بحرية ودون ملاحقة من القوات الحكومية المسؤولة عن أمن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم. وإذا ما وقعت عملية إرهابية اتهموا الحكومة المركزية بالضعف والتقصير.
 
11- في العراق وحده يستطيع نواب كتلة برلمانية المطالبة بإلغاء قانون مكافحة الإرهاب وإطلاق سراح جميع المعتقلين بتهم الإرهاب في الوقت الذي صار البلد مرتعاً للإرهاب... والغرض من ذلك طبعاً هو وضع العراق تحت سيطرة الإرهابيين الذين يعملون بإمرة هذه الكتلة البرلمانية. 
 
12- العراق هو البلد الوحيد الذي ما أن تقع فيه عملية إرهابية حتى وتنبري صحافته بإلقاء التهمة على الحكومة وإبعادها عن الإرهابيين الحقيقيين. هذا ما تقوم به صحيفة المدى لصاحبها فخري كريم وهي تصدر علناً في بغداد، ومع ذلك يتهم الحكومة بالدكتاتورية، بل ويحرض ضد رئيس الحكومة كما جاء في مقال له بعنوان: (الدكتاتور يعلنُ موتَ الدولة: ظاهرة احمد نوري المالكي وشرعَنَة الفساد). في الحقيقة إن وجود محرضين من أمثال فخري كريم ورهطه بدون محاسبة هو من علامات موت الدولة. 
********
 
ما ذكرنا أعلاه هو غيض من فيض من إصرار العراقيين على تدمير بلدهم وانفسهم، يقومون بكل هذه الأعمال بحجة محاربة (حكومة المحاصصة الطائفية)، بينما في الحقيقة هم أشد إصراراً وحرصاً على عودة الحكم الطائفي. فالسلطة التي يريدونها هي دكتاتورية الطائفة الواحدة كما كان قبل 2003، ولهذا يشنون إرهابهم ليوصلوا العراقيين إلى اليأس من الديمقراطية ويقبلوا بعودة حكم البعث. ولهذا نواجه هذه الأيام حملة ضارية لتشويه صورة الديمقراطية ومؤسساتها. 
 
يعتبر البعض من الكتاب والسياسيين أنه من حقهم أن يكيلوا الشتائم ضد من يختلف معهم في الآراء ويعتبرون أنفسهم محصنين من النقد لأنهم من حزب كذا وعارضوا صدام... الخ. نسي هؤلاء أن معارضتهم لصدام لا تكفي، بل ما هو دورهم الآن في إنجاح العملية السياسية والديمقراطية ومحاربة الإرهاب لإيصال العراق إلى بر الأمان؟ بينما في الحقيقة نراهم يقفون مع الصداميين في ساحات الاعتصمات ويناصرونهم ويطلبون المنظمات الدولية بدعمها.
 
المشكلة أن أي كاتب، خاصة إذ كان من خلفية شيعية ولم يساير حملة الأكاذيب، اتهموه بالطائفية، ولكن لحسن الحظ هناك كتاب مسيحيين لا يخافون في الحق لومة لائم، وأخص منهم بالذكر الأستاذ عزت يوسف إسطيفان، الذي سخر قلمه في الدفاع عن الحق ومواجهة الباطل، وأيا كان مصدره. (6، 7)
 
لا ندعي أن الديمقراطية في العراق قد بلغت مرحلة النضج بعد أربعة عقود من الظلم المكثف، ولكننا نؤكد أن اصلاح الوضع لا يأتي عن طريق الهدم وكيل الافتراءات والأكاذيب، بل بالنقد البناء ونشر الوعي الوطني، والثقافة الديمقراطية، وروح التسامح وتوفير الظروف لإعمار العراق الذي دمره البعثيون. إذ كما أكدنا أعلاه، اللجوء إلى الكذب والتضليل وتزييف الحقائق دليل على الإفلاس الفكري والسياسي والأخلاقي.
 
في عام 1933 نشر الملك فيصل الأول مذكرة رفض فيها أن يسمي أهل العراق شعباً، فوصفهم بأنهم "كتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سماعون للسوء، ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتقاض على أي حكومة كانت..." 
فما الذي تغير بعد 80 سنة من كتابة تلك المذكرة؟ نعم، أضيفت المفخخات والإبادة الجماعية إلى الأحقاد والأباطيل الدينية.
 
المشكلة أن كل فريق مساهم في حملة التدمير يعتقد أنه بمجرد إسقاط هذه الحكومة ستتحقق أغراضه، بينما في الحقيقة غرض كل فريق يتقاطع مع أغراض الفرقاء الآخرين، وإذا ما نجحوا في التخلص من المالكي فستشتعل المعركة فيما بينهم وبمنتهى الدموية. إنهم يصرون على تدمير العراق وتدمير أنفسهم. ولذلك لا أرى أي بصيص أمل لإنهاء المأساة على المدى القريب وحتى المتوسط. وهذا ثمن الديمقراطية والحداثة والتخلص من الفاشية وتركمات الماضي البغيض، فلا بد من المرور بمرحلة الإرهاصات وعذابات المخاض الدموي العسير. إنه القدر المكتوب على هذا الشعب المبتلى بسياسييه ومثقفيه المؤدلجين. هذا هو العراق وهذه عقلية أهله المبتلى بالبعث الذي شعاره: (إما أن نحكمكم أو نبيدكم- وليكن من بعدي الطوفان).   
 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع