بقلم منير بشاى
من وقت لآخر تخرج علينا أصوات من بين الاقباط، لا يشك احد فى إخلاصها، تنعى ما وصلنا اليه من انقسامات وتطالب بالوحدة. الغريب أننى لم أرى قبطيا واحدا لا يرغب فى الوحدة. ومع ذلك، لم أرى تلك الوحدة تتحقق، بل أرى اللوم يوجه للآخر على عدم تحقيق الوحدة وفى نفس الوقت تبرءة الذات من الانقسامات. والسؤال اذا كان الكل برئ من تلك الانقسامات فمن هوالمذنب؟
ولست أريد هنا ان اتمادى فى اسلوب الادانة او التبرير بناء على مجرد الرغبة فى الوحدة من عدمه. فالمشكلة فى رأيى تقع خارج نطاق الرغبة وتتركز على تحقيق النتائج. والنتائج لن تتحقق الا بفهم أبعاد الموضوع وتوظيف الإمكانيات المتاحة للوصول الى الغايات المطلوبة.
الوحدة ليست هدفا فى ذاته ولكنها أداة لتحقيق غايات. الغاية التقليدية للوحدة القبطية كانت الدفاع عن مصالح الاقباط التى كانت تتركز فى المطالبة بالمساواة وحمايتهم من الاضطهاد. ومع ان الاقباط ما زالوا يعيشون تحت ظروف صعبة ولا يستطيع انسان انكار ما يمرون فيه من مظالم والتى زادت فى هذه الأايام نتيجة صراعات اصبحوا فيها كبش الفداء، ولكن استجد على الموقف أن الكثير من المسلمين فى مصر أصابهم أيضا بعض ما أصاب الاقباط، كما أننا وجدنا الدولة فى مصر تعانى من نفس المشكلة وتحارب المتطرفين ويسقط العديد من رجالها شهداء. ومن هنا لزم فى الوقت الحاضر النظر فى استراتيجية الوحدة القبطية وتحويلها من مشكلات الاقباط وحدهم إلى مشكلات الشعب المصرى كله، ومساندة الدولة فى حربها ضد الارهاب. فعدونا الآن مشتركا ومعركتنا أصبحت واحدة، ونجاح الدولة فى حربها ضد الارهاب يخدم مصالح الجميع وبالذات أقباط مصر. .
وليس دليل على ذلك أكبر من الاعلان صفحة كاملة فى جريدة الواشنطن تايمز الذى قامت به الجالية القبطية فى كاليفورنيا وفيه طالبنا الحكومة الأمريكية بتعضيد الحكومة المصرية ضد الارهاب المشترك. وفى نفس السياق اشتراك أقباط كاليفورنيا مع مسلميها فى مظاهرة كبرى تضم ايضا قنصل مصر فى لوس انجلوس. فالظروف الصعبة لم تجمع الاقباط وحدهم ولكنها جمعت كل ابناء مصر.
اما مشكلتنا مع الآليات فهى ناتجة عن اننا احيانا نطلب المستحيل ونعتقد اننا قادرون على صنع المعجزات. ولا نحتاج الى عبقرى ليقول لنا ان هذا التفكير يؤدى الى الفشل فى الوصول للغاية. ولكن الغريب اننا بعد فترة نعاود المحاولات التى فشلت قبلا مستخدمين نفس الآليات لنصل لنفس النتيجة. وفى هذا يقول علم الفيزياء الشهير البرت اينشتاين " الجنون هو ان تفعل نفس الشىء بنفس الطريقة مرارا وتكرارا وتتوقع نتائج مختلفة فى كل مرة".
هذا والمؤكد ان المناداة بالوحدة بين المنظمات القبطية التى يذوب فيها الجميع فى كيان واحد هو مطلب خيالى لا يمكن تحقيقه. السبب ان عقولنا تتركب بطرق مختلفة (وكل واحد عاجبه عقله). وهذا يشبه وهم الاخوان فى تذويب كل الدول الاسلامية فى كيان واحد يجلس فوقه ديكتاتور واحد هو الخليفة وهو الحاكم الاوحد والآمر والناهى والمستوجب الطاعة. ولعل الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر يعطينا من خلاصة خبرته ما يصحح هذا المفهوم. فقد حاول ان يجمع الدول العربية معا تحت شعار القومية العربية واستطاع بعد جهد ان يعمل وحدة مع سوريا ولكنها لم تستمر وباءت مجهوداته بالفشل. وبعد ذلك اتجه نحو قارة افريقيا وحاول ان يوحدها ولكنه فى النهاية لم يستطع حتى الاحتفاظ بالسودان الذى كان دائما جزءا من مصر. واخيرا خلص الى القول أن وحدة الهدف فوق وحدة الصف. ثم رأيناه بعد ذلك يشترك مع نهرو وتيتو فى وحدة تبنى على التعدد لخدمة الغرض الواحد هو مبدأ عدم الانحياز.
دعنا من تضييع الوقت والجهد سعيا نحو وحدة لن تتحقق فالوحدة العملية هى وحدة الهدف المشترك فى.المشروعات ذات الفائدة العامة التى يتبناها الجميع كل بحسب موهبته. فالمطلوب هو التعدد الذى يحافظ على شخصية الآخر المتفردة بل يظهرها ويقويها ويكملها.
التعدد مثل الآلات الموسيقية التى تعطى كل منها صوتا متفردا ولكنها معا وبعد وجود انتاج موسيقى متقن وقيادة مايسترو موهوب يمكن ان تتحول تلك الاصوات الى سيمفونية رائعة تطرب الآذان. وهى مثل الزهور التى تحمل كل منها لونا وشكلا خاصا ولكنها معا وفى وجود تصميم فنى جميل تصبح لوحة بديعة تبهر الأانظار.
فى كلامنا عن الوحدة غالبا ما نقتبس ما قاله السيد المسيح عن الوحدة فى صلاته الشفاعية للآب "لست أسأل من أجل هؤلاء (التلاميذ) فقط بل ايضا من اجل الذين يؤمنون بى بكلامهم (المسيحيين فى كل العصور) ليكون الجميع واحدا كما أنك أنت أيها الآب فى وأنا فيك ليكونوا هم ايضا واحدا فينا " يوحنا 17: 20 و 21. هنا نجد السيد المسيح يطلب عن التلاميذ وعن المؤمنين به من بعدهم أن يتسلحوا بالوحدة. ولكنه يضع توصيفا للوحدة العلاقة التى بينه وبين الآب كمثال للوحدة بين الأقانيم. ونحن نعلم ان علاقة الأقانيم فى الذات الالهية تقوم على الوحدة الكاملة مع التميّز فى الوظيفة. فمثلا فى موضوع الخلاص نجد ان الاقانيم تتحد فى تحقيق الخلاص مع وجود دور يختص به كل اقنوم فى عملية الخلاص. ولا أجد مثالا يعبر عن فكر الوحدة مع التعدد أعظم من هذا المثال.
الوحدة مع التعدد هو سر النجاح. ولكن مع ملاحظة أن هذه الوحدة يجب أن تبنى على التوافق بين العاملين فتجمع من لهم رؤية متجانسة. فاذا كان هناك إختلاف جزري فى الرؤية ستكون النتيجة نزاعات وانقسامات ثم الفشل المحقق. ولذلك قبل البدء فى اى محاولة للوحدة يجب صياغة وثيقة يتفق عليها الجميع تتضمن رؤيتهم لكيفية التعامل مع القضايا الحيوية التى سيشتركون معا فى تبنيها.
أمر آخر فى غاية الأهمية هو ضرورة التخطيط وذلك باختيار الاهداف العملية التى تتماشى مع الامكانيات المتوفرة والظروف المتاحة فى ذلك الوقت. يجب البدء باهداف صغيرة ومحدودة قابلة للتحقيق ولا مانع من تغيير الاهداف اذا تغيرت الامكانيات والظروف.
باختصار، طريق النجاح هو وجود قلب موحد الهدف، وأيادى متعددة الوظائف، تعمل معا فى توافق وحسن تخطيط لتحقيق الانجازات الكبيرة.
Mounir.bishay@sbcglobal.net