بقلم يوسف سيدهم
ما أن أعلنت الإدارة الأمريكية عن تعليق جزء من المعونة المقدمة لمصر-سواء كانت معونة اقتصادية أو عسكرية-حتي انفجر الإعلام في خطاب عدائي تحريضي ضد أمريكا!!...
ما أن أعلنت الإدارة الأمريكية عن تعليق جزء من المعونة المقدمة لمصر-سواء كانت معونة اقتصادية أو عسكرية-حتي انفجر الإعلام في خطاب عدائي تحريضي ضد أمريكا!!...ولم يقتصر الأمر علي رفض القرار الأمريكي أو الاحتجاج عليه,أنما امتد إلي التلويح بعدم احتياج مصر إلي المعونة الأمريكية كلية وضرورة الاستغناء عنها,ثم التهديد بإلغاء معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل باعتبار المعونة كانت ضامنة للمعاهدة,هذا بالإضافة إلي الدعوة لتنويع مصادر السلاح المصري ليكون غير مقصور علي الترسانة الأمريكية.
الحقيقة أن ردود الأفعال هذه تعبر عن حالة الغضب التي تنتاب الشارع المصري تجاه أمريكا-الإدارة الأمريكية وليس الشعب الأمريكي-بسبب مواقفها الغريبة إزاء ماحدث في مصر منذ30يونيو الماضي وحتي الآن,وإصرارها علي التشكيك في صدق وجدية خريطة الطريق التي تنتهجها مصر إلي الدرجة التي تجعلها تربط بين المعونة وبين التقدم علي مسار خريطة الطريق والتحول الديموقراطي...لم يكف الإدارة الأمريكية ما تأكدت منه من أن ما يحدث في مصر انعكاس
لإرادة الغالية العظمي للشعب المصري وأن إطاحة هذا الشعب-مع قواته المسلحة-بحكم الإخوان ورئيسهم محمد مرسي كان نتيجة إساءة ذلك الرئيس وجماعته للسلطة واغتيالهم للديمقراطية...لم يكف الإدارة الأمريكية كل ذلك واختارت أن تقف موقف المراقب المتشكك في صدق وجدية ما يحدث في مصر,فكان من الطبيعي أن ينفر المصريون منها ويجدون في مواقفها الكثير من المغالطة والعناد اللذين يفسران شائعات تآمر أمريكا مع الإخوان ضد مصر.
إذا حالة النفور التي يشعر بها المصريون تجاه أمريكا مفهومة ومبررة,لكن مايتصل بالمصالح الاستراتيجية لمصر وأمنها القومي لايجب أن يخضع للانفعالات والعواطف ويجب أن يترك للحسابات الدقيقة والرؤي بعيدة المدي...وهنا تحضرني بعض الخواطر الناجمة عن قراءات لمختلف جوانب هذا المشهد تتجاوز النظرة السطحية المندفعة للأمور حتي لانقع فريسة تأجيج المشاعر والتحريض علي العداء.
**تعليق الإدارة الأمريكية لجزء من المعونة وهو ما يتصل بتسليم أسلحة جديدة-دبابات وطائرات-ليس قطعا أو إلغاء لكامل المعونة برمتها,فماتزال عناصر المعونة المرتبطة بقطع الغيار والذخيرة وكل مايرتبط باحتياجات الأسلحة التي في حوزة الجيش المصري باقية وجار الالتزام بها.
**الخطاب الصادر عن وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تماما أن هناك تنسيقا كاملا ودائما بين قيادة البنتاجون وبين قيادة الجيش المصري بما يضمن عدم المساس بالاحتياجات الاستراتيجية لهذا الجيش وأن ذلك التوجه يتفق تماما مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
**الجهود الدبلوماسية المصرية تقوم بدور سياسي مهم لوضع حقيقة مايحدث علي الأرض في مصر أمام كل دول العالم-وفي مقدمتها أمريكا- وتلك الجهود أثمرت في الاتجاه الصحيح في الشهر الماضي حيث لمسنا التحول في المواقف السياسية لدول أوربا وللإدارة الأمريكية ذاتها في اعتراف الجميع بأن ما يحدث في
مصر هو انعكاس لإرادة المصريين وأنهم يجب أن يأخذوا حقهم الأصيل في تقرير مصيرهم وإعادة تشكيل دعائم بلدهم دون التدخل الخارجي في شئونهم...ولعلي أود أن أضيف في معرض تناول الجهود الدبلوماسية المصرية في هذا الصدد ماصرح به وزير الخارجية المصري نبيل فهمي عندما باغته أحد الصحفيين بسؤال
عن تحول مصر من حليف قوي لأمريكا إلي حليف قوي لروسيا,فقد قال مامعناه أن هدف السياسة الخارجية المصرية سيظل دوما عدم التفريط في الأصدقاء مع العمل علي اكتساب أصدقاء جدد...إذا مرحبا بتنمية الصداقة والعلاقات المصرية الروسية,لكن ليس بالضرورة علي حساب العلاقات المصرية الأمريكية.
**لايستقيم أنه كلما جد جديد في إطار المعونة الأمريكية لمصر أن ترتفع الأصوات مطالبة بإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد أو حتي إلغائها تماما...إن ذلك المنحي يدفعنا في اتجاه المغامرة بالأمن القومي المصري ويجب أن يكون الخوض فيه علي درجة عالية من التروي والحكمة.صحيح أنه لا يسود بين مصر
وإسرائيل شهر عسل سياسي,وصحيح أيضا أن روح تطبيع العلاقات المنصوص عنها في اتفاقية كامب ديفيد تظل معلقة رهينة التقدم علي مسار حل القضية الفلسطينية,لكن يجب الاعتراف أن هناك رصيدا من الاستقرار العسكري والسلام المحترم بين طرفي الاتفاقية امتد علي مدي مايقرب من34 عاما حتي
الآن(1979-2013) وهو الأمر الذي لايسهل التفريط فيه دون سبب وجيه يرتبط بالأمن القومي المصري وتقرره الإدارة السياسية والعسكرية المصرية.
**إذا كانت أمريكا أو بعض الدول الأخري تساورها أية شكوك إزاء ثورة الشعب المصري علي حكم الإخوان وتري في جزء من هذه الثورة شبهة عودة العسكر للسلطة,فعلينا أن نسرع بكل جدية وإصرار في مسار خريطة الطريق سواء دستورا أو برلمانا أو رئيسا مدنيا لإجلاء تلك الشكوك,وذلك من شأنه أن يجلب علينا
احترام جميع هذه الدول ومباركتها لإرادة المصريين,فالارتكان إلي الغضب وحده وصرخات الرفض والاحتجاج ودعوات الاستعداد والقطيعة لن يكون من شأنها إلا تقوية شكوك تلك الدول في صدق ثورة التصحيح والتحول الديمقراطي في مصر.