بقلم منير بشاى
عاد موضوع المعونة الأمريكية لمصر للاضواء من جديد. فقد نشرت جريدة لوس انجلوس تايمز بتاريخ الخميس 10 اكتوبر 2013 مقالا بعنوان "أوباما يقرر قطع جزءا من المعونة المقدمة لمصر" وتضيف الصحيفة ان هدف القرار هو توجيه رسالة توبيخ لمصر ازاء (ما أسموه) الانقلاب العسكرى، دون ان تخسر امريكا مصر كحليف هام لها فى الشرق الاوسط.
بدأت المعونة الأمريكية مع توقيع معاهدة كامب دافيد سنة 1979 وهى جزء مكمل للاتفاقية هدفه حفز مصر للصلح مع اسرائيل. والمعونة تتضمن ايضا قبول مصر ان تغيّر نظام تسليحها الى النظام الأمريكى. وفى المعونة تعهدت أمريكا لمصر بدفع ما يزيد عن 2 مليار سنويا كان أكثر من نصفها مخصصا لتسليح الجيش المصرى واستمرت فى التخفيض الى ان وصلت حاليا الى حوالى مليار ونصف.
فالمعونة ليست معونة بمعناها التقليدى اى انها مساعدات اقتصادية تقدم لوجه الله دون مقابل. ولكن المعونة فى المفهوم الامريكى كانت دائما حافزا للدول للانصياع لسياستها وتنفيذ مخططاتها وبمعنى آخر لارسال رسائل لما تريده امريكا. ولذلك ليس بمستغرب ان يكون الجزء الذى يذهب حاليا للمساعدات الاقتصادية ضئيل ويبلغ نحو ربع مليار دولار. وهو مبلغ لا يسمن او يغنى من جوع.
ومع ذلك فقيمة المعونة الاستراتيجية تزيد عن قيمتها المالية. فالمعونة هى حجر الزاوية لسياسة امريكا فى الشرق الاوسط. وهى بالنسبة لمصر اكثر من كونها وسيلة للحصول على السلاح الامريكى او القليل من العون الاقتصادى. وبالنسبة لأمريكا هى اكثر من ضمان استمرار مقدرة مصر على حماية نفسها وبالتالى حماية مصالح أمريكا وعلى رأسها استمرار العمل باتفاقية كامب دافيد.
فى صميم الموضوع تقع العلاقة الحميمية التى ظهرت بين جماعة الاخوان المسلمين والادارة الأمريكية. وقد بدأت حين زارت بعثات اخوانية الرئيس السابق جورج دبليو بوش اكثر من مرة لعمل تفاهمات تخدم مصالح الطرفين. وبناء على هذا حدث تغيير لفلسفة امريكا تجاه محاربة الارهاب فاصبح يبنى أساسا على مواجهة المتطرفين الاسلاميين بعناصر اسلامية يكون الاخوان المسلمين طرفا هاما فيها. وفى مقابل هذا يحظى الاخوان بتأييد الادارة الأمريكية لتحقيق مخططاتهم للوصول للحكم.
وقد وجدت هذه العلاقات الأمريكية فرصتها للتحقيق بعد قيام ما يسمى بالربيع العربى حيث اوفت امريكا بالعهد اذ ضغطت على الرئيس مبارك لترك السلطة وفى نفس الوقت ساعدت جماعة الاخوان على الاستحواز بالحكم. وساعد على ذلك وجود رئيس أمريكى فى البيت الأبيض من اصول افريقية اسلامية وان كان يعلن انه مسيحى الديانة وهو الرئيس باراك حسين اوباما. كما لا يمكن استبعاد دور الاخ الغير الشقيق للرئيس اوباما واسمه مالك الذى هو مسلم الديانة ويقال انه عضو فى اتنظيم الدولى للاخوان المسلمين. وربما ظن اوباما ان الفرصة قد جاءته ليحقق لبلده (ولنفسه) ما لم يستطع ان يحققه رئيس من قبله، وهو ان يستخدم علاقاته الطيبة بالمسلمين للقضاء الكامل الدائم على الارهاب ضد امريكا.
ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن. فالحصان الذى راهنت عليه امريكا ثبت عدم مقدرته على كسب السباق. وفى مدى عام تيقّن الشعب المصرى ان الاخوان يجرّونهم الى التهلكة وان االاحوال فى مصر تسير من سىىء الى أسوأ وتقترب سريعا نحو الافلاس. وهنا خرجت جماهير الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013 فى اكبر مظاهرة عرفها التاريخ وبمساعدة القوات المسلحة والفريق السيسى امكنها التخلص من حكم الاخوان فى ثورة تصحيح لثورة 25 يناير 2011.
انهار مخطط امريكا مسببا صدمة كبيرة للمسئولين الذين حاولوا انقاذ حلفائهم من الاخوان ولكن دون جدوى. ومن بين الاسلحة المتاحة فكرت أمريكا فى استخدام سلاح التلويح بقطع المعونة. وطبقا للقانون الأمريكى لا يجوز تقديم اعانات عسكرية لمصر اذا ثبت انها قامت بانقلاب عسكري ضد حكومة منتخبة ديمقراطيا.. ولكن أمريكا وجدت ان هذا الطريق ملىء بالالغام وقد يؤدى الى ان تفقد مصر وهى حليف هام لها فى الشرق الأوسط. ولذلك كانت امريكا حريصة دائما على ان تمسك العصا من المنتصف فتظهر عدم رضائها عن ما حدث للاخوان ولكن تتحاشى وصف ما حدث على انه انقلاب عسكرى.
وفى يوم الاربعاء 9 اكتوبر 2013 عرفنا نتيجة ما قررته اللجنة التى شكّلها اوباما لدراسة مصير المعونة. والقرار يقضى بقطع المعونة جزئيا وذلك بوقف تسليم دبابات وطائرات أباشى المروحية وصواريخ وطائرات اف 16 وبعض المعدات العسكرية، بالاضافة الى اقتطاع مبلغ نقدى يبلغ 200 مليون دولار. وفى مكالمة تليفونية استغرقت 40 دقيقة اوضح وزير الدفاع الأمريكى للفريق السيسى ان هذه الاجراءات مؤقتة وستعود المعونة الى ما كانت عليه بعد التأكد من حسن اداء الحكومة المصرية.
وليس من قبيل الصدفة ان يتزامن صدور القرارات بحدثين هامين يبدو واضحا انهم متصلين بهما. أولهما يختص بمحاكمة الرئيس المعزول مرسى وعدد من قادة الاخوان فى 4 نوفمبر، وأمريكا تريد تبرءتهم او على الاقل ان تصدر احكاما مخففة ضدهم. والثانى هو تأكييد عدم ترشيح السيسى لمنصب الرئاسة فى الانتخابات القادمة بالاعتراض على ما اسمته الحكم العسكرى لمصر.
الامر كله لا يخرج عن ان يكون رسالة موجهة لمصر تستخدم المعونة لتعطيها قوة. وقد جاء رد الفريق السيسى على هذه الرسالة حاسما قاطعا فى حديثه مع "هيجل" وزير الدفاع الأمريكى حيث قال له " مصر أكبر من التلويح لها بتعليق او قطع المساعدات، وترفض هذه الطريقة فى التعامل معها، ولا تقبل اى ضغوط خارجية من اى دولة تهدف الى التأثير فى القرار المصرى فى الشأن الداخلى". لعل الرد المصرى على الرسالة يكون قد وصل للادارة الامريكية، وعسى ان تكون قد استوعبته.
Mounir.bishay@sbcglobal.net