بقلم: الشيخ د مصطفى راشد
لا شك أبنائى وإخوتى المسلمين فى أن العنوان صادمً لكم، لكن علينا بهدوء وقبل إصدار الأحكام أن نعلم أولاً أن أقل من 10 % من الشريعة الإسلامية فقط قائم على دليل قطعى الثبوت من القرآن أو السنة النبوية ، وأن 90% من الشريعة الإسلامية بكل تأكيد هى من وضع فقهاء ومشايخ بشر مثلُنا عبر طريق التفسير والتحليل ، ماتوا منذ حوالى 1300 سنة ، وقد وضعوا رؤيتهم وتفسيراتهم وإستنباطهم وقياسهم وإجتهادهم طبقاً لظروف عصرهم، ومعطيات وأدوات زمانهم الشحيحة الفقيرة العنيفة ، والبسيطة علمياً وتكنولوجياً ، بفكر بشرى محدود بزمانهم.
فجائت أرائهم متناقضة ومختلفة أشد الإختلاف ، لقصور الأدوات البحثية فى زمانهم ،لذا وجدنا مئات المذاهب التى تختلف فى حكم مسألة واحدة إختلاف شديد --، لكن مقارنتاً بزماننا من ناحية الإمكانيات البحثية والرؤية الجمعية بفضل التكنولجيا الحديثة ، فقد أتيحت لنا أدوات لم ينعم بها هؤلاءالأوائل ، مثل البحث عن طريق الإنترنت ، وإمكانية التعرف على رأى كل الباحثين فى كل أسقاع الدنيا لمسألة واحدةً معينةً فى دقائق معدودةً ،فى حين كان هذا يستلزم من فقهائنا ومشايخنا الأوائل عشرات السنين ، كى ينتقل ببغلته أو حمارة من دولة إلى أخرى، ليسمع رأى غيره ، أو يسمع ممن أتو بعده.
أيضًا نحن الأن نستطيع أن نحمل مئات الكتب على شريحة ميمورى صغيرة توضع فى الجيب ، فى حين كان أسلافنا لايملكون الكتب بل بعض المخطوطات ، والكتاب الواحد يملكه كل مواطنى الدولة ،لأن الكتاب يُكتب باليد ويوضع منه نسخة أو نسختين على الأكثر، هذا إذا وفرت الدولة الإسلامية وقتها الإمكانيات لذلك ---، مما جعلنا نرصد كل الفقه وكل كتب التراث بيسر فتطضح الصورة أمامنا كاملة ، علاوة على أن زمن أسلافنا كان يتسم بالعنف وإعمال السيف وغياب القوانين الحضارية المنظمة للدول والشعوب مثلما هو موجود فى عالمنا اليوم .
فزماننا الذى يقوم على سيادة القانون والعقاب بالسجن الذى لم يعرفه أسلافنا، وماكان مباحاً فى وقتهم قد يكون مُجَرَماً وبشدة فى وقتنا هذا ، فكان أسلافنا يقدمون أحكام القطع والجلد والرجم فى أحكامهم ، لأنه لا توجد لديهم سجون أو حكومة منتخبة من الشعب ، فهو نظام لم تعرفه أدبياتهم لتنظم الثواب والعقاب فى الدنيا التى أقرها لنا الرسول (ع) حينما قال فى حديث أنس الذى رواه مسلم وغيره أنتم أعلم بأمور دنياكم .
ونص الحديث الذى رواه مسلم عن أنس (ض)أن رسول (ص) مر بقوم يلَقِحون النخل فقال لهم الرسول: لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شيصا أى" تمرًا رديئًا" فمر بهم الرسول ثانية فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت لنا كذا ففعلنا كذا.. قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم.)) كما ذكره ابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان في صحيحه وغيرهم بروايات مختلفة ، ويفهم من هذا الحديث أن أمور الدنيا يسأل عنها المتخصصين بإقرار النبى ، حتى عندما مرض النبى لجأ لأهل التخصص وهو طبيب نجران المسيحى ،ورغم ذلك مازال هناك من معطوبى العقل ، مشوشى الفكر، الذين يرغبون فى توقف الزمن عند القرن السابع، فلا يَحلق لحيتهُ ، معتبراً أنها سنة لحديث عبد الله إبن عمر (إطلقوا اللحى وحفوا الشارب ) وهو حديث غيرمتواتر، أى لا يصلح سنداً لحكم .