«ومَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ رَمَى».. هذه الآية هي آخر ما قاله النقيب طيار محمد عاطف السادات شقيق الرئيس الراحل أنور السادات لزملائه، وطلب منهم قراءتها قبل أن ينطلقوا بطائراتهم لتنفيذ الضربة الجوية الأولى فى الثانية إلا ربع من ظهر يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، دون أن يعلم أنه سيكون أول اسم فى قائمة شهداء أكتوبر، وأن قصة استشهاده ستظل حكاية لا يعلم تفاصيلها سوى من هاجمهم فى اللحظات الأخيرة.
يوم استشهاد عاطف السادات كان واضحًا من إصراره أنه على ميعاد لا يخلفه مع الشهادة.. ذلك الشاب الذي كان في الخامسة والعشرين من عمره، والذي طلب يوم 6 أكتوبر من قائد تشكيله الشهيد الرائد طيار زكريا كمال أن يشارك في الضربة الأولى بدلاً من الانتظار إلى ضربة ثانية كانت تجهز لها القوات الجوية، وأمام إلحاحه استجاب قائده لذلك، واشتركا معًا في مهمة جسورة كللت باستشهادهما بعد أن قاما بعملية قصف قوات العدو في منطقة “أم مرجم”، ثم قصف الطائرات الإسرائيلية الرابضة في “المليز”.
فمع استقرار عقرب الساعات على الرقم اثنين وتعانق عقرب الدقائق مع الرقم خمسة، انطلق البطل بطائرته “السوخوي 7″ وبسرعة مذهلة عبر قناة السويس في اتجاه مطار “المليز” وسط تشكيل قتال السوخوي وفي حماية لصيقة من تشكيل طائرات “الميج 21″ من اللواء الجوي (104) المنطلقة من قاعدة المنصورة الجوية، وفي الطريق لمطار “المليز”، وجد تشكيل السوخوي طائرتين “ميراج” إسرائيليتين في الجو.
وترك، بشكل اختياري، فاروق عليش قائد التشكيل لطياريه الحرية لمن يريد أن يلقي الحمولة من القنابل والصواريخ ويشتبك مع الطائرتين المعاديتين – رغم أن التصرف الصحيح وقتها أن تلقي طائرات السوخوي حمولتها للدفاع عن نفسها – ولكن لم يلقِ أي طيار حمولته وبإصرار شديد، حتى يصلوا ويضربوا بها مطار “المليز”، والعجيب أن الميراج الإسرائيلي انسحب خوفًا من “الميج 21″ المصاحب لتشكيل السوخوي، ولم يدافع عن المطار، وأصبح عاطف ومن معه فوق الهدف تمامًا، فأطلق صواريخ طائرته مفجرًا رادار ومركز قيادة صورايخ الهوك اليهودية للدفاع الجوي المحيطة بالمطار؛ لحرمان العدو الإسرائيلى من استخدامها ضد قواتنا الجوية طوال فترة الحرب، وقام باقي التشكيل بضرب وتدمير مطار المليز وإغلاقه.
وقام الشهيد عاطف بدورتين كاملتين؛ للتأكد من تدمير الهدف تمامًا، وحتى لا يترك أي فرصة لاستخدام تلك البطاريات ضد الطائرات المصرية، وفي الدورة الثالثة أصيبت طائرة البطل، في نفس اللحظة التي انتهى فيها من التبليغ عبر أجهزة اللاسلكي عن تمام تنفيذ مهمته، أصيبت طائرة عاطف السادات بصاروخ دفاع جوي إسرائيلي.
تحطمت طائرته، وارتوت رمال سيناء الحبيبة بدمائه الطاهرة؛ ليحظى بالشهادة فوق أرض البطولة، بعد أن أسهم والعديد من رفاقه نسور الجو المصريين في فتح الطريق للقوات المسلحة المصرية؛ لتبدأ هجومها الكاسح نحو استعادة سيناء ورفع العلم المصري فوق أرضها الغالية.
وقال أحد الأطباء الإسرائيلين ويسمى “بن شتاين”، من الذين شهدوا بطريقة شخصية استشهاد عاطف السادات “كان يومًا هادئًا، وكنا حوالي عشرين شخصًا فقط، وفي تمام الساعة الثانية والربع ظهرًا فوجئنا بطائرتين مصريتن حربيتين ربما سوخوي أو ميج، فالطيار الأول أخذ يدمر ممرات المطار ويطلق صواريخه على حظائر الطائرات، أما الطيار الثاني فأخذ يصوب صواريخه على صواريخ الدفاع الجوي سكاي هوك التي شلت تمامًا”.
وأضاف شتاين “أتم الطيار الأول مهمته، وانسحب على الفور، أما الطيار الثاني فلم ينسحب؛ لصعوبة مهمته، ولأننا في إسرائيل مدربون على كافة أنواع الأسلحة. صعدت مع زميل لي على مدفع أوتوماتيكي مضاد للطائرات؛ لإرغامه على العلو بطائرته إلى المدى الذي يمكن لصواريخنا المتبقية إصابته قبل أن يجهز عليها، وإذا بهذا الطيار المصري يطير باتجاهنا وجهًا لوجه، ويطلق علينا رصاصات من مدفع طائرته أصابت زميلي إصابات بالغة، لكن ما أدهشني قدرته غير العادية على المناورة وتلافي رصاصات مدفعنا، لدرجة أنني ظننت أنه طيار أجير من بلد أوربي، لا يمكن أن يكون هذا هو مستوى الطيارين المصريين”.
وأشار شتاين إلى أنه “أثناء قيام الشهيد عاطف بالدورة الثانية، وجدنا أن هناك فرصًا عديدة لاصطياده، وأثناء دورانه في الدورة الثالثة والأخيرة أصابه زميلي بصاروخ محمول على الأكتاف كنا تسلمناه حديثًا من الولايات المتحدة، وأسقطناه بعد ما قضى تمامًا على جميع بطاريات الصواريخ، ودعم زميله في شل الحركة بالمطار وتشويهه”.
وتابع شتاين “الصدمة الحقيقية لنا عندما عرفنا أن الطيار الذي دمر داخل طائرته هو عاطف السادات الشقيق الأضغر للرئيس أنور السادات، وازداد الرعب في قلوبنا؛ خوفًا من تضاعف العقاب على إسرائيل من الرئيس السادات؛ انتقامًا لمقتل أخيه، خاصة وأن القيادة الإسرائيلية مرتبكة والاتصالات شلت تمامًا، وعندما عادت الاتصالات للعمل، اتصلنا بالقيادة في تل أبيب؛ لإيجاد حل، لكن لم نسمع منهم سوى جملة واحدة وهي: لا نعرف.. لا توجد معلومات متاحة.. ابقَ مكانك حتى إشعار آخر”.
وأضاف أنه “عندما حضر الصليب الأحمر لاستلام جثمانه المتفحم، أديت أنا زملائي التحية العسكرية له؛ نظرًا لشجاعته التي لم ولن نرى مثلها أبدًا”.
يذكر أن الشهيد عاطف السادات ولد يوم 13 مارس عام 1948، وتخرج في الكلية الجوية عام 1966، وقضى عامين في الاتحاد السوفييتي؛ تطبيقًا لبرنامج تدريبي على المقاتلات الجوية ثم القاذفات المقاتلة (السوخوى).
وفي عامي 1969 و1970 شارك عاطف السادات في عمليات هجومية مصرية ضد طائرات إسرائيلية في اتجاه سيناء، ووصفه زملاؤه بأن خبرته في حرب الاستنزاف جعلته معلمًا على الطائرات السوفييتية في تلك الفترة. لم تكن تعنيه العودة بقدر ما اهتم بإتمام المهمة على أكمل وجه، وفى شهادة سابقة لقائده العميد فاروق أبو النصر عليش، وصف عاطف السادات بكلمات ثلاث “شجاع وشهم وملتزم”، مشيرًا إلى أنه لم يكن يتكلم عن شقيقه رئيس الجمهورية ولم يحاول استغلال سلطة أخيه أبدًا.
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.